عندما ينتصر الأسير على السجان: نضال الأسرى الفلسطينيين من خلف القضبان


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

كان استشهاد خضر عدنان يوم الثلاثاء الماضي بعد انتهاء يومه السادس والثمانين لإضرابه عن الطعام متوقعا. فقد بدأت حركته تضعف وقواه تنهار منذ دخوله اليوم الثمانين. رفض أن يأخذ شيئا سوى الماء كما رفض التغذية القسرية وتمسك بمطلبه في الحرية لأنه لم يرتكب ما قد يدان عليه حتى بمعايير الفاشيين. فإما المحاكمة أو الإطلاق. كان يصر على أنه يحب الحياة ويحب عائلته ويحب وطنه وشعبه لكنه يحب الحرية أولا: فإما الحرية حيا وإما الحرية شهيدا. وقد نال الحرية الأبدية ليصبح الشهيد رقم 237 الذي يرقى في زنازين الفاشيين.

لقد دخل في معركة «كسر عظم» مع إيتمار بن غفير، مسؤول الأمن الداخلي بما فيها إدارة السجون، الذي أقر سلسلة من القوانين الجديدة تتعلق بالأسرى الفلسطينيين لكسر إرداتهم وإذلالهم وإغلاق نوافذ الأمل أمامهم. انتصر خضر على سجانيه مرات قبل هذه المرة وبنفس الطريقة. فقد استعاد حريته في إضراب عن الطعام عام 2012 في اليوم السابع والستين.  وعاد وأضرب عن الطعام مرة أخرى عام 2015 وانتصر على سجانيه بعد 56 يوما. لكن هذه المرة، أراد الفاشي أن يكسر إرادة الشيخ عدنان وفشل. آثر الشهادة على التراجع عن مطلب الحرية الذي رفعه منذ اعتقاله يوم 5 شباط/فبراير الماضي وهو نفس اليوم الذي أعلن فيه الإضراب عن الطعام. تمسك بمطلبه وأصبحت قضيته قضية الوطن كلها والأسرى كلهم وتردد اسمه في كل منابر الإعلام والصحافة في العالم بما فيها الأمم المتحدة، حيث أصدر الأمين العام للأمم المتحدة بيانين واحد قبل استشهاده يطالب بمحاكمته أو الإفراج عنه والثاني يوم استشهاده حيث أعرب عن قلقه لوفاة خضر عدنان. وطالب السلطات الإسرائيلية بضمان إجراء تحقيق شامل في ملابسات وفاته، كما دعا السلطات الإسرائيلية بوضع حد لممارسة الاعتقال الإداري، «فإما أن يتم توجيه تهم فورية لجميع المحتجزين إدارياً ومحاكمتهم أمام محكمة أو إطلاق سراحهم دون تأخير».

القوة المعنوية للأسرى

يقبع في السجون الإسرائيلية الآن 4750 أسيرا و29 أسيرة و160 طفلا، و900 معتقل لا يعرفون متى يحاكمون أو يتحررون. ودخل السجون والمعتقلات الصهيونية منذ عام 1967 واحد من بين كل أربعة فلسطينيين لتكون من أعلى النسب في العالم قياسا لعدد السكان. ولا يمر يوم دون مداهمة، أو اعتقال أو مطاردة أو اغتيال. ففي شهر نيسان/أبريل اعتقل 711 شخصا من بينهم 79 طفلا و6 نساء. وانتهجت السلطات الصهيونية سياسة كسر الإرادة الفلسطينية وتطويع النفوس الشامخة من خلال الأسر. إلا أن هذا لم يضعف ولم يفت من عزم الفلسطينيين بل زادهم تصميما وتحديا للسلطات. تحول السجن إلى مدرسة وجامعة ومركز تدريب ومنبر للمحاضرات وفرصة للنقاش بين الفصائل والاتفاق على برامج نضالية مشتركة. تخرج من السجون الأساتذة والنشطاء والقادة السياسيون. ونستطيع أن نجزم أن قيادة الانتفاضة الأولى عام 1987 كانت بشكل رئيسي من الأسرى المحررين في صفقة التبادل الكبرى عام 1986. ولا يمكن كذلك أن ننسى «وثيقة الأسرى للوفاق الفلسطيني» التي صدرت في أيار/مايو 2006 والتي جاءت على خلفية الصدع الفلسطيني الذي تعمق إثر الانتخابات التشريعية التي جرت في كانون الثاني/يناير 2006 وفازت فيها حركة حماس، لكن السلطة الفلسطينية قررت مقاطعتها وعزلها تحت ضغوط خارجية وعربية وكانت الأجواء مشحونة خاصة في غزة تنذر بمواجهات بين الفصيلين الكبيرين والذي حدث فعلا بعد سنة من ذلك التاريخ.
وقد كتب الأسرى في رسالة جماعية هربت من السجون والمعتقلات تقول: «نحن أحياء في مدافنكم، لن نموت ولن نهزم رغم المحنة المظلمة، ولن نتخاذل وسننهض، ولن نكون إلا كما يرانا شعبنا ويحب، مرفوعي الرؤوس منتصبي القامات ومناضلي حرية».

وسائل المقاومة

لقد استخدم الأسرى عدة وسائل في نضالهم المتواصل لتحقيق مطالبهم. ويمثل العصيان الجماعي أكثر الخطوات تأثيرا وفاعلية. ومن بين الخطوات رفض استلام الطعام أو رفض الخروج إلى الساحة ما يسمى بـ«الفورة» أو الصراخ المتواصل أو الضرب على الجدران أو رفض التعامل مع السجانين أو حجزهم. لكن الإضراب عن الطعام (معركة الأمعاء الخاوية) الفردي والجماعي ما زال يعتبر السلاح الفعال لمواجهة الإجراءات التعسفية والظالمة والإجرامية بحق الأسرى.  الإضراب عن الطعام يبقى الأسلوب الأكثر تأثيرا على الرأي العام عندما يبدأ العد التصاعدي للأيام بحيث يصبح الوطن كله يعد الأيام مع الأسير، وقد ضرب بعضهم أرقاما قياسية مثل سامر العيساوي الذي أضرب عن الطعام 287 يوما، والأسير هاشم أبو هواش أضرب لمدة 132 يوما. وأضرب نحو 1380 أسيرا إضرابا جماعيا عن الطعام في أيلول/سبتمبر 2021 وبدأت أعداد الأسرى المنضمين للإضراب تتزايد فانصاع العدو لمطالبهم.
لقد تحول كل أسير فلسطيني بما يملكه من إرادة كالفولاذ، لا تنحني ولا تلين، إلى مخرز يسمل عيون أعدائه ودرع يحمي رفاقه وإخوته وتحولت ساحات السجون إلى منطقة مواجهات ومناكفات وتحد بين إرادة طالبي الحرية وفاشية السجان.
إن أعظم ما يحتاجه الأسرى هو التضامن معهم في الخارج.  فكلما زاد الالتفاف حولهم خارج السجون كلما تعزز صمودهم أكثر. وقد طالب الأسرى في إضراب 2023 جميع الفلسطينيين بنصرتهم والتضامن معهم واعتبار يوم الجمعة من كل أسبوع يوم غضب نصرة للأسرى. وأكد الأسرى أن خطوات العصيان ستكون مفتوحة حتى التاريخ المحدد لخطوة الإضراب عن الطعام التي كانت مقررة في الأول من رمضان، لكن الكيان أحس بخطورة النضال الجماعي للأسرى وتأثيره على الرأي العام وخاصة شحذ روح الانتقام لدى الجماهير الفلسطينية فحققوا مطالبهم بسرعة.

مطالب الأسرى

تتضمن مطالب الأسرى عادة السماح أولا بزيارات الأهل والأقارب ليس فقط أفراد العائلة بل أوسع من ذلك، كما تشمل إدخال الكتب ووسائل الكتابة والسماح باستخدام أوسع للهاتف للاتصال مع الأهل وتحسين نوعية الطعام والسماح للأسرى بإعداد وجباتهم بأنفسهم وتسهيل لقاءاتهم مع محاميهم والسماح بنشر ما يكتبون خارج جدران الأسر وإلغاء السجن الانفرادي وتسهيل الوصول للعلاج الطبي والسريع ووقف الممارسة الفاشية بإهمال الأسير طبيا حتى الموت كما حصل مع الأسير ناصر أبو حميد وكما يحصل الآن مع الأسير وليد دقة. أما المعتقلون الإداريون فتنحصر مطالبهم بالإخلاء أو المحاكمة.
والجدير ذكره أن إدارة سجون الاحتلال فرضت عقوبات جماعية بحق الأسرى في عدد من المعتقلات، ردا على خطوات «العصيان» التي نفّذوها رفضا لتطبيق إجراءات المتطرف بن غفير. وبدأت سلطات الاحتلال العقوبات ضد الأسرى، في بعض السجون بخفض كمية المياه المخصصة لهم يوميا، وكذلك تقنين وقت الاستحمام، لجعلها دقائق قليلة لكل أسير.
وتشمل خطة بن غفير التي أعلنها عقب توليه منصبه كوزير للأمن القومي، حيث تتبع إدارة السجون لسلطاته، فرض عقوبات ووقف توزيع الأسرى داخل السجون بناء على الانتماء السياسي، وإلغاء ممثل الأسرى، ومنع الأسرى من طهي طعامهم بأنفسهم، أو شرائه من الكانتين في السجن، علاوة على قرار إجراء عمليات تنقلات واسعة للأسرى، تستهدف 2000 أسير وسحب مقتنياتهم وتعريضهم للضغط النفسي والجسدي وعدم الانصياع لمطالبهم.

عن القدس العربي

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

Author: عبد الحميد صيام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *