عندما يهتم بايدن بأمن إسرائيل أكثر من نتنياهو

وزير الأمن يوآف غالنت عُزل من منصبه بينما كنت فوق الأطلسي، في طريقي إلى يوميْن من اللقاءات مع قادة من الإدارة في واشنطن، أعرب محاوريّ عن قلقهم الكبير من الخطوة وانعكاساتها؛ وزير الأمن يبدو لهم أنه هو الرجل الذي يعبّر عن استمرار التعاون الأمني بين البلديْن. أردتُ أن أناقش المسؤولين بشأن رؤيتهم لاستراتيجية وقف إيران عن التوصل إلى السلاح النووي، وكيف يعالجون تآكل الردع أمام حزب الله، وإمكانية ضم السعودية إلى “اتفاقيات ابراهام”؛ لكن الموضوعيْن الأساسييْن اللذيْن تناولتها المحادثات كانا خطورة تصرفات الوزراء المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية والانقلاب القضائي. جميع قادة الإدارة الأمريكية يعربون عن قلقهم الحقيقي من الدوامة التي علق بها رئيس الحكومة والدولة وعلاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة. تهديد الديمقراطية الإسرائيلية هو تهديد لمكون حيوي في تحالفنا الاستراتيجي مع الولايات المتحدة؛ قاعدة القيم المشتركة.

الرئيس بايدن صديق حقيقي لإسرائيل، ويثبت ذلك على مدار عقود في كل المناصب المهمة التي تولاها في الكونغرس وفي قيادة الإدارة، التزامه بأمن إسرائيل وازدهارها عميق، بغض النظر عن هوية رئيس حكومتها. الرئيس وإدارته كانوا يريدون التركيز على التعاون مع إسرائيل في المواضيع التي تتصدر جدول أعمال البلديْن، وبدلًا من ذلك وجدوا أنفسهم مشغولين في إنقاذ إسرائيل من نفسها. مثير للانطباع من ناحية ومحزن من الناحية الأخرى أن ترى مسؤولي الإدارة قلقين بشأن تدهور وضع إسرائيل الأمني والاقتصادي والسياسي أكثر من رئيس حكومتها.

الرئيس بايدن هو ربما الرئيس الديمقراطي الأخير الذي يعرف نفسه بأنه صهيوني، ويؤلمه الضرر الذي تلحقه الحكومة الإسرائيلية بقدرة إدارته على التصدي للانتقادات التقدمية الآخذة في الاتساع في صفوف الحزب الديمقراطي ضد إسرائيل والقوى المناهضة لإسرائيل في الولايات المتحدة؛ عناصر الـ (BDS). خطوات الحكومة توفر لهم سلاحًا مدمرًا ضد إسرائيل، لم يتمكنوا من تحصيل مثله طوال سنوات نشاطاتهم.

عمل بايدن على تعزيز أمن إسرائيل ومكانتها، أرسل مساعدات أمنية بحجم هو الأكبر على الإطلاق؛ مساعدات تمكّن من مواجهة إيران، حماس، وحزب الله، ومنع من خلال الفيتو الأمريكي قرارات خطيرة على إسرائيل في مجلس الأمن، وفعل الكثير لكي تحل إسرائيل كشريكة اقتصادية وتقنية للولايات المتحدة. الآن، يجد صعوبة في الوقوف جانبًا وينظر إلى حكومة إسرائيل وهي تهز جميع مكونات قوتها من الداخل، بما في ذلك الجيش الإسرائيلي، وتقوم بتدمير قيمة حقيقية في مكانتها في الولايات المتحدة، وفي المنطقة وفي الساحة الدولية.

في واشنطن كما في إسرائيل، يدرسون وقف التشريع والمحادثات، هل هي خطوة تكتيكية يُراد منها تخدير معارضي الانقلاب القضائي أو ربما تعكس رغبة حقيقية في التوصل إلى توافق وطني، يعزز قوة إسرائيل كدولة ديمقراطية. كما في البلاد، في واشنطن أيضًا ينتظرون جسر الشروخ والخطوات الحقيقية، وليس “حيلًا ومهدئات” في الطريق إلى تجديد المجهود المحموم لتغيير طابع إسرائيل الديمقراطي لاعتبارات سياسية وشخصية. إذا تجدد وميض التشريع، خاصة لفين – روتمان، يبدو أن هذه الإدارة لن تجلس مكتوفة اليدين، وسوف تذكر أعضاء الحكومة مرتفعي الصوت بمدى ارتباط إسرائيل بدعم واشنطن؛ الفيتو في مجلس الأمن، المساعدات في الموازنة الأمنية، الحفاظ على التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي، الضمانات الاقتصادية والدعم في حال اندلعت الحرب.

هناك خيط يربط بين من يرفض الاستماع إلى تحذيرات المقاتلين الوطنيين في خدمة الاحتياط بالجيش الإسرائيلي، الذين يخاطرون بحيواتهم في سبيل الدولة، وبين من يسكت بالازدراء رئيس الولايات المتحدة، وهو واحد من أكبر أصدقائنا، الذي يترأس القوة العظمى العالمية – التي يعتبر دعمها لإسرائيل أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا وتقنيًا – ضروريًا لوجودنا وصراعنا ضد القوى الساعية إلى تدمير الدولة اليهودية. العامل المشترك بينهم هو الانفصال العميق عن الواقع وعيشهم في عالم بديل زائف، “أساسه” مجموعات الواتساب، وشبكات التواصل الاجتماعي، لكن نهاية العوالم الموازية هي الانهيار والتحطم أمام صخور الواقع الحقيقي في العالم من حولنا، والرسائل من واشنطن هي إرهاصات لهذا التحطم.

وفي آخر السطر: قمرة القيادة الإسرائيلية في الدوار، في سماعات القياديين فقط وصياح المؤيدين، وعيونهم على “تويتر”، وزير الأمن الذي يحذر من الانهيار وإضعاف الجيش الإسرائيلي يرمى من قمرة الطيار إلى الخارج، ورئيس الولايات المتحدة على رأس القوة العظمى الأكبر في العالم يُزدرى من قِبل المسعفين في المقاعد الخلفية من الائتلاف؛ ورئيس الحكومة يسكت عنهم. رغم وقف المحادثات، يبدو أن سرب الآلات ما يزال يحلق في قلب (المسجد الأقصى)، الحكومة الإسرائيلية ومن يترأسها يجب أن يستفيقوا سريعًا، ما يزال وقت السيطرة على المقاود ليس متأخرًا، والعودة إلى التركيز على الأهداف المهمة حقًا لمواطني إسرائيل، كما عرفها رئيس الحكومة نفسه في خطابه الأول في الكنيست: إيران، السعودية، وارتفاع المعيشة والأمن الشخصي. إنه الوقت المناسب للحديث الصادق والحقيقي من أجل ضمان بقاء إسرائيل ديمقراطية قوية، ومن أجل حياكة التمزقات، وترميم التضامن ووحدة المصير الإسرائيلية.

عن أطلس للدراسات والبحوث

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *