رغم اني لست من فلسطيني سوريا ولم اولد في المخيم ،لكن معيشتي فيه لأعوام عدة ومن ثم عملي، في شارع لوبية،في محل لبيع الألبسة، بعد إنهاء علاقتي” بفسائل الغبرة”،ولأكثر من اثني عشر عاما،جعلني اليوم اشرد وافكر في أمر غريب  فرغم ان الكورونا اوقفت الحياة في الكون كله إلا أن الأمر كان مختلفا  في مخيم  اليرموك،حيث خلق  نوع جديد من الحياة اسمه “التعفيش”.هذا ما خطر في ذهني وانا استمع إلى تصريحات وفود سلطة رام الله،  وسلطة غزة،وفسائل الارتزاق الفلسطيني   التي ما انفكت تغزل طريق دمشق/بيروت في زيارات متتالية،والتي لم يجرؤ أحد منهم على الاقتراب،أو زيارة ما تبقى من عاصمة الشتات الفلسطيني(مخيم اليرموك)والسؤال عن وضع من عاد إليه بعد قرار النظام السماح بعودة سكانه منذ أكثر من تسعة أشهر؟في خضم اجتياح الكورونا للعالم،توقفت الحياة في مدن عالمية عدة ،إلا  في مخيم اليرموك في دمشق ،فظاهرة التعفيش وسرقة منازل وممتلكات المدنيين في المخيم ما زالت مستمرة، من قبل عناصر الأمن ، وبعض المدنيين من المناطق والبلدات المتاخمة له”.وما زال بامكان بعض من سمح لهم بزيارة المخيم  لتفقد منازلهم وإزالة الركام تمهيدا لعودتهم،أن يشاهدوا  سيارات كبيرة تخرج من بوابة المخيم الرئيسية محملة بأنواع مختلفة من المسروقات من بيوت الأهالي،حيث يستمرعناصر النظام والتنظيمات المحسوبة عليه ،حتى اليوم، بالقيام بتعفيش بيوت المخيم، في ظل منع سكانه من العودة إليه رغم صدور قرار حكومي يقضي بذلك.ورغم  أن سكان المخيم طالبوا “السلطات السورية والجهات المعنية ومنظمة التحرير الفلسطينية ووكالة الأونروا بالعمل على إعادتهم إلى منازلهم وممتلكاتهم، للتخفيف من أوضاعهم المعيشية القاسية التي يشتكون منها، نتيجة وباء كورونا وغلاء الأسعار وأجار المنازل الذي أنهكهم من الناحية الاقتصادية وزاد من معاناتهم،إلا أن لا شيء تم فعلا.

ظاهرة التعفيش يتذكرها الجميع حيث بدأت في  مايو/أيار 2018،  حينها شاهد وتابع معظم أهالي المخيم عملية النهب المنظم الذي قام به جيش النظام و”عفيشته”، واستمرت أعمال السرقة والنهب والتحطيم للمنازل بإشراف فرع فلسطين الأمني وفرع الأمن الجوي، وتقاسم فيه قادة الأجهزة الأمنية قطاعات المنازل في شارع الـ15 ولوبية واليرموك، بحسب أهمية المنازل وأصحابها الميسورين. لم يتركوا شيئا لم يحملوه معهم في شاحنات ضخمة أحضرها النظام لبوابات المخيم وحاراته وأزقته، قاموا بتقليع حتى بلاط ورخام أرضيات المنازل، لم يبق صنبور ماء في آلاف المنازل، ولم يبق كبل كهرباء ولا أي باب أو نافذة أو خزان ماء، تم سحب كابلات الكهرباء وتدمير أبواب ونوافذ المنازل التي لم تصبها البراميل المتفجرة، سرقوا حتى حديد أسقف المنازل المتهالكة.

لم يبق شيء سوى الركام، وفوقه تم إشعال الحرائق بما تبقى من منازل. اعادت بيوت اللاجئين إلى العصر ما قبل الحجري هو ما تم، وكل مندوبي الفسائل الفلسطينية في دمشق كانوا يتابعون مشهد النهب والتدمير الذي تم تصويره وبث مشاهده. في المشهد الرسمي لتلفزيون النظام و كان ظهور بعض  قيادات  الفرع الفلسطيني للنظام  يدلون فيه بتصريحات طنانة عن هزيمة “العصابات” وتحرير المخيم وتمجيد الجيش المخلص. انتهى مشهد “التحرير” منذ  أعوام، ليعود التصريح الفلسطيني الرسمي محتفيا بعودة  لفظية لسكان مخيم اليرموك إلى مخيمهم المحطم الخالي من أبسط مقومات الحياة البشرية، كأحد الإنجازات الكبرى للنظام بل ولبعض الفسائل الفلسطينية المقتربة منه يوما بعد يوم  بحسب وصف الناطق الإعلامي لمليشيا القيادة العامة الفلسطينية للتلفزيون الرسمي.

السؤال الاكبر الان هل ان ترويج الوهم للبشر يمكنه بأي حال من الأحوال إعادتهم لمخيمهم المدمر أساسا، فما الذي سيفعله من فقد بيته بالكامل وفقد أسرته بقصف النظام للمخيم الذي دمرت كل بنيته التحتية من الماء والكهرباء والصرف الصحي وضربت بنيته الاجتماعية. ومن يعش خارج المخيم، فإنه  يطلب منه تصريحا أمنيا لكل داخل وخارج لتفقد منزله. المشكلة ليست بأحلام الناس البسطاء في العودة لمنازلهم وممتلكاتهم، المشكلة في من يسوق الأوهام ويطلب من الضحايا أنفسهم مسح الجرائم التي ارتكبت  في مخيم اليرموك بأيديهم. أي مطلوب من الضحايا أن تقوم بكنس ما خلفته البراميل المتفجرة والصواريخ من ركام في الشوارع والبيوت في اليرموك، وأن تقوم بإزالتها بأيديها وعلى نفقتها. هذا السلوك  الا  يذكر بسلوك مشابه  في فلسطين حيث يطلب من الفلسطينيين هدم بيوتهم بأيديهم، بذريعة عدم التصريح  للبناء.

الأحلام هي الأحلام، والواقع مختلف تماما لما تبقى من أثر في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وتحديدا في اليرموك. البيئة الحاضنة للاجئين تم سحقها كليا، البيئة الاجتماعية تم تدميرها وتهجيرها وتشتيتها في بقاع الكون كله ، والبنية الاقتصادية لسكان المخيم تم إفقارها بشكل مخيف ومذل، كما هي بيئة السوريين التي حطمت في كل المناطق التي استهدفها، ومن يتوهم أن النظام عامل اللاجئين في اليرموك بشكل مختلف عما تعرضت له القصير وأحياء الغوطة وداريا ودرعا وحلب وحمص، فلينظر إلى شاحنات ودراجات جيش التعفيش وهي تحمل “برادات وغسالات وصحون وصور وذكريات اللاجئين”، وليدقق في أسماء وصور القتلى تحت التعذيب في فروعه الأمنية من نساء ورجال أبناء فلسطين.

هل ما يتم من تسويق وهم عودة سكان اليرموك كانجاز هو شبيه بتسويق  مماثل يتم في رام الله وغزة عن إعادة لم شمل العشرات بالتنسيق مع الاحتلال كانجاز وطني..إلم نعد نقدر على تحقيق اية انجازات إلا إنجازات تسويق الاوهام،كوهم بناء الدولة الفلسطينية من رحم سلطة فاسدة تتشارك مع الاحتلال في وظائف متعددة أمنية واقتصادية واجتماعية،سواء في رام الله أو غزة،وتشارك مع أنظمةعربية  شبيهة لها في اعادة سكان اليرموك إلى مهامهم المنزل والمدمر؟بئس هكذا انتصارات تقودنا إلى الحضيض أكثر فأكثر.

(على الأرض يا حكم : نصوص من مجموعة جديدة قيد الإعداد)

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *