على طريق النصر – يجب على إسرائيل أن ترد على شجاعة عباس

في خطاب قوي بشكل خاص ، فعل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس شيئا نادرا جدا بالنسبة لزعيم عربي : فقد خاطر باطلاق تصريحات جريئة وموقف أخلاقي واضح . حيث قال عباس في خطاب متلفز يوم الأربعاء : “يا أبناء الكلب ، أطلقوا سراح الرهائن”، مهاجما حماس بشكل مباشر بسبب استمرار الحرب التي جلبت الكارثة على الجانبين، ومطالبا إياها بالتخلي عن السيطرة على غزة ونزع سلاحها.
لم تكن هذه لفتة دبلوماسية غامضة ، وإنما كانت أقوى تصريح سمعناه من زعيم عربي مركزي ضد حماس . وعمليا فإن هذا بالضبط هو ما كانت تنتظر إسرائيل سماعه من أحد الزعماء العرب ــ من مصر، أو الأردن، أو المملكة العربية السعودية، أو قطر. وهذا مهم.
لأنه حتى اذا كان هناك من يرى أن عباس ضعيف أو فاسد أو غير ذي صلة، فإنه لا يمكن تجاهل معاني ذلك : فرئيس فلسطيني يقبل فعليا في زمن الحرب موقف إسرائيل بشأن مواضيع جوهرية ــ إطلاق سراح المخطوفين ونزع سلاح حماس . وماذا كان رد فعل حكومة اسرائيل المهملة والفاسدة والمتعصبة والمفسدة ؟ بالطبع كان متجاهلاً .
كان من الأفضل لو أن دونالد ترامب، الذي أعطى إسرائيل حرية العمل غير المحدودة تقريبا، استخدم هذا التصريح كذريعة لإحداث تحول : فحرب إسرائيل عالقة، وإذا كان ترامب يريد حقا إنهاءها ، فعليه أن يتحدث مع نتنياهو حول عباس .
ومن أجل فهم أهمية هذا الأمر ، من المهم أن نتذكر الحذر المبالغ به الذي أبداه عباس في الماضي . فبعد مذبحة السابع من أكتوبر/تشرين الأول التي نفذتها حماس، تعرض عباس لانتقادات مبررة بسبب رده البطيء والغامض . وفي تصريحاته الأولى، لم يأتي على ذكر حماس بالاسم، لكنه أدان مقتل المدنيين “من الجانبين”.
والآن يتهم حماس علناً بالدمار الذي يجتاح غزة ــ وهذه مراهنة سياسية جادة . فمع مزيد الأسف فإن عباس لا يحظى بشعبية ، في حين مازالت حماس تحظى بتأييد شعبي كبير . ويعتبر موقفه بمثابة انحراف مرحب به عن سياسة الغموض التي اتبعها في الماضي . وهذا يترك إسرائيل ــ وخاصة حكومة نتنياهو ــ بدون أي ذرائع .
على مدى سنوات، تعامل نتنياهو مع عباس والسلطة الفلسطينية ــ هيئة الحكم الذاتي التي أقيمت في تسعينيات القرن العشرين في ظل حكومات إسرائيلية براجماتية ــ باعتبارهما غير مناسبين في أفضل الأحوال، وأعداء في أسوأ الأحوال . وقد عمل على تقويض السلطة الفلسطينية بشكل منهجي ، في حين عزز من قوة حماس ، التي استولت على غزة من عباس في عام 2007.
وحتى أن نتنياهو كما هو معروف سمح بنقل أموال من قطر إلى قطاع غزة من أجل الحفاظ على الانقسام عن الضفة الغربية ، ورفض إجراء مفاوضات جدية مع رام الله . وانفجر كل شيء في وجهه – بشكل كارثي بالنسبة لإسرائيل – وما زال يرفض تعلم الدرس . وهكذا نشأ وضع غير منطقي : إسرائيل تقاتل حماس، لكنها ترفض البديل الفلسطيني الوحيد.
السلطة بعيدة كل البعد عن الكمال . فمناهجها الدراسية تتضمن محتوى تحريضي ، ويجب وقف دعم أسر المخربين ، كما أن الاستجابة الفاترة لعرض السلام السخي الذي قدمه إيهود أولمرت في عام 2008 تشكل وصمة صعبة . وكذلك الفساد والجمود في أجهزة السلطة ليست بعيدة عن الأنظار .
ولكن كل هذا لا يغير حقيقة اساسية : وهي أن السلطة الفلسطينية هي الهيئة الوحيدة التي تتمتع بالشرعية الدولية، والقدرة على الإدارة المؤسساتية ، ولها تاريخ من التعاون الأمني مع إسرائيل . لقد حافظت على هدوء نسبي في الضفة الغربية في ظل ظروف صعبة للغاية، وما زالت الشريك الوحيد لأي أفق سياسي مستقبلي.
وإن معارضة بنيامين نتنياهو لأي مناقشة للسلطة الفلسطينية باعتبارها مكون محتمل في غزة ما بعد حماس هي ليست مسألة دبلوماسية ـ بل مسألة سياسية . حيث أن شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، يفضلون رؤية غزة مدمرة أو محتلة بشكل دائم بدلاً من تسليمها لعباس . إن مد اليد للسلطة الفلسطينية – حتى ولو بصورة مشروطة – قد يؤدي إلى تفكيك الائتلاف. ولهذا السبب يماطل نتنياهو في كسب الوقت ويطيل أمد الحرب .
إن اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعته إسرائيل في يناير/كانون الثاني ــ ثم تراجعت عنه بشكل مخز ــ تضمن خطوات تهدف إلى إنهاء الصراع والإفراج عن جميع المخطوفين . ولكن عندما جاءت المرحلة الثانية، قام نتنياهو، تحت ضغط من اليمين، بوقف هذه الخطوة .
وبدون خطة نهاية تتضمن سلطة فلسطينية بديلة ، فإنه لن يصمد أي وقف لإطلاق النار . ولكن نتنياهو يريد شيئا واحدا فقط : كسب الوقت ، وقت للحفاظ على التحالف ، ووقت للتهرب من لجنة تحقيق ، وقت لتآكل مؤسسات الديمقراطية.
وفي الوقت الذي يتجنب فيه الجميع الوضوح الأخلاقي، بدأ عباس أخيرا يتحدث بوضوح . ويجب على إسرائيل – والمجتمع الدولي – أن يتوقفا عن التعامل مع السلطة الفلسطينية باعتبارها شبحا لاتفاقيات أوسلو ، وأن يبدآ في النظر إليها باعتبارها حجر الزاوية للمستقبل . سواء لتغييرات أو لتشريعات أو لإصلاحات وما إلى ذلك . ولكن هذه هي العلامة التجارية .
كما هو واضح فإن حماس لن تسرع لنزع سلاحها . ولكن إذا لم يتم طرح بديل عملي وبراغماتي على الطاولة، بدعم من الدول العربية والمساعدات الإسرائيلية والمجتمع الدولي ، فإن حماس سوف تبقى كخيار تقصير ، لأنه من غير الممكن القضاء عليها بشكل كامل ما دامت تحتجز 59 رهينة . ولكن إذا كان هناك بديل ، فإن الضغوط سوف تبدأ في التزايد بسرعة. والمفتاح هنا ليس “ضغط” عسكري إسرائيلي، وإنما ضغط شعبي عربي ودولي.
إن الجمهور الإسرائيلي يتوق إلى نهاية الحرب، وهو يدرك بالفعل أن هذه الحكومة غير الأخلاقية تتلكأ في سياسة تكلف أرواحاً بشرية من أجل بقاءها في السلطة . لقد حان الوقت ليقوم حلفاء إسرائيل ــ في واشنطن و في العواصم العربية ــ بفرض نهاية للأزمة : وهو سيناريو ا يهدف إلى تفكيك حماس، وتمكين السلطة الفلسطينية، وإعادة إعمار غزة بدعم عربي وغير عربي ، وتقديم أفق سياسي يمكن أن يؤمن به الفلسطينيون .
هذا هو الطريق الوحيد الذي يمكن أن يقترحه أحد ما بديلا عن سفك الدماء الأبدي . هذا هو السيناريو الذي قد ينقذ إسرائيل من نفسها.
المصدر: معاريف