على بعد خطوة من خراب الهيكل الثالث: إسرائيل تتلاشى – حرب إقليمية ستسحقنا

إن شعبنا شعب من نوع الناس العاديين، لا يتعلم العبر وينتظر حالات لم يعد من الممكن الخروج منها بسلام. في دولتنا، معظم المعلقين العسكريين يحللون في الاستوديوهات ما يحدث الآن دون أي فهم لما يخبئه لنا المستقبل. حتى لحظة كتابة هذه السطور، ما زلت لا أعرف ماالذي سيكون عليه رد حزب الله على مقتل فؤاد شكر الرجل الثاني في حزب الله واليد اليمنى لنصر الله، وماذا سيكون رد إيران على اغتيال إسماعيل هنية في منزله على الأرض الإيرانية. ومع كل هذا، يتضح لي بدون اي شك بأن وضعنا سيزداد سوءا بعشرات الاضعاف .
لم يتعلم شعب إسرائيل من دروس خراب الهيكل الأول، وخراب الهيكل الثاني، وثورة بار كوخفا، التي تم فيها ذبح مئات الآلاف من اليهود، وتم نفي الشعب من وطنه لمدة ألفي سنة. ولم نستخلص العبر لا من الكارثة الفظيعة ولا من الفشل الخطير بعدها منذ تأسيس الدولة. والآن، نحن نركض مسعورين باتجاه خراب الهيكل الثالث . والذين يقودون هذه الفوضى المرعبة هم ثلاثة مهووسين بإشعال الحرائق: بنيامين نتنياهو، يوآف غالانت، وهيرتس هاليفي واتباعهم في المستوى السياسي الماسيحاني والمستوى العسكري .
نفس المجموعة الماسيحانية جلبت علينا الكارثة الرهيبة في غلاف غزة، وبعد ذلك جلبت علينا حرباً إقليمية كانت ستندلع وتدمر الدولة . لو انه تم قبول اقتراح الاثنين (غالانت وليفي) بمهاجمة حزب الله بكامل القوة في نفس الوقت الذي نهاجم فيه حماس، لكانت اندلعت ضدنا حرب إقليمية متعددة الساحات .
لكن مهووسي الحرائق لم ينهو بذلك اذكاء نار الحرب التي تحرق كل جزء طيب من بلادنا : اغتيال محمد رضا زاهدي في القنصلية الإيرانية في دمشق، ومقتل 12 من كبار القادة دفعو إيران إلى مهاجمة إسرائيل. وبأعجوبة، لم تندلع بسبب هذا الهجوم حرب إقليمية شاملة ولا حتى حرب عالمية.
هذه الخطوة لم تحسن وضع إسرائيل في الحرب، بل على العكس من ذلك، ادت نتيجتها الى تغيير سياسة إيران من طرف إلى آخر . حيث تحولت من عامل يحرك الخيوط من وراء الكواليس إلى عامل يقف مباشرة في وجه إسرائيل في أي حرب إقليمية ستتطور في المستقبل .
نشهد هذه الأيام حيلة أخرى للمهووسين الثلاثة: مقتل الرجل الثاني في حزب الله في قلب بيروت ، ومقتل واغتيال إسماعيل هنية على الأراضي الإيرانية. ولا يوجد في تصفيتهم اي فائدة لتحسين وضع إسرائيل في الحرب، بل العكس هو الصحيح . وعلى الرغم من ذلك، يستمر مهووسو الحرائق الثلاثة في إشعال حرائق كبيرة بدلاً من محاولة إخمادها. و نحن موجودين الان على بعد خطوة واحدة فقط من اندلاع حرب إقليمية متعددة الساحات، لا يوجد لدولة إسرائيل أي فرصة للفوز فيها، وانما سنتلقى ضربة قاتلة يمكن أن تؤدي إلى خراب الهيكل الثالث .

إن قتل قادة العدو لم يشجع أو يوصل إلى أي حل لإنهاء الحروب، بل زاد من سوء حالنا بالاف المرات . في أغلب الأحيان، كان من جاء بدلا منهم أكثر تطرفًا وقسوة . وهذا ما يحدث عندما يتصرف الفرسان الثلاثة بدافع الكراهية والرغبة في الانتقام واستعادة شرفهم المفقود بعد الكارثة التي جلبوها على شعب إسرائيل في السابع من أكتوبر، وليس من منطلق التفكير العقلاني وفهم معاني كل عملية . عالمهم ضيق كعالم النملة حيث انهم يتعاملون مع اللحظة الانية فقط، ولا ينظرون الى معاني قراراتهم في المستقبل .
وحتى لو لم تندلع حرب إقليمية شاملة الآن، فطالما استمرت حرب “السيوف الحديدية”، هناك احتمال كبير للغاية بأن تهب علينا حرب إقليمية شاملة عاجلاً أم آجلاً وتجلب الفناء لنا . يجب أن نتذكر أنه إذا لم يكن لدى الجيش الإسرائيلي هذه الأيام إجابة لحماية مواطني إسرائيل، وإذا لم يكن قادرا على الانتصار ولو في ساحة واحدة (ساحة حماس ) على مدى تسعة شهور ، فمن المؤكد أنه لا يملك القدرة على الفوز على العدو الذي يحاصر إسرائيل بطوق خانق ولديه مئات الاف المسلحين ويملك قدرات لمحاربة اسرائيل في ست ساحات برية بوقت واحد .
واليوم إسرائيل تخبو ، حتى قبل اندلاع الحرب الإقليمية . و حرب الاستنزاف المستمرة منذ ما يقرب من العام بين حماس في الجنوب وحزب الله في الشمال تؤدي إلى تدهور إسرائيل أكثر نحو الجحيم . الجيش البري منهك حتى العظم، ولم يعد قادراً على مواصلة القتال لأكثر من عدة شهور .
وجنود الاحتياط بدأو ينسحبون بالفعل، ولم يعد الكثير منهم مستعدون للتجنيد. ولن يمر وقت طويل حتى نفقد الجيش الاحتياطي . كما أن الاليات الحربية المدرعة تأكلت بشكل كبير : لم تعد هناك قطع غيار، ولا توجد ذخيرة كافية، والمعدات لا تعمل بشكل صحيح وهناك نقص شديد فيها. ولا يوجد من يتعامل مع المعدات والأسلحة والذخائر في مستودعات الطوارئ بسبب نقص الكوادر المهنية. ولا يتلقى الجيش النظامي الحد الأدنى من التدريب المطلوب؛ وفي الدورات والتدريب نشأ جيل لايعرف ماثر وافعال الجيل المؤسس للدولة .
إن الدولة في طور الانهيار من الناحيةالاقتصادية، وأغلبية العالم ضدنا ويعلنون عن المقاطعة الاقتصادية وحظر الأسلحة علينا، وهذه المقاطعات تتوسع بسرعة ضد إسرائيل، كما أن مناعتنا الاجتماعية تنهار . و ينجح مهووسو الحرائق الثلاثة مرارًا وتكرارًا في إشعال قلوب الجمهور باغتيال أدى إلى مقتل زعيم عدو بفضل معلومات استخباراتية دقيقة.
وما هذا الامر إلا تضليل للجمهور وذر للرماد في العيون مما يزيد وضعنا سوءا بعشرات الاضعاف. لقد فقدت مجموعة مهووسي الحرائق طريقها وعقلها وتقودنا جميعًا إلى الدمار. إنهم يريدون أن تستمر الحرب مهما حدث، وإذا انتهت فلن يكون لديهم مكان يذهبون إليه، وسوف يفقدون مكانتهم العالية في لحظة واحدة وسيتم تسجيل اسمهم في الذاكرة الوطنيةلأبد الابدين.
من ينظر إلى الصورة بأكملها نظرة شاملة، يمكنه أن يرى النجاحات الصغيرة والإخفاقات الكبيرة. يرى بعين عقله أن نهاية الدولة تقترب أكثر فأكثر بخطوات ضخمة .

وفي نهاية المطاف، فإن الطريقة الوحيدة لإنقاذ دولتنا اليوم هي الإنهاء الفوري لحرب “السيوف الحديدية” مع حماس، لأنه لم يعد لها هدف . و إن استمرار الحرب لن يؤدي إلى انهيار حماس بل الى انهيار دولة إسرائيل. من المهم إطلاق سراح المختطفين فوراً في صفقة، على افتراض أن حزب الله سيلقي سلاحه ايضا . يجب علينا أن نكرس الكثير من الوقت الغالي والثمين لإعادة بناء الجيش الإسرائيلي، واقتصاد إسرائيل، وعلاقاتنا الدولية، ومناعة المجتمع الإسرائيلي. فعندما نصبح أقوى ونجمع قوة متجددة، وعندما يكون لدينا تحالف دفاعي مع الولايات المتحدة الامريكية – عندها سوف نكون قادرين على مواجهة أي تحد.

المصدر: معاريف

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *