
تقديم
جرت العادة أن تكون الترجمة ونشرها تالية لنشر المقال الأصلي. غيرأن مجلة الدراسات العربية وكاتب المقال تفضلا مشكورين بالإذن استثنائيا بنشر ترجمة المقال البحثي الذي أعده الدكتور سميرعبد ربه حول العلاقات الألمانية – الإسرائيلية باللغة الإنجليزية، قبل ظهوره في العدد القادم لمجلة الدراسات العربية الذي سيصدر في شتاء 2022 Arab Studies Quarterly (ASQ).
ومع أن إعداد المقال البحثي لا علاقة له بزيارة الرئيس محمود عباس لألمانيا في آب – أغسطس الماضي وسابق عليها . إلا أن ما استوجب استعجال نشر الترجمة وثيق الصلة بالهجمة الشرسة التي شنتها إسرائيل ورعاتها الدوليون على الشعب الفلسطيني. واستغلال رده الانفعالي على سؤال استفزازي في المؤتمر الصحفي المشترك مع المستشار الألماني، وتوظيف استعارته لمصطلح “الهولوكوست ” لوصف حرب الإبادة والتطهير العرقي التي ما يزال يشنها النظام الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري ضد الشعب الفلسطيني منذ النكبة الفلسطينية عام 1948، من أجل منع وتجريم أي محاولة لإخضاع سياسات وسلوك إسرائيل للمساءلة والمحاسبة. ولإرهاب كل من يتجرأ على كشف استخدام عذابات ضحايا الهولوكوست لتبرير تكرار استخدام إسرائيل لذات الأساليب والممارسات النازية ضد أبناء الشعب الفلسطيني . ضحايا الضحايا والجناة معا .
فالتحالف الإمبريالي الصهيوني العنصري يدرك خطورة كسراحتكارإسرائيل لمصطلح الهولوكوست الذي أكسبها صورة الضحية ، ومنحها ، وما يزال، حصانة استثنائية من نفاذ القانون الإنساني والدولي، وأبقاها حتى اللحظة خارج إطار المساءلة والمحاسبة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
ويرى أن كسر هذا الاحتكار يفسح المجال لإنهاء التماهي القائم حد التطابق، بين اليهودية والصهيونية وإسرائيل . ويكشف العنصرية وازدواجية المعايير الغربية وزيف الشعارات الديموقراطية عندما يتعلق الأمر بالآخرين . وينذر بإمكانية بدء تعافي الشعب الألماني وشعوب أوروبا من عقدة الذنب المسلطة على أعناقهم . ما يتعذرمعه، عند حدوث ذلك، مواصلة التهديد باللاسامية ومواصلة الابتزاز والتخويف لمنع إخضاع السياسات والممارسات الإرهابية لإسرائيل ورعاتها الدوليين للمناقشة العامة والمساءلة والمحاسبة.
يتسم المقال البحثي بأهمية فائقة، إذ يكشف النقاب عن الدورالألماني المسكوت عنه في النكبة الفلسطينية. رغم أنه يوازي في حجمه وأهميته وخطورته الدورين البريطاني والامريكي ، سواء في إنشاء الكيان الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري في فلسطين عام 1948، أم في تكريسه وتطوير قدراته العسكرية والتوسعية في كامل فلسطين الانتدابية، وعموم المنطقة العربية . أم في مواصلة دعمه لحروب الإبادة والتطهير العرقي الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، واستمرار رفض ألمانيا الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة التي تكفلها المواثيق الإنسانية والاتفاقات والقوانين والقرارات الدولية ومرتكزها الحرية والعودة وتقرير المصير .
ويلفت النظر إلى حقيقة ثبات السياسة الألمانية – كما البريطانية والامريكية وعموم السياسات الغربية – اتجاه المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري في فلسطين . واحتكامها لأهداف المشروع الإمبريالي العام . وعدم تأثرها بالتغير في النظم السياسية والأيديولوجيات وموازين القوى والحكومات .
حيث يشكل إنشاء كيان استعماري استيطاني أجنبي في فلسطين، وتوظيف الدين اليهودي من أجل تأمين احتياجاته الديموغرافية لإقامة عازل جغرافي وديموغرافي وحضاري معاد لشعوب المنطقة ، الركيزة الأساسية للمشروع الإمبريالي العام للقوى الاستعمارية الساعية للسيطرة على عموم المنطقة العربية – الإسلامية الممتدة، التي تقع في مركز العالم، وتسيطر على خطوط الملاحة والتجارة الدولية، وتمتلك ثروات طبيعية ومعدنية وفيرة ما تزال تشكل عصب الاقتصاد الدولي، ويشكل التحكم بها عنصرا مرجحا في موازين القوى الدولية الساعية للقيادة العالمية .
ففلسطين الصغيرة في المساحة وعدد السكان، تقع في منطقة الوصل الجغرافي والديموغرافي بين مشرق الأمة ومغربها. وقداستها لأتباع الديانات السماوية الثلاث التي يؤمن بها نحو ثلثي البشرية تضفي عليها فرادة خاصة. ثبتت فعاليتها في الغزو الإفرنجي / الصليبي/ قبل نحو عشرة قرون، عندما نجح الكيان الاستعماري الاستيطاني الإفرنجي/ الصليبي/ بالاستقرار في المنطقة قرابة قرنين . قبل أن تنهض شعوبها الأصيلة وتهزمه .
ذلك أن حاجة المستوطنين الأجانب الوجودية للحماية الخارجية – بخلاف الشعوب الأصيلة – تمنعهم من التمرد على رعاتهم الدوليين ، وتلزم الكيان الاستيطاني المستحدث بالدورالوظيفي الذي تحدده وتحتاجة القوى الدولية المتنفذة ، كقاعدة استعمارية متقدمة مؤهلة متدنية الكلفة نسبيا /ماديا وبشريا وأخلاقيا /، مقارنة بالكلفة البديلة التي ستتحملها تلك القوى عند اطلاعها مباشرة بإدامة هيمنتها .
يكتسب المقال البحثي أهمية خاصة :
إذ يسلط الضوء على حقيقة التطابق بين الأيديولوجيات العنصرية النازية والصهيونية من جهة . والتقاطع والتلاقي في مصالحهما باقتلاع يهود أوروبا – كل لأهدافه الخاصة – من جهة ثانية / النازية لتنقية العرق الآري وضمان تفوقه ، والصهيونية لإقامة مركز مسيطر لها في فلسطين عبر تهجير يهود أوروبا وإعادة توطينهم في فلسطين وإحلالهم محل سكانها الأصلانيين/ . والتزامن في توقيت تنفيذ أهدافهما من جهة ثالثة .
ويكشف التعاون الوثيق والموثق بينهما في “اتفاقية هافارا للنقل ” – الذي أشرفت عليه الوكالة اليهودية والاتحاد الصهيوني الألماني ، وجرى توقيعه في آب /اغسطس/ 1933 ، مع النظام النازي بعد أشهر قليلة من وصول هتلر للسلطة في ألمانيا – بهدف تنسيق وتنظيم اقتلاع اليهود من المناطق الأوروبية الخاضعة لسيطرة النظام النازي، وتهجيرهم إلى فلسطين، وتصفية ممتلكاتهم وتحويل العوائد لإعادة توطينهم في فلسطين وضمان استقرارهم فيها .
ويلفت النظر إلى تواصل هذا التعاون والتنسيق الألماني – الصهيوني وعدم تأثره بالتحول الأيديولوجي والسياسي في النظام الألماني بعد سقوط النازية ، ويدلل على ثبات التعاون الألماني – الصهيوني، بتوقيع النظام الديموقراطي الألماني عام 1952 لاتفاق لوكسمبورغ للتعويضات ، مع ذات المؤسسات والقيادات الصهيونية التي تواطأت مع النظام النازي لسحب المواطنة عن يهود ألمانيا وتصفية ممتلكاتهم ووقعت اتفاقية هافارا للنقل لترحيلهم إلى فلسطين.
كما يتميز المقال ، أيضا ، بما يحتويه من معلومات وبيانات موثقة حول حجم وتطور التعاون الألماني – الصهيوني ، الذي يرقى إلى مستوى التآمر على الشعب الفلسطيني والمساهمة المباشرة في النكبة الفلسطينية ، وفي حرب الإبادة والتطهير العرقي ، التي ما تزال إسرائيل تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني للعقد الثامن على التوالي .
تثير وفرة المعلومات تساؤلات كثيرة حول هشاشة النظام السياسي الفلسطيني للسلطة والمعارضة على السواء . وتقصيره في توفير الوعي المعرفي لترشيد القرار. وعدم إدراكه الصحيح لطبيعة العدو الصهيوني الذي يفترض به مواجهته وتشابكاته الدولية . وجهله بطبيعة الصراع الوجودي والمستلزمات الضرورية لإدارته وموجبات حسمه لصالح الشعب الفلسطيني. ومسؤوليته عن ضبابية الرؤى وغياب الأهداف ، ومواصلة القفز بين المناهج والخيارات ، والتهاون في توفير مقومات الصمود والاعتماد على الذات، والاستهانة بأهمية الفرز الصحيح بين الأصدقاء والأعداء، والتعويل على رعاة المشروع الصهيوني في حل الصراع، والتوهم بإمكانية استمالة الأعداء بالمزيد من التنازلات، والارتجال في إدارة الشأن العام، وغياب المساءلة والمحاسبة .
وتسبب ذلك كله ، وما يزال ، في خسارة الشعب الفلسطيني الكثير من الفرص الممكنة لتصويب مسار التاريخ الفلسطيني، ونصرة القضية الفلسطينية العادلة .
يدلل على مواصلة تبديد الفرص لعكس مسار التاريخ الفلسطيني:-
أولا : المواقف الاعتذارية الفلسطينية غير المبررة ، ومسارعة المسؤولين للتوضيح والدفاع للتبرؤ من الاتهام الجاهز والزائف للرئيس بإنكار المحرقه. والوقوع في فخ حرف النقاش العام نحو جرائم حدثت في الماضي الذي لا يمكن تغييره ، وتسبب بها أساسا التواطؤ الاستعماري والتعاون الصهيوني – النازي. عوضا عن تركيز النقاش العام حول جرائم الإبادة والتطهير العرقي والتمييز العنصري التي تجري في الحاضر وتواصل إسرائيل وداعميها ارتكابها ضد الشعب الفلسطيني في كامل فلسطين الانتدابية. وتحميل المجتمع الدولي مسؤولية وقفها .
ثانيا : الهجوم الثأري لبعض القادة والنخب المتغربة . وتسابقهم في توظيف الحرب الإعلامية الشرسة على الشعب الفلسطيني للانقضاض على السلطة الفلسطينية ورئيسها – لأسباب ذاتية أغلبها محكوم بدوافع تنافسية ، وأخرى موضوعية جلها محق – دون التبصر في التزامن اللافت بين الهجومين . وفي حقيقة أن الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية العادلة ، هم المستهدفون أساسا بالتصفية، وليس النظام السياسي الفلسطيني العاجز الآيل للسقوط ، والمستمر بفرعيه في الضفة والقطاع – رغم انفضاض الشعب عنهما- بفعل وصلهما بأجهزة التنفس الاصطناعي التي تتحكم بها ذات القوى الاستعمارية الصهيونية الغربية وحلفائهم الإقليميين والعرب.
ثالثا : استخدام الرسميين الفلسطينيين لأوصاف مضللة للعلاقات الفلسطينية – الألمانية ، كاعتبار الدولة الألمانية صديقة للشعب الفلسطيني، والتدليل على ذلك بفتات العون البالغ قيمته السنوية مائة مليون يورو، والمشروط بدور وظيفي يكرس الاحتلال . وتجاهل المواقف المعادية للحكومات الألمانية المتعاقبة اتجاه القضية الفلسطينية ، وإصرارها على مواصلة تجاهل الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، ورفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية ، وسن القوانين التي تجرم نقد السياسات والسلوكيات العدوانية الإسرائيلية اتجاه الشعب الفلسطيني، ومساواتها بمعاداة السامية .
رابعا : الارتعاش والتراجع أمام الهجمة الإعلامية الشرسة على الشعب الفلسطينى ، عوضا عن التوجه للرأي العام الألماني والدولي بالحقائق الدامغة، وبدعوة القوى التقدمية والمنظمات الحقوقية الألمانية والدولية لإخضاع علاقات بلادهم مع إسرائيل للنقاش العام والمراقبة والمساءلة من قبل شعوبهم وأطرهم التمثيلية السياسية والتشريعية والقضائية. والتنبيه إلى أخطار استثناء العلاقات مع إسرائيل حصريا من الشفافية ، ومن نفاذ القوانين والمعايير التي تعتمدها دولهم في علاقاتها الدولية ، والتحذير من تداعيات مواصلة استخدام موارد الشعوب في دعم حروب الإبادة والتطهير العرقي التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني .
لسنا بصدد الدعوة لمعاداة ألمانيا ، ولا لقطع العلاقات السياسية والديبلوماسية معها، وإنما هي دعوة لتصويب هذه العلاقات ، بمواجهة ألمانيا بحقيقة إسهامها في نكبة الشعب الفلسطينى ، ومسؤولية حكوماتها المتعاقبة السياسية والقانونية عن تداعيات التواطؤ مع الحركة الصهيونية إبان الحقبة النازية ، وتسببهم ،آنذاك، باقتلاع يهود أوروبا وتهجيرهم إلى فلسطين ، ودعم وتمويل استيطانهم واستقرارهم فوق أنقاض الشعب الفلسطيني، الذي اقتلع بالقوة من أرض وطنه لإحلالهم مكانه ، واستمرار هذا الدعم وتكثيفه بعد سقوط النازية مع ذات الجهات الصهيونية التي تواطأت معها ، واستخدام التعويضات الألمانية لتكريس المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري، وتطوير قدراته التدميرية . وتحميلها المسوولية عن تمويل تكرار إسرائيل لذات السياسات والسلوكيات النازية والعنصرية ضد الشعب الفلسطيني. وعدم التسامح مع مواصلة ألمانيا تحميل الشعب الفلسطيني أعباء التكفيرعن الجرائم النازية ، واستمرار تنكرها لحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والعودة وتقرير المصير. وعدم التهاون مع خطيئة استدعاء الخارجية الالمانية للسفير الفلسطيني، ومطالبة الحكومة الألمانية بالاعتذار رسميا عن إهانة الشعب الفلسطيني بتسريب الصحافة خبر اعتزام الشرطة الألمانية على مساءلة الرئيس الفلسطيني .
ترجمة المقال :
عقدة الذنب التي لا تنتهي في ألمانيا
د. سمير عبد ربه
ملخص تنفيذي
الصهيونية أيديولوجية سياسية تدعي التحدث باسم اليهودية واليهود. ومنذ العام 1897 تدعو إلى استعمار فلسطين وإنشاء دولة يهودية من خلال نقل يهود أوروبا وثرواتهم إليها. وفي العام 1933، مباشرة بعد وصول هتلر إلى السلطة، دعا النظام النازي الى تنقية ألمانيا من اليهود”. Judenrein”” .وقد أدى التماثل والتقاطع بين الأهداف والمصالح الصهيونية والنازية إلى توقيع اتفاقية هافارا في 25/8/1033 بين ألمانيا النازية والاتحاد الصهيوني الألماني، نيابة عن الوكالة اليهودية (حكومة إسرائيل المستقبلية)، بعد ثلاثة أشهرمن المفاوضات مع البنك الأنجلو-فلسطيني، والسلطات الاقتصادية في ألمانيا النازية).
في وقت لاحق في العام 1952 ، وقعت جمهورية ألمانيا الاتحادية وإسرائيل -التي تم إنشاؤها حديثا- اتفاقية لوكسمبورغ لدفع تعويضات ألمانية للدولة المستحدثة على مدى عشرسنوات، نيابة عن ضحايا المحرقه من اليهود.
بين العامين 1933 و1952 ، تغير القادة الألمان المنخرطون في الاتفاقيتين / هافارا ولوكسمبورغ / وتغيرت أيديولوجياتهما، غيرأن ممثلي الوكالة اليهودية وإسرائيل وأيديولوجيتهم الصهيونية بقواعلى حالهم.
في الوضع الطبيعي، كان يجب أن يتم دفع التعويضات مباشرة للضحايا اليهود أو عائلاتهم، لمساعدتهم على اجتياز الصدمات الشديدة التي تعرضوا لها. وعوضا عن ذلك ، قبلت جمهورية ألمانيا الاتحادية فكرة أن إسرائيل تمثل جميع الضحايا اليهود . والتزمت باستخدام نفوذها وثروتها من أجل”أمن” إسرائيل، من خلال دفع ما قيمته مليارات الدولارات من البضائع الألمانية، بما في ذلك المعدات والآلات العسكرية والصناعية. وبدلا من استخدام التعويضات الألمانية لمساعدة ضحايا المحرقه وعائلاتهم ، تم توجيه التعويضات لترسيخ استعمار فلسطين وتعزيز القدرة العسكرية الإسرائيلية على العدوان والتوسع في كامل منطقة الشرق الأوسط.
ومع تنامي النفوذ السياسي والاقتصادي الألماني في أوروبا خصوصا، والعالم عموما ، ازداد التزام ألمانيا السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي بإسرائيل.فعلى الرغم من انتهاء مدة الاتفاقية الخاصة بالتعويضات عام 1963، والتي امتدت عشر سنوات . إلا أن جمهورية ألمانيا الاتحادية استمرت في دفع مليارات الدولارات كتعويضات ومساعدات عسكرية لإسرائيل. وحتى العام 1967،كانت ألمانيا أكبر دولة مانحة لإسرائيل، وقد اتفق البلدان منذ البداية على إبقاء علاقتهما بعيدة عن الإعلام والخطاب العام، لتجنب النقاش العام والتدقيق والمساءلة.
وتجدر الإشارة إلى أن الطبيعة السرية للعلاقات الألمانية الإسرائيلية لعبت دورا مهما، وما تزال، في الإبقاء على شعور الألمان بالذنب اتجاه إسرائيل ، ما يمنع أي محاولة جادة لتقييم طبيعة وتأثير العلاقة بين البلدين.
تدمير المجتمعات اليهودية القديمة ضروري لإقامة دولة إسرائيل
إن تحميل أجيال المستقبل المسؤولية الجماعية عن جرائم الأجيال السابقة هو سلوك خبيث قد يؤدي إلى ارتكاب جرائم أخرى . لا يجب أن تتعرض الأجيال الحالية والمستقبلية لأعباء قانونية أو مالية أو جسدية أو نفسية أو إحساس بالذنب أو التعذيب بسبب سياسات وممارسات أجدادها
(خصوصا عندما ترفض الأجيال الجديدة هذه السياسات وتمتنع عن تكرار ذات السلوكيات).
غير أنه منذ الحرب العالمية الثانية ، أذعنت الحكومات الألمانية المتعاقبة ، وشاركت عبر سياساتها وممارساتها في تحميل الشعب الألماني (ماضيا وحاضرا ومستقبلا) المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبها النازيون ضد الألمان واليهود الأوروبيين على السواء .
كثيرا ما تفرض الدول المنتصرة شروطا على الدول المهزومة. كان هذا هو الحال بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية ، عندما ضغطت قوى الحلفاء على ألمانيا لدفع تعويضات الحرب بمبلغ 56 مليار دولار (33 مليار دولار، و 23 مليار دولار على التوالي).
وبالمقارنة ، فإن التكلفة الإجمالية لخطة مارشال لإعادة بناء أوروبا بعد الدمار الناجم عن الحرب العالمية الثانية ، قد بلغت 13.3 مليار دولار – وكانت حصة ألمانيا فيها حوالي 10% أي 1.391 مليار دولار. وبالإضافة إلى مساهمتها تلك ، فرض المنتصرون على ألمانيا دفع تعويضات ليهود العالم وإسرائيل، وهو شرط فرض على ألمانيا للسماح لها بالانضمام إلى “أسرة الأمم”.
وعلى الرغم من أن بولندا واليونان عانتا من أضرار الحرب المدمرة، وفقدتا نحو 5.6 مليون
و 330.000 من سكانهما المدنيين على التوالي، رفضت ألمانيا مرارا الدخول في اتفاقيات لتعويض تلك الدول -كما فعلت مع إسرائيل- (التي لم تكن موجودة أصلا أثناء الحرب العالمية الثانية).
يشكل الافتراض بأن إسرائيل تمثل جميع اليهود، وبالتالي يحق لها الحصول على التعويضات الألمانية نيابة عن ضحايا المحرقه، مغالطة إن لم يكن احتيالا وعملا إجراميا. فقد كان غالبية اليهود الألمان مواطنين مخلصين مناهضين للصهيونية، وهي أيديولوجية سياسية تهدف إلى إفراغ أوروبا من سكانها اليهود ونقلهم خارج أوروبا بغرض استعمار فلسطين. وفي شرحه الواضح لهذا الموقف الأيديولوجي، ذهب ثيودور هرتزل (مؤسس الصهيونية السياسية والمنظمة الصهيونية ZO)) ، التي أعيد تسميتها وأصبحت فيما بعد ، المنظمة الصهيونية العالمية (WZO) ) إلى أبعد من ذلك، ليضع الآلية التي يتم من خلالها إخراج اليهود من أوروبا. إذ قال: “لا يجب أن نتخيل أن يكون رحيل اليهود رحيلا مفاجئا. سيكون تدريجيا، وسيستمر لعقود عديدة. سيذهب أولا الأفقر لزراعة التربة وفقا لخطة مسبقة ، وسيقومون ببناء الطرق والجسور والسكك الحديدية ومنشآت التلغراف،والمساكن. عملهم هذا سيخلق التجارة، والتجارة ستخلق الأسواق ، والأسواق ستجذب مستوطنين جددا ، لأن كل رجل سيذهب طواعية ، على نفقته ومسؤوليته الخاصة “.
منذ العام 1897 ، كان الصهاينة يهدفون إلى إقامة دولة يهودية. ولم تكن سلامة ورفاهية اليهود الأوروبيين واللاجئين اليهود خارج الدولة اليهودية المزمع إقامتها، موضع اهتمامهم أو أولوياتهم. وهذا يفسر سبب عدم قيام المنظمات اليهودية الخاضعة للسيطرة الصهيونية – مثل الوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية ،ولاحقا حكومة إسرائيل – بأي جهد تقريبا سواء لحماية حقوق اليهود الأوروبيين في أوطانهم الأوروبية الأصلية، أم لتوطين اليهود الفارين من المجازر الذين لجؤوا إلى بلدان أخرى غير فلسطين .
مرة أخرى في إشارة إلى هدف إجلاء الجاليات اليهودية عن أوروبا، لجأ هرتزل إلى القياس التالي : “إذا كنت أرغب في استبدال مبنى جديد بآخر قديم ، يجب أن أهدم القديم قبل أن أقوم ببناء الجديد. لذلك سألتزم بهذا التسلسل الطبيعي.”.
من الواضح أن هرتزل لم يكن لديه مشكلة في تدمير المجتمعات اليهودية القديمة القائمة لتحقيق الهدف الصهيوني المتمثل في إقامة دولة يهودية. وقد وقف معظم اليهود الألمان ضد المخططات الصهيونية لإقامة دولة لليهود، سواء في فلسطين أم في أوغندا أم بالأرجنتين. بالنسبة لليهود الألمان المتنفذين والأثرياء نسبيا، كان إنشاء دولة يهودية محاولة لحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية ليهود أوروبا الشرقية، وليس مشاكلهم الخاصة. ففي العام 1897، منعت الجالية اليهودية في ميونيخ اليهود الصهاينة من عقد أول مؤتمر رسمي لهم في المدينة. ولذلك تم نقل المؤتمر إلى مدينة بازل في سويسرا . وتم توضيح هذا الموقف بشكل جلي في وقت لاحق، عندما عارض يهود ألمانيا، إلى جانب العديد من الجاليات اليهودية الأخرى في جميع أنحاء العالم، التعاون الصهيوني مع ألمانيا النازية في العام 1933.
اتفاقية هافارا للنقل : التعاون النازي – الصهيوني
مباشرة بعد أن أصبح أدولف هتلر مستشارا لألمانيا في 30 يناير 1933 . بدأت المنظمات اليهودية بالدعوة والتحريض لتنظيم مقاطعة دولية للبضائع الألمانية ، لإحداث تغييرات ذات مغزى تنهي البرنامج النازي ،الذي كان يهدف إلى تطهير ألمانيا وجعلها نقية من اليهود judenrein)) .
وبينما كانت جهود المقاطعة الدولية جارية وتكتسب زخما متناميا في جميع أنحاء العالم ، تم في 7/8/1933 توقيع اتفاقية هافارا في برلين بين كل من البنك الأنجلو- فلسطيني ، تحت إشراف الوكالة اليهودية لفلسطين (وهي، أيضا ، الشريك الرئيسي لألمانيا الاتحادية في اتفاقية لوكسمبورغ عام 1952) والاتحاد الصهيوني الألماني من جهة، وبين وزارة الاقتصاد الألمانية من جهة أخرى . سمحت اتفاقية هافارا للنقل للمواطنين اليهود الألمان الذين كانوا يعتزمون الانتقال إلى فلسطين بتصفية ممتلكاتهم في ألمانيا، وتحويل العائدات بالعملة الأجنبية ،لإيداعها في صندوق يهودي ألماني لشراء المنتجات الألمانية، ليتم شحنها وبيعها في فلسطين (كانت هافارا شركة جديدة تم إنشاؤها في تل أبيب خصيصا لهذا الغرض ) .
في العام 1933 ، كان هناك نحو 523.000 يهوديا في ألمانيا من أصل 65 مليون نسمة. وقد اختار ستون ألف يهودي ألماني(60.000 )بين عامي 1933 و 1939، أي (11.5%من إجمالي اليهود الألمان) الانتقال إلى فلسطين وتحويل أموالهم إلى الصندوق . وتجدر الإشارة إلى أن التعامل بالعملة الأجنبية وتحويلها وحيازتها في ألمانيا كان في ذلك الوقت -عند توقيع الاتفاقية – مقتصر على الأعمال الرسمية فقط .
وقد قام المواطنون اليهود الألمان بإيداع الأموال في حساب بالترو ( Palästina Treuhandstelle zur Beratung (deutscher Juden /PALTREU) ، ، وهي شركة ألمانية يهودية لشراء وشحن البضائع الألمانية – التي باعتها بعد ذلك هافارا بالجنيه الفلسطيني في فلسطين. ثم تم دفع عائدات بيع المنتجات الألمانية بالعملة الفلسطينية، لأولئك اليهود الألمان الذين غادروا ألمانيا بالفعل لاستعمار فلسطين .
بلغ إجمالي المبلغ المحول 140.000.000 مارك ألماني ( ما يعادل في ذلك الوقت 40.419.000 دولار أو 8.100.000 جنيه فلسطيني) عبر بنك الرايخ الألماني. واستمرت اتفاقية هافارا حتى الحرب العالمية الثانية، على الرغم من معارضة الحزب النازي الشديدة لإنهائها. يقول إرنست ماركوس -وهو يهودي صهيوني شارك في التفاوض على اتفاقية هافارا للنقل -، بأنه يعتقد أن الاتفاق حصل على موافقة هتلر . وكانت ألمانيا النازية بين عامي 1938 و 1940 تعمل بالتوازي على خطة ثانية لنقل اليهود الأوروبيين بالقوة إلى جزيرة مدغشقر المستعمرة والمسيطر عليها من قبل فرنسا. ودعت خطة مدغشقر الألمانية إلى فرض انتداب ألماني على الجزيرة، وإقامة حكم ذاتي لليهود هناك. ولم يتم تنفيذ هذه الخطة بسبب بدء الحرب العالمية الثانية .
في عام 1917 ، أعلن وزير خارجية بريطانيا العظمى وعد بلفور ، برسالة موجهة إلى اللورد روتشيلد ، أعرب فيه عن التعاطف مع التطلعات اليهودية الصهيونية لـ “إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين “. وكانت المنظمة الصهيونية العالمية ، آنذاك تمتلك بدائل خطط مماثلة لنقل يهود أوروبا لاستعمار الأرجنتين ،وكندا، وأستراليا، والعراق، وليبيا ،وأوغندا. وهكذا، اشتركت المنظمة الصهيونية العالمية، وبريطانيا العظمى، وألمانيا النازية في هدف مشترك : إفراغ أوروبا من سكانها اليهود، ونقل اليهود إلى قطعة أرض خارج أوروبا .
كان الهدف المركزي للحكومة النازية هو تطهير ألمانيا من يهودها ، وتقاطع ذلك مع سعي بريطانيا والحركة الصهيونية إلى استعمار فلسطين وإنشاء دولة يهودية فيها . ووجدت في اتفاقية هافارا فرصة مواتية لنقل اليهود ، ولزيادة تصدير البضائع الألمانية إلى فلسطين لمساعدة الاقتصاد الألماني المتعثر على التعافي من جهة ، ولكسر المقاطعة الدولية التي دعت إليها المنظمات اليهودية، ويحتمل أن تعيق تنفيذ أهدافها من جهة أخرى .
يشرح المؤرخ والصحفي الامريكي إدوين بلاك بالتفصيل في ” اتفاقية النقل / هافار/ : القصة السرية غير المروية بين الرايخ الثالث وفلسطين اليهودية” ، كيف كسرت المنظمة الصهيونية العالمية المقاطعة المناهضة للنازية لتحقيق هدفها الاستعماري النهائي، من خلال زيادة هجرة اليهود الألمان إلى فلسطين، لتعزيز الوجود اليهودي فيها .
كطرف في اتفاقية هافارا، تفاوضت الوكالة اليهودية -المعترف بها من قبل الحكومة الألمانية النازية بصفتها الوصي وممثل المواطنين اليهود الألمان – على ترحيلهم من وطنهم الأصلي. وهذا يعني أن اليهود الألمان لم يعودوا ألمانا لهم حقوق معترف بها في ألمانيا. رأى الصهاينة في اتفاقية هافارا للنقل فرصة لنقل اليهود الألمان الأثرياء إلى فلسطين، حيث ستؤدي مشاركتهم النشطة في نهاية المطاف إلى استعمارها وتنميتها. ومن الواضح أن اليهود الألمان الفقراء لم يكن لديهم ممتلكات للتصفية أو أموال لإيداعها في الصندوق ، أو وسيلة ميسورة التكلفة لمغادرة ألمانيا. فلم يشملهم الاتفاق .
وهكذا ، فقد تقاطعت وتزامنت مصالح الطرفين الألماني والصهيوني في ترحيل اليهود من ألمانيا إلى فلسطين. وتوضح اتفاقيات مثل هافارا للنقل عام 1933، واتفاقية لوكسمبورغ عام 1952، بشكل جلي أن مصالح إسرائيل، ومصالح المواطنين اليهود في الدول الأخرى، ليست متطابقة. فقد عارضت المنظمات اليهودية في جميع أنحاء العالم اتفاقية هافارا للنقل، لأنها قوضت الحملة الدولية لمقاطعة البضائع الألمانية كنهج عقلاني وسلمي لتغيير السياسة النازية ضد اليهود في ألمانيا ، وهو نهج يبدو أنه كان من المحتمل أن يجد بسهولة حلفاء ومؤيدين.
غير أن مشاركة الوكالة اليهودية والاتحاد الصهيوني لألمانيا في تجريد اليهود الألمان من جميع حقوقهم في ألمانيا كمواطنين ألمان ، أفشل أي فرصة لنجاح حملة المقاطعة الاقتصادية في التأثير على ألمانيا النازية لتغيير مسارها .
هل كان بالإمكان أن تنجح المقاطعة؟ هل كان بالإمكان تخليص بعض اليهود أو جميعهم؟
ظهرت مثل آليات التعاون هذه بين الحركة الصهيونية والحركات المعادية للسامية ،من خلال الوكالة اليهودية ،آنذاك ،والحكومة الإسرائيلية حاليا، عبر التعاون الوثيق بين إسرائيل والحكومات الأوروبية والأحزاب السياسية، بما في ذلك الجماعات اليمينية المتطرفة في أوروبا والولايات المتحدة .
فبالإضافة إلى الاعتماد على دعم ألمانيا وفرنسا والعديد من الأعضاء الآخرين في الاتحاد الأوروبي، فإن إسرائيل تتواصل مع قادة أوروبيين عنصريين داخل الحكم وخارجه ، أمثال فيكتور أوربان من المجر ، ماتيوز موراويكي من بولندا ، بياتريكس فون ستورتش من ألمانيا ، أندرياس مولتسر من النمسا ، وميشيل مودريكامين من بلجيكا ، ومارين لوبان من فرنسا. وبعضهم لقي ترحيبا حارا من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو.
وفي البرلمان الأوروبي ، شكل خمسة عشر عضوا من الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة مجموعة تسمى أصدقاء يهودا والسامرة (في إشارة إلى الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967) للتصدي لمبادرات حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات BDS) ) لوصف البضائع التي تنتجها المستوطنات الإسرائيلية، ووسمها كمنتجات للمستوطنات .
تقام المستوطنات الإسرائيلية على أراض فلسطينية مسروقة، في انتهاك للقانون الدولي والعديد من قرارات الأمم المتحدة. فوفقا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الصادر في 17 تموز / يوليو / 1998 ، يعتبر وجود المستوطنين الإسرائيليين وإنشاء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 جرائم ضد الإنسانية. ومع ذلك سارعت حكومات الاتحاد الأوروبي ، ولا سيما حكومتا فرنسا وألمانيا ، إلى تبني الموقف الإسرائيلي المتطرف، معلنة أن نشاط المقاطعة ، الذي يهدف في النهاية إلى وضع حد لسياسات وممارسات الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي والفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني ، على أنه معاداة للسامية. وفي الولايات المتحدة ، يعتبر المسيحيون الصهاينة أحد أقوى حلفاء إسرائيل. ويعتقد هولاء أن إقامة دولة إسرائيل هو تحقيق لنبوءة نهاية الزمان ونذير هرمجدون، حيث سيتم إنقاذ 144 ألف يهودي فقط من إجمالي عدد يهود العالم .
تدرك إسرائيل تماما الطبيعة المعادية للسامية لحلفائها في كل من أوروبا والولايات المتحدة. غير أنه من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية مستعدة للتعاون والتنسيق مع هذه الجماعات لما تراه في مصلحة إسرائيل. بالنسبة للحكومات الإسرائيلية – كما كان الحال مع قادة الوكالة اليهودية لفلسطين والاتحاد الصهيوني الألماني من قبلهم – فإن الأحزاب اليمينية المتطرفة موجودة، والبعض منهم بالفعل أعضاء في الحكومة. ولا يمكن لإسرائيل أن تكون انتقائية في اختيار أصدقائها أو مع من تتعامل. فحسب التفكير الصهيوني ، إذا كان من مصلحة دولة إسرائيل الدخول في اتفاقيات أو التعامل مع مثل هذه الجماعات ، فليكن ذلك – فالغاية تبرر الوسيلة.
اتفاقية لوكسمبورغ : طبيعة التعويضات الألمانية وتأثير مدفوعاتها
بعد الحرب العالمية الثانية ، جادل بعض الخبراء بأن التعويضات كانت قضية أخلاقية، وبالتالي يجب دفعها مباشرة للضحايا ، وليست مرتبطة بالقضايا السياسية والاقتصادية. وأشار آخرون إلى أنه بدفع التعويضات ، ستقر ألمانيا وتقبل تحمل مسؤوليتها القانونية والأخلاقية تجاه الأفراد والأسر الذين عانوا من جرائم النازيين الشنيعة.
في خطابه إلى البوندستاغ الألماني في 27 أكتوبر 1951 ، أعلن المستشار أديناور أن “ألمانيا كانت مسؤولة عن الفظائع التي ارتكبها النظام الاشتراكي القومي الألماني “. كان بيان المستشار أديناور سيكون صحيحا لو تم تضمين جميع ضحايا ألمانيا النازية، بغض النظر عن المعتقد الديني ، واستفادوا وعوملوا جميعا بنفس الطريقة من خلال فعل عالمي للمساءلة الأخلاقية الألمانية.
غير أن حصر معظم مدفوعات التعويضات الألمانية باليهود وتقديمها لإسرائيل نيابة عنهم ، يوضح أن ألمانيا قد اتخذت موقفا سياسيا عندما فضلت اليهود وإسرائيل على كل الآخرين . وبذلك فقد أدخلت نفسها في الصراع الإقليمي العنيف بين إسرائيل والشعب الفلسطيني . حيث مكن الدعم الألماني غير المشروط إسرائيل من إلحاق نفس الفظائع التي ارتكبتها ألمانيا النازية ضد يهود أوروبا. وقد شبه البروفيسور عوفر كاسيف من الجامعة العبرية السياسات الإسرائيلية اتجاه الفلسطينيين بسياسات الرايخ الثالث في ألمانيا النازية اتجاه اليهود . إذ مكّنت مدفوعات التعويضات والدعم العسكري الألماني إسرائيل مما يلي :-
1- توطيد وترسيخ استعمار فلسطين، واستمرار التوسع الذي بدأ قبل قيام دولة إسرائيل في فلسطين في أيار/مايو/ 1948.
2- تطهير فلسطين عرقيا وطرد وتهجير معظم أصحابها الفلسطينيين إلى دول الجوار ومنعهم من العودة ، وتدمير أو سرقة ممتلكاتهم . وعزل من بقي منهم تحت الحكم الإسرائيلي، وفصلهم عن اليهود. وتقطيع أوصال فلسطين إلى بانتوستانات منعزلة عن بعضها البعض، تفصلها نقاط التفتيش العسكرية والجدران الفاصلة والأنظمة المؤسسية والسياسات والقوانين الإسرائيلية التمييزية.
وحرمان الفلسطينيين الأصلانيين من حقوقهم الأساسية في الحركة والتنقل داخل مجتمعاتهم، وفيما بينها، ومع العالم الخارجي. ومنعهم من ممارسة عباداتهم في كنائسهم ومساجدهم ، ومن زيارة القدس عاصمتهم الدينية والثقافية . وعرقلة حصولهم على الرعاية الطبية ، والوصول إلى المدارس والجامعات، وزراعة محاصيلهم وحصادها ، وبناء منازلهم وتجديدها . وتعطيل وتقييد أنشطتهم الاقتصادية والتجارية والاجتماعية والثقافية . وحتى الآن ، يتم فرض القانون العسكري الإسرائيلي على التجمعات الفلسطينية للسيطرة والهيمنة على الفلسطينيين.
وخلافا لليهود الإسرائيليين الذين يتم ضمان حقوقهم وحمايتها. يتعرض الفلسطينيون للشيطنة والإذلال والقمع والاعتقال التعسفي لفترات طويلة دون تهمة أو محاكمة ، ويقتلون ويشوهون لكونهم فلسطينيين .
لقد تم بناء وتصميم النظام الإسرائيلي بأكمله على أساس الفصل العنصري وتشجيع التطرف اليهودي والتوسع الاستيطاني المتنامي باضطراد .
3- تدمير أكثر من 530 قرية فلسطينية وأجزاء من المدن الفلسطينية لمنع عودة اللاجئيين إلى مدنهم وقراهم وممتلكاتهم . وفيما تحظى المجتمعات اليهودية الإسرائيلية المستحدثة بالمساعدات الحكومية والتنمية الاقتصادية ومشاريع البناء والتطوير . تتعرض القرى والتجمعات الفلسطينية المتبقيه للحصار والخنق والتضييق والتمييز .
4- نهب ومصادرة ممتلكات الشعب الفلسطيني، بما في ذلك الأراضي والمزارع والمصانع والمنازل والممتلكات الشخصية والحسابات المصرفية والكتب والفنون وغيرها.
5. التسبب بالحروب والخسائر في الأرواح والدمار والنهب والفوضى في عموم المنطقة، من خلال رفض الالتزام بالمواثيق والقوانين الدولية ، ورفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة التي تطالب إسرائيل باحترام حقوق الإنسان وعودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم وتعويضهم عن الأذى الذي لحق بهم، وتمكينهم من إقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة. ويشكل رفض إسرائيل المتواصل للالتزام بالاتفاقات والمواثيق والقوانين والأعراف الدولية ، تهديدا للأمن والسلام الإقليمي والدولي .
منذ العام 1951 وحتى الآن، تواصل ألمانيا تقديم تعويضات مادية ومعنوية وقانونية كبيرة لضحايا النازية وعائلاتهم. ومن خلال الاتفاقيات التي أبرمتها ألمانيا مع 29 دولة (بما في ذلك الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة وفرنسا وبولندا واليونان وأوكرانيا) قدمت ما يقرب من 1.51 مليار دولار لصالح مواطني هذه الدول . ولم يذهب أي من هذه الأموال إلى بناء البنية التحتية الحكومية مثل الموانئ والطرق ، أو لاستيراد الآلات للمصانع المملوكة للدولة ، أو لاقتناء معدات حربية للجيش أو البحرية ، كما جرى مع إسرائيل عندما كانت هي المستفيدة من هذه التعويضات. ففي حالة المدفوعات الألمانية لإسرائيل ولجنة المطالبات اليهودية JCC) ، ) لم يكن لبعض اليهود المتلقين للتعويضات الألمانية أي صلة بالهولوكوست أو بألمانيا. فعلى سبيل المثال كان من بين المستفيدين من التعويضات نحو 25.000 مستوطن يهودي جزائري كانوا جزءا لا يتجزأ من الوجود الاستعماري الفرنسي والسياسات والممارسات الوحشية الفرنسية في الجزائر .
كان يتوجب على ألمانيا – إذا أرادت أن تتحمل وتفي بمسؤولياتها في تعويض ضحايا الحرب العالمية الثانية – إنشاء آلية لتعويض الضحايا وعائلاتهم بشكل مباشر . ولم يكن هناك ضرورة لوجود طرف ثالث ، ولا ينبغي تعيين أي طرف .
في حالة الضحايا اليهود للمحرقة ، تم تسمية إسرائيل ولجنة التنسيق المشتركة كممثلين قانونيين لجميع الضحايا اليهود في كافة أماكن تواجدهم . تأسست لجنة التنسيق المشتركة عام 1952 من قبل 23 منظمة يهودية لتمثيل جميع اليهود في مفاوضات التعويضات مع ألمانيا ، ما أدى إلى توقيع اتفاقية لوكسمبورغ. وقد رفض معظم الضحايا اليهود الناجين من الهولوكوست الدخول في ترتيب لمدفوعات التعويض كتعويض عن آلامهم ومعاناتهم. وتظاهر آلاف اليهود في إسرائيل في العام 1952 ، واعتقل المئات وأصيب قرابة 200 متظاهر و 140 شرطي. وتم في النهاية إقرار الاتفاقية مع ألمانيا من قبل الكنيست بأغلبية 61 إلى 50.
ولأسباب أخرى خاصة بهم عارض ،أيضا، العديد من الألمان هذا النوع من الترتيبات. في بافاريا ، على سبيل المثال ، عارض 106 نائبا من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي
/الاتحاد الاجتماعي المسيحي الحاكم/ عام 1952 اتفاقية لوكسمبورغ. ورفضت جمهورية ألمانيا الديمقراطية صراحة الدخول في صفقة مماثلة ، على الرغم من أنها قدمت امتيازات معينة لضحايا النازيين على أراضيها. ومع ذلك ، لم يكن لدى إسرائيل أية مخاوف بشأن التوصل إلى مثل هذا الترتيب الخاص بالتعامل مع ألمانيا ، واستخدام أموال التعويضات الألمانية لبناء قدراتها العسكرية والاقتصادية.
ومن المعلوم أنه بمجرد التوصل إلى الاتفاق وتوقيعه بين إسرائيل وألمانيا – كما هو معتاد في كل القوانين المحلية والدولية – كان يفترض أن يتم إغلاق قضية المسؤولية الألمانية عن الهولوكوست، فبمجرد إثبات الجريمة ، وإصدار الحكم، والتوصل إلى تسوية، وتنفيذ العقوبة، والموافقة على التعويضات ودفعها واستلامها. لا توجد خطوات إضافية ضرورية. غير أن ذلك لم يكن هو الحال بالنسبة لألمانيا.
العلاقة الألمانية الإسرائيلية: ضرورة السرية
في الديمقراطيات ، غالبا ما يقود الافتقار إلى المشاركة العامة أو المعرفة أو الوعي أو النقاش إلى السرية ، وتؤدي السرية إلى انتهاك القوانين القائمة من قبل أولئك الذين يقسمون على حمايتها والدفاع عنها.
جانب آخر غير شرعي في العلاقة بين ألمانيا وإسرائيل ، هو أن الأموال العامة الألمانية يتم استخدامها في انتهاك المعايير الأساسية للخطاب الديمقراطي والقوانين السارية لمراقبة الصادرات الألمانية ، التي تحظر تقديم المساعدات وتصدير أنظمة الأسلحة الألمانية إلى الأنظمة التي تنتهك حقوق الإنسان وتؤجج الصراعات الإقليمية العنيفة. “فالصادرات الألمانية وفقا للقوانين النافذة يجب أن لا تؤدي إلى تكثيف الصراعات، أوالمساهمة في القمع الداخلي ،أو غيره من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مناطق الأزمات. وفي السياسة الخارجية وتدخلها الدولي، يفترض أن تلتزم جمهورية ألمانيا الاتحادية بعدم إثقال علاقاتها الخارجية “بالصادرات الحرجة “.
قبل وقت طويل من إقامة العلاقات الدبلوماسية بين ألمانيا وإسرائيل في العام 1965، قررت الحكومتان السير في مسار سري لإدارة علاقاتهما، والسيطرة عليها لإبقائها خارج الخطاب العام . تم توضيح هذه العلاقة السرية في بيان صدر عن وزارة الدفاع الألمانية عام 1991 ، ذكر فيه أنه ، “منذ بداية التعاون مع إسرائيل ، قامت جميع الحكومات المتتابعة بهيكلة هذا التعاون/ الألماني – الإسرائيلي/ وإضفاء الطابع الرسمي عليه بأقل طريقة عامة ممكنة.” عهدت الحكومتان بهذه القناة إلى وكالات استخباراتهما : جهاز المخابرات الفيدرالي /وكالة الاستخبارات الأجنبية في ألمانيا Bundesnachrichtendienst (BND) وجهاز الموساد الإسرائيلي. يثير هذا النوع من السرية تلقائيا العديد من الأسئلة حول إمكانية ارتكاب مخالفات. في الديمقراطيات، تكون الأمور بين الدول ،التي تتضمن الأموال العامة وحقوق الإنسان والأسلحة والتحويلات التكنولوجية شفافة، ويتم مناقشتها علانية، ويسيطر عليها ممثلوا الشعب – وبالتأكيد ليس الجواسيس -.
يحصل الجمهور الألماني والإسرائيلي على لمحات فقط عن مدى العلاقة بين البلدين ، عندما تندلع فضائح سياسية ذات صلة . وحتى عندها ، تذكر وسائل الإعلام الألمانية ذلك على مضض. ونظرا لأن الصحافة الإسرائيلية تميل إلى أن تكون أكثر انفتاحا في الإبلاغ عن طبيعة ونطاق التعاون الألماني – الإسرائيلي، فإن الشعب الألماني متروك إلى حد كبير في الظلام .
وحتى الآن نشرت وسائل الإعلام تقارير عن ثلاث فضائح سياسية :-
– نقل ألمانيا عتاد عسكري من جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة،
– والفساد المستمر المحيط ببيع غواصات ألمانية من طراز Dolphin إلى إسرائيل،
– وحقيقة أن غواصات دولفين التي قدمتها ألمانيا لإسرائيل مصممة لحمل الرؤوس الحربية النووية ، مما يشكل تهديدًا للسلم الإقليمي والعالمي .
وللحفاظ على سرية هذه العلاقة ومنع الانتقاد ، يمرر السياسيون قوانين مصنفة بشكل مخادع كقوانين معاداة السامية، لتجريم النقاش العام حول الهولوكوست، والسياسات والممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وإجراءات مقاطعة وسحب الاستثمارات وإنهائهاBDS )) ونظام الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري في إسرائيل.
أي نقاش حول الهولوكوست خارج الرواية المقبولة رسميا، أو انتقاد للسياسات والممارسات الإجرامية لإسرائيل في المنطقة ، أو اتخاذ إجراء ضد إسرائيل /BDS / . إما أن يخاطر المتورطون بوصفهم بأنهم معادون للسامية، أو اتهامهم جنائيا، أو كليهما. إن خنق النقاش حول السياسات والممارسات الإسرائيلية، واستخدام أساليب التخويف لثني الناس عن ممارسة حقهم في المشاركة والتعبير عن آرائهم لا يقتصر على ألمانيا.
لسوء الحظ ، مع تقديم ألمانيا للمثال ، يتم سن قوانين معاداة السامية المخادعة في جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الامريكية .
ألمانيا هي واحدة من الدول القليلة التي أصدرت تشريعات تجرم انتقاد إسرائيل وسياساتها وممارساتها ، وتساوي مثل هذه الانتقادات والأفعال بمعاداة السامية.
والولايات المتحدة الامريكية مثال آخر . ففي أجزاء كبيرة من الولايات المتحدة ، يُجبر الأفراد والمنظمات والجامعات والشركات ووسائل الإعلام على التأكيد بأنهم لا يدعمون أو يشاركون في المقاطعة ضد إسرائيل. تم رفع العديد من الدعاوى القانونية من قبل المدعين، الذين يدعون انتهاك حقهم في حرية التعبير بموجب التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة. وقررت بعض المحاكم الأدنى لصالح المدعين. ومع ذلك ، فإن المعركة القانونية النهائية لم تحسم ،بعد ، قانونيا من قبل المحاكم الأعلى.
في انتصار لحرية التعبير بموجب التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة، أصدرت محكمة مقاطعة المنطقة الجنوبية من تكساس في 28 كانون الثاني /يناير/ 2022 ، أمرا قضائيا يمنع تكساس من تطبيق قانونها المناهض للمقاطعة ضد المدعي في هذه القضية.
تم وضع هذه القوانين بتحريض من مؤيدي إسرائيل وجماعات الضغط في مختلف البلدان لتحقيق نفس الهدف الإسرائيلي : إنهاء حق الناس في ممارسة حرية التعبير أو التصرف بشكل سلمي لتغيير سياسات وممارسات حكوماتهم تجاه إسرائيل. تضمن مثل هذه القوانين -إذا سمح لها بالبقاء – أن تظل طبيعة ونطاق العلاقة بين ألمانيا وإسرائيل سرية ، ومن المحرمات . في الديمقراطيات الحقيقية ، لا يوجد شيء من المحرمات. من الواضح أن ألمانيا تقوض مبادئها الديمقراطية للحفاظ على دعمها غير المشروط لإسرائيل ومنعه من الخضوع للتدقيق والمساءلة العامة من قبل شعبها.
في العام 1897 (قبل ست وثلاثون عام من وصول هتلر إلى السلطة في ألمانيا) ، بدأ بعض يهود أوروبا رسميا في التنظيم والعمل لإنشاء دولة لليهود ، وإنشاء صندوق الاستعمار اليهودي لتحقيق هذا الغرض. في العام 1948 ، بعد واحد وخمسين عام من انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل بسويسرا ، وبعد فشل مخططات إقامة إسرائيل في أوغندا أو الأرجنتين، نجح يهود أوروبا الصهاينة – بمساعدة القوى الاستعمارية الغربية – باستعمار فلسطين وإقامة إسرائيل على الأرض المملوكة بشكل جلي للشعب الفلسطيني . تحركت إسرائيل بسرعة لتطهير فلسطين عرقيا من سكانها الفلسطينيين الأصليين ، وفي البداية استبدلت بهم مستعمرين يهود أوروبيين نُقلوا من أوروبا، وتم استيعابهم بشكل أساسي من خلال مدفوعات التعويضات الألمانية. بين عامي 1947 و1949 ، تم طرد نحو 700.000 فلسطيني، وبالمقابل هاجر إلى فلسطين 717.923 مستعمر يهودي ، من بينهم 373.852 من الناجين من الهولوكوست (52%).
وما يزال نظام السيطرة والهيمنة هذا يستمر باستخدام منظومة من السياسات والممارسات التي تهدف إلى السيطرة على جميع جوانب الحياة الفلسطينية . وقد مكنت مدفوعات التعويضات الألمانية إسرائيل بشكل مباشر من استعمار فلسطين ، والتطهير العرقي لمعظم سكانها الفلسطينيين الأصلانيين ، وحرمانهم من حقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم ، أو الحصول على تعويضات .
وحتى يومنا هذا ، لم تسمح إسرائيل للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم ، كما ينص على ذلك القانون الدولي والعديد من قرارات الأمم المتحدة .ولم يتلق الفلسطينيون أية تعويضات من ألمانيا أو إسرائيل عن جرائم الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري ، التي ما تزال تمارس ضدهم بشكل متواصل .
مدفوعات التعويضات الألمانية بالأرقام
الأرقام المسجلة للتعويضات الألمانية المدفوعة بالعملات الألمانية مربكة ومتناقضة، ويصعب حسابها بدقة. فقد تحولت ألمانيا من استخدام المارك الألماني DM) ) إلى اليورو في الأول من كانون الثاني /يناير/ 1999. وتغيرت القيم والتكاليف عبر السنوات بين عامي 1949 و 2021. ونتيجة لذلك ، من الصعب الوصول إلى مبلغ التعويضات لمختلف دفعات التعويضات التي سددتها ألمانيا على مدى سبعين عام بقيمها في العام 2021. كما أن استخدام الأرقام الدقيقة التي تمت الموافقة عليها وتخصيصها وصرفها على مر السنين، يمكن أن يكون مضللا للغاية
يميل الخبراء إلى اللجوء للتقديرات المتباينة بين المصادر المستخدمة هنا. وفقا لمنشور وزارة المالية الفيدرالية الألمانية “Wiedergutmachung : الأحكام المتعلقة بالتعويض عن الظلم الاشتراكي القومي” (2021) ، أصدرت القوى الغربية المحتلة بين عامي 1947 و 1949 قوانين لتعويض أولئك الذين تعرضوا خلال الظلم الاشتراكي القومي لأضرار، أو صودرت ممتلكاتهم بسبب العرق أو الدين أو الأيديولوجية. يورد هذا المنشور 26 قانونا ، منها 20 تطبق فئات محددة كأساس للتعويض الشامل الذي يغطي جميع الضحايا بغض النظر عن العرق والدين والأيديولوجية، بينما تستفيد لجنة التنسيق المشتركة/JCC / وإسرائيل بشكل كبير وحصريا من القوانين الستة المتبقية . ويبين المنشور المبلغ الذي تم دفعه بموجب كل قانون حتى 31 كانون الأول/ديسمبر/ 2020.
يوضح الملحق 1 ، الذي يمثل مدفوعات تعويضات القطاع العام ، والذي يبين أن الحكومة الفيدرالية الألمانية قد خصصت ودفعت مبلغا إجماليا قدره 79 مليار يورو . بينما يمثل الملحق 2 التعويضات التي دفعتها الولايات الألمانية خارج قانون التعويضات الفيدرالي خلال الفترة 1950 – 2020 ، ويُظهر أن الولايات ، دفعت 36.519 مليار يورو كتعويض من مبلغ تعويض إجمالي قدره 115.519 مليار يورو .
بموجب اتفاقية لوكسمبورغ ، تعهدت ألمانيا بتقديم 3 مليار مارك ألماني لإسرائيل، و 450 مليون مارك ألماني إلى لجنة التنسيق المشتركة/JCC / ، على أن يتم دفع جزء كبير منها في غضون 10 سنوات من السلع والخدمات الألمانية لتغطية تكلفة “توسيع فرص توطين وإعادة تأهيل اللاجئين اليهود في إسرائيل . “
وفقًا للتقرير ، خصصت ألمانيا في السنوات اللاحقة ، أموالًا إضافية لتوزيعها من خلال لجنة التنسيق المشتركة/JCC / لتعويض جميع الضحايا اليهود ، بما في ذلك دفعة لمرة واحدة قدرها 5000 مارك ألماني (2.556 يورو) في عام 1980 لتمكين اليهود من أوروبا الشرقية من الهجرة إلى إسرائيل ، ودفعة لمرة واحدة مقدارها 2.556 في عام 1988 للضحايا اليهود وغير اليهود الذين حوكموا بسبب معارضتهم للسياسية الاشتراكية القومية، أو على أساس العرق أو الدين أو الأيديولوجيا . ودفعة لمرة واحدة بقيمة 2.556 يورو في عام 1998 لليهود الذين يعيشون في وسط وشرق أوروبا ، ودفعة لمرة واحدة بقيمة 2.556 يورو في عام 2012 لأفراد يهود لم يولدوا بعد وقت الاضطهاد ، لكنهم عانوا في رحم أمهاتهم الحوامل المضطهدات ، ودفعة لمرة واحدة بقيمة 2500 يورو في 2018 لنقل الأطفال الذين تم إجلاؤهم.
وبين عامي 2002 و 2020 .بلغ مجموع المدفوعات 2.57 مليار يورو لمختلف المستفيدين الذين يتعاملون مع ظروف محددة: المعابد اليهودية ومحتوياتها ، والممتلكات المنقولة والأمتعة المنزلية ، وممتلكات الأشخاص العاملين لحسابهم الخاص ، وحقوق الضمان على أرصدة الأراضي والحسابات المصرفية ، وأصول المنظمات، وصناعة الملابس ، وشركات الأوراق المالية ، والشركات التي لا تملك ممتلكات غير منقولة ، ومساهمون صغار ، وحملة الأسهم في I-G Farben ( شركة كيميائية ألمانية عملاقة متعسرة صنعت الغاز الذي قتل سجناء معسكرات الاعتقال النازية ) .
وفقا للمؤتمر المعني بالمطالبات المادية اليهودية ضد ألمانيا ، خصصت ألمانيا على مدار السبعين عاما الماضية 90 مليار دولار للناجين من الهولوكوست. في العام 2021 ، لم تختلف الأرقام التي نشرتها وزارة الخارجية الفيدرالية الألمانية اختلافا كبيرا عن التقديرات التي توصل إليها الخبراء : “منذ اتفاقية لوكسمبورغ عام 1952 ( التي قررت دفع حوالي 1.53 مليار يورو) ، كانت مسألة التعويضات قضية سياسية مهمة في العلاقات بين دولة إسرائيل وجمهورية ألمانيا الاتحادية.
حتى الآن ، دفعت ألمانيا أكثر من 74 مليار يورو كتعويضات ، بما في ذلك حوالي 29 مليار يورو تم دفعها لضحايا الاضطهاد النازي الذين يعيشون في إسرائيل “.
بعد الحرب العالمية الثانية ، كانت ألمانيا تقترض لإعادة البناء ولم يكن لديها فائض تدخره. في الواقع ، اقترضت ألمانيا من الولايات المتحدة للبقاء على قيد الحياة.
بالإضافة إلى مدفوعات التعويضات ، تشمل المساهمات الألمانية المالية والتعليمية والتقنية والعسكرية لإسرائيل ما يلي:
1. الاسلحة العسكرية وعمليات النقل التكنولوجي .
2. إضفاء الشرعية على الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل وتسهيلها بهدف تعزيز الأداء الاقتصادي الإسرائيلي.
3. الشراكة مع إسرائيل ودمجها في حلف شمال الاطلسي لتعزيز قدراتها العسكرية والتكنولوجية ، وتسهيل الوصول إليها وتطوير أدائها .
4. شراكات مع ، (من بين آخرين ) ، جمعية ماكس بلانك للتقدم العلمي ، وخدمة التبادل الأكاديمي الألمانية DAAD) ) ، التي توفر منحا لتمكين العديد من الإسرائيليين من الدراسة وإجراء البحوث في ألمانيا.
5. التعاون والشراكة مع منظمات مثل متحف الهولوكوست /ياد فاشيم/ . (وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا المتحف – كما هو الحال مع إسرائيل نفسها – أقيم على أرض سُرقت من قرية عين كارم الفلسطينية ، التي تعتبر مسقط رأس يوحنا المعمدان. وقد تم تطهير عين كارم عرقياً عام 1948 ، وحرم أهلها من حقهم في العودة أو التعويض).
من خلال تعاونها مع إسرائيل ، تشارك ألمانيا في التطهير العرقي للفلسطينيين ، وتنكر حقوقهم القانونية المعترف بها دوليا .
أبعد من اتفاقية لوكسمبورغ
وفقًا لاتفاقية لوكسمبورغ لعام 1952 ، كان من المقرر أن تستمر مدفوعات التعويضات الألمانية لمدة 10 سنوات (من عام 1953 إلى عام 1963). إلا أن المدفوعات لم تنته حتى يومنا هذا. في الواقع ، تستمر مدفوعات التعويضات ، ولا تقتصر حاليا على المدفوعات التي تدفعها الحكومة الألمانية.
في العام 2000 ، أنشأت الحكومة والشركات الألمانية التي استفادت من العمل القسري أثناء الحرب (بما في ذلك فولكس فاجن ودايملر كرايسلر وباير ودويتشه بنك) مؤسسة “الذكرى والمسؤولية والمستقبل” للتعويض عن العمل القسري . ولم يقتصر عمل هذا الصندوق على تعويض العمال اليهود أو المنظمات اليهودية أو إسرائيل. إذ استفاد منه نحو 1.7 مليون شخص (منهم 1.66 مليون عامل قسري) ودفع الصندوق في السنوات الأخيرة 4.37 مليار يورو (5.8 مليار دولار). وحصل كل عامل أو ورثته على 7700 يورو (10.300 دولار) فبات المبلغ الاجمالي الذي دفعه الصندوق نحو 13.1 مليار يورو (17.5 مليار دولار ).
وفقًا لتقرير وزارة المالية الفيدرالية الألمانية “Wiedergutmachung : الأحكام المتعلقة بالتعويض عن الظلم الاشتراكي القومي “المشار إليه أعلاه ، بلغ رأس مال ” صندوق الذكرى والمسؤولية والمستقبل” 10.1 مليار مارك ألماني (5.16 مليار يورو). تظهر عملية حسابية بسيطة أن 5.16 مليار يورو لن تكون كافية لدفع المبلغ الإلزامي البالغ 7700 يورو لنحو 1.7 مليون شخص.
من بين 373،852 تاجيا من المحرقة الذين يعيشون في إسرائيل في نهاية عام 1952 ، كان ما يقرب من 140،000 على قيد الحياة ( 37.4%) في يناير 2020 ، بمتوسط عمر 85. ويعيش عدد كبير من الناجين في فقر منذ عقود من الإهمال من قبل الحكومة الإسرائيلية، والتي استخدمت مدفوعات التعويضات الألمانية بمليارات الماركات الألمانية واليوروهات لأغراض أخرى ، غير توفير ظروف معيشية متواضعة وحياة كريمة للناجين .
وصفت سوزان روتيم -متطوعة في جمعية المساعدة الفورية للناجين من المحرقة – في العام 2015 نهج إسرائيل بقولها: “تقسم الحكومة الإسرائيلية الأموال كما تراه مناسبا…. يبدو الأمر وكأنهم ( الناجين من المحرقه)مصدر إزعاج لحكومتنا التي تنتظرهم أن يموتوا “. وفي كانون الثاني (يناير) 2020 قال يائير لابيد -وزير المالية الإسرائيلي ،آنذاك، وهو نفسه ابن أحد الناجين من المحرقة- بصراحة : ” لم يتم فعل أي شيء لسنوات. لقد كان وصمة عار “. إن إهمال إسرائيل الإجرامي للناجين من المحرقة لعقود من الزمان لا يعفي ألمانيا من مسؤوليتها الأخلاقية لمساعدة الناجين اليهود الإسرائيليين بشكل مباشر ،وبذل العناية الواجبة لضمان أن المدفوعات تذهب مباشرة إلى الناجين وعائلاتهم.
وعوضا عن ذلك ، وافقت ألمانيا على الفكرة القائلة بأن إسرائيل تمثل مصلحة الناجين اليهود الإسرائيليين وتضع مصالحهم في الصميم. لقد أثبت التاريخ خطأ كل من ألمانيا وإسرائيل.
في كتابه ” المليون السابع: الإسرائيليون والمحرقة” ، يوضح المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف أن مدفوعات التعويضات الألمانية للحكومة الإسرائيلية لم يستفد منها الأفراد اليهود الناجون من جرائم ألمانيا النازية أو عائلاتهم . فقد ذهبت مبالغ التعويضات التي قدمتها ألمانيا لإسرائيل إلى:
1. استيعاب 500.000 من اليهود الألمان ويهود أوروبا الشرقية الذين شاركوا في استعمار فلسطين وتطهيرها عرقيا لصالح اليهود قبل وبعد وصول النظام النازي إلى السلطة في ألمانيا . ظ
2. شراء المعدات والمواد الخام لـ 1300 مصنع مملوك للدولة لصالح اليهود فقط – ذهب الجزء الأكبر من الأموال إلى 36 مصنعا .
3. تطوير الموانئ البحرية والسكك الحديدية وإمدادات المياه والتنقيب عن النفط والتعدين وشراء معدات البناء والزراعة.
4. شراء الوقود.
5. شراء 50 سفينة ، بما في ذلك خطين منتظمين للملاحة ، أو ثلثي الأسطول التجاري البحري الإسرائيلي.
6. شراء الأسلحة وقطع الغيار.
إن إلقاء نظرة سريعة على الحقائق المعروفة سيقود أي مراقب موضوعي إلى استنتاج أنه من خلال مدفوعات التعويضات الألمانية لإسرائيل ، فقد شاركت ألمانيا بشكل فعال في مساعدة وتشجيع الاستعمار الاستيطاني لفلسطين والتطهير العرقي للسكان الأصلانيين ونهب ممتلكاتهم. وأسهمت في إقامة وإدامة دولة الفصل العنصري الإسرائيلية ، فضلا عن التفافها المتواصل على القوانين والمصالح الألمانية ، لتلبية النهم الإسرائيلي -الذي لا ينتهي – للسيطرة والهيمنة والتوسع الإقليمي.
بعد شهرين من قيام إسرائيل ، أصبح دافيد بن غوريون أول رئيس للوزراء. ووصف نهب ممتلكات الفلسطينيين من قبل أشخاص تحت إمرته بأربع كلمات ملفتة للنظر: “معظم اليهود هم لصوص”. لقد كشفت كلماته عن سياسة رسمية للتطهير العرقي للفلسطينيين ومنعهم من العودة نهائيا إلى منازلهم وممتلكاتهم. وأكدت هذا الاستنتاج الوثائق التي تضمنتها أعمال العديد من المؤرخين الإسرائيليين ، بما في ذلك إيلان بابيه وآدم راز.
وقد وصف الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين في أكتوبر 2014 المجتمع الإسرائيلي المليء بالكراهية بأنه “مجتمع مريض”. وفي مايو 2016 ، قارن نائب رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي ، اللواء يائير غولان ، الاتجاهات الاجتماعية في المجتمع الإسرائيلي بـ “ألمانيا وأوروبا في الحقبة النازية في الثلاثينيات”. وكان الجنرال غولان يشير إلى قتل جريح فلسطيني على يد جندي إسرائيلي. وفي أعقاب ذلك ، تجمع آلاف اليهود الإسرائيليين في تل أبيب للإشادة بالجندي والمطالبة بإطلاق سراحه ، وهم يهتفون “الموت للعرب”. ووفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) قتلت إسرائيل خلال الفترة (2008- 2020) ما لا يقل عن 5600 فلسطيني ، من بينهم ما يقرب من 2200 طفل، وجرحت 115.000. فالفلسطينيون يقتلون ويصابون لمجرد كونهم فلسطينيين.
ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية هما المحركان الرئيسيان للاستعمار الصهيوني لفلسطين ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي.
فخلال الفترة( 1949- 2018) قدمت الولايات المتحدة الأمريكية مساعدات لإسرائيل بأكثر من 132 مليار دولار أمريكي . وفي 14 ايلول /سبتمبر/ 2016 ، وقعت الولايات المتحدة وإسرائيل اتفاقية تقدم بموجبها أمريكا لإسرائيل مساعدات عسكرية بقيمة 38 مليار دولار في السنوات المالية العشر المقبلة (2019- 2028) بزيادة بنحو 700 مليون دولارعن المعدل السنوي (3.1 ملياردولار( ،وبذلك يصل المبلغ الإجمالي للمساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل إلى حوالي 170 مليار دولار.
وألمانيا هي ثاني أكبر مورد للأسلحة لإسرائيل بعد الولايات المتحدة الأمريكية. فخلال الفترة 2009- 2018 ، زودت ألمانيا إسرائيل بنحو ربع وارداتها من الأسلحة (24 %) وبين عامي 2015 و 2019 باعت ألمانيا أسلحة لإسرائيل بقيمة 862 مليون يورو. ، فيما تمثل حصة الولايات المتحدة الأمريكية 70 % من إجمالي واردات الأسلحة الإسرائيلية .
إن الدعم العسكري الأمريكي والألماني، وتصدير الأسلحة لإسرائيل إنما ينتهك نص وروح القوانين الفيدرالية الواضحة. فالولايات المتحدة الأمريكية تنتهك قوانينها الخاصة بمراقبة تصدير الأسلحة الأمريكية وقوانين المساعدة الخارجية ، التي تحظر استخدام الأسلحة الأمريكية لأغراض غير دفاعية.
وألمانيا تنتهك المادة 26 من القانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية، وأهداف القانون الساري لمراقبة الصادرات الألمانية . حيث تنص قوانين الحكومة الفيدرالية الألمانية على أن “جميع صادرات المعدات العسكرية تخضع لترخيص يتم إصداره ،فقط، بعد فحص دقيق لكل حالة. وتولي الحكومة الألمانية اهتماما خاصا لضمان “عدم إساءة استخدام البضائع الألمانية لارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان أو لمفاقمة الأزمات “. إلا أنها تغفل ذلك في علاقاتها بإسرائيل. فمن المعروف أن إسرائيل – دولة الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري- تواصل انتهاك القانون الدولي والعديد من قرارات الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية . وتستمر في انتهاك حقوق الإنسان الأساسية للشعب الفلسطيني. وتواصل إثارة العنف وتأجيج الصراعات الإقليمية التي تهدد السلم والأمن الدوليين، وتمتلك أسلحة الدمار الشامل، (النووية والبيولوجية والكيميائية) ، وتتوفر لها القدرة على إطلاقها.
وحتى في المناسبات القليلة التي أوقفت فيها دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، أو فرضت قيودا مؤقتة على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل بسبب انتهاكاتها واعتداءاتها في لبنان وسوريا وفلسطين، وسياساتها التمييزية العنيفة، وممارساتها العدوانية في الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة. واصلت ألمانيا دعمها اللامحدود لإسرائيل . وتبجح بذلك المستشار السابق جيرهارد شرودر فقال في عام 2008 : “أريد أن أقول بوضوح شديد: ستحصل إسرائيل على ما تحتاجه للحفاظ على أمنها”.
وفي خطابها المؤثر أمام الكنيست الإسرائيلي ، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن أمن إسرائيل “جزء من مبرر وجود ألمانيا”.
لقد أخفق كل من شرودر وميركل في ذكر ما إذا كان الحفاظ على الاحتلال العسكري الإسرائيلي والسيطرة على الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية ، والتطهير العرقي المستمر والفصل العنصري ضد الفلسطينيين، وانتهاك القانون والأعراف الدولية، يتناسب مع تعريف ألمانيا “للأمن الإسرائيلي، ولمبرر وجود ألمانيا “.
فإذا كانت ألمانيا تريد التكفير عن ماضيها الاشتراكي القومي ، فلماذا تستمر في مساعدة وتحريض إسرائيل على تكرار سياسات النازية العنيفة وممارساتها العنصرية؟
في الواقع ، وبسبب الطبيعة السرية للعلاقات الألمانية – الإسرائيلية ، تتلقى إسرائيل من ألمانيا المعدات العسكرية، والمعرفة التكنولوجية، ومخططات المعدات، وقطع الغيارالتي تطلبها – ليس فقط لاحتياجاتها الضرورية – وبعض هذه المعدات والمعرفة والمخططات وقطع الغيار تجد طريقها إلى دول أخرى لا يسمح البرلمان الألماني بالتصدير إليها بموجب قانون مراقبة الصادرات الألماني الساري ، بما في ذلك الهند والصين وسريلانكا وتركيا. ويتم توفير معظم الصادرات العسكرية الألمانية إلى إسرائيل من خلال المساعدات المالية الألمانية. وتحقق عائدات إعادة تصدير مثل هذه المعدات إلى أطراف ثالثة لإسرائيل أرباحا ضخمة، (بدون تحملها أعباء وتكاليف المنافسة مع الصناعات الألمانية التي يتعين عليها دفع تكاليف البحث والتطوير والمعرفة التقنية ، فضلا عن تكاليف إنتاج هذه المنتجات ) علاوة عن المخاطرة بالكشف عن الأسرار الصناعية الألمانية لشركات ودول أجنبية أخرى.
ولم يقتصر نقل إسرائيل لللتكنولوجيا والمعرفة على صفقاتها مع الدول الخمس المذكورة أعلاه.
فخلال حقبة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا (1948 -1994 ) ، رفضت بعض الدول الغربية – لأسباب قانونية وأخلاقية – تزويد نظام الفصل العنصري بأنظمة الأسلحة. فتدخلت إسرائيل وأصبحت على الفور الحليف الأقرب لجنوب إفريقيا ، وموردها الرئيس للأسلحة والمواد النووية الصناعية العسكرية، وأنظمة الأسلحة ، وقامت بتزويدها بالمعرفة التقنية لتصنيع وتشغيل وتطوير أنظمة الأسلحة العسكرية الخاصة بها .
وبحلول أواخر سبعينيات القرن الماضي، كان نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا أكبر مستورد للأسلحة الإسرائيلية. وقد حافظ المارشال جان كريستيان سموتس -وهو رجل أبيض من جنوب إفريقيا ، شغل مناصب عسكرية ووزارية مختلفة، بما في ذلك رئيس وزراء اتحاد جنوب إفريقيا للفترتين (1919 -1924 ) و (1939- 1948 )، على التقارب الأيديولوجي الوثيق والتواصل مع حاييم وايزمان، الذي كان رئيسا للمنظمة الصهيونية العالمية WZO)) عام 1917 ، ورئيس إسرائيل للفترة (1949 -1952).
التقى سموتس ووايزمان في لندن في حزيران /يونيو/ 1917 وضغطا بنشاط على الحكومة البريطانية لتحقيق الهدف الاستعماري الصهيوني في فلسطين. وتوجت جهودهما بوعد بلفور لعام 1917 الذي ذكر فيه أن “حكومة جلالة الملك تؤيد إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين”.
استمر التقارب الأيديولوجي ( القائم على الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري، والساعي للسيطرة والهيمنة الإقليمية) بعد تأسيس إسرائيل في العام 1948. ونمت العلاقة وتكثفت بين نظامي الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري خلال إدارة جون فورستر ، الذي شغل منصب رئيس وزراء الفصل العنصري في جنوب إفريقيا (1966 – 1978 ) ،وعندما تولى منصبه كرئيس للدولة( 1978- 1979).
ولم ينزعج القادة الإسرائيليون من الحقيقة المعروفة بأن فورستر كان مؤيدا قويا لهتلر ، وهو عضو في Osseweautywag) ) حراس عربة الثيران العنصرية المعادية للسامية في جنوب إفريقيا، وتم سجنه أثناء الحرب كمحرض ومتعاطف مع النازيين.
فإسحاق رابين (رئيس الأركان الإسرائيلي ( 1964- 1968) وسفير إسرائيل في الولايات المتحدة( 1968- 1973 )ووزير الدفاع( 1984- 1990 )، ورئيس الوزراء( 1974- 1977) و( 1992 حتى اغتياله عام 1995 )على يد يهودي إسرائيلي.
وشمعون بيريز (رئيس إسرائيل (2007 -2014 )ورئيس الوزراء (1984 – 1986 )، ووزير الدفاع (1995 -1996) .
كانوا كرماء للغاية في مدحهم لفورستر ، والمهندسين الرئيسيين للعلاقة الإسرائيلية مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
تبادلت إسرائيل وجنوب إفريقيا المعلومات التقنية ، وطورا معا واختبرا بشكل مشترك الأسلحة النووية. (كان لدى نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا 6 قنابل نووية ، وعندما انتهى نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في العام 1993 فككت جنوب إفريقيا قنابلها النووية الست ). ويقال أن إسرائيل تمتلك ما بين 200 إلى 400 قنبلة نووية..
لقد تلقى نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا 30 كيلو جراما من التريتيوم، مما يعطي الأسلحة النووية الحرارية الدفعة اللازمة لقوتها المتفجرة، وزود إسرائيل بالكثير من اليورانيوم الأصفر الذي تحتاجه لصناعة أسلحتها النووية. ففي العام 1963، وقعت إسرائيل وداسو الفرنسية عقدا لتطوير عائلة من الصواريخ الباليستية تسمى أريحا-في إشارة إلى مدينة أريحا التوراتية- تم بيع المعرفة المكتسبة من هذا العقد إلى نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا لتطوير وإنتاج عائلتها من الصواريخ الباليستية باسم شاليه. فهناك حاجة للصواريخ البالستية لإيصال قنابلها النووية. خلال حرب 1973، كانت إسرائيل مستعدة لاستخدام أسلحتها النووية ضد جيرانها.
كانت الأسلحة النووية لجنوب إفريقيا موجهة باستمرار لأكبر بلدان السود ، سويتو وماميلودي وغوغوليثو بهدف القضاء السريع على ملايين الأشخاص الأفارقة السود . وقد استندت إلى تصميمات من نوع البندقية والانفجار الداخلي على شكل قذائف مدفعية ليتم إطلاقها من مدافع كبيرة بعيدة المدى. تعاون كل من جنوب إفريقيا وإسرائيل ،أيضا ، في إنتاج مقاتلتهم النفاثة التي كانت مطابقة للطائرة الفرنسية ميراج 5 ،باستخدام نسخ مخطط سرقه عملاء إسرائيليون من نفس الشركة /داسو/. كانت النسخة الإسرائيلية تسمى كفير (العبرية/ شبل الأسد) وكانت النسخة الجنوب أفريقية تسمى الفهد. هل نُسبت أسماء الحيوانات للطائرتين عن طريق الخطأ ؟
لاحقًا ، باعت إسرائيل نموذجا أوليا لمقاتلتها النفاثة الجديدة لافي والمخططات والمعرفة الفنية إلى الصين (تم إنتاج نموذجين أوليين قبل وقف المشروع بضغط من الولايات المتحدة) .وكانت النسخة الصينية المستوحاة من لافي تسمى J-10 أو”قوي “.
كان التعاون بين جنوب إفريقيا وإسرائيل غير قانوني بموجب حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة في ذلك الوقت على النظام العنصري في جنوب إفريقيا .
وبالنظر إلى هذا السجل الإسرائيلي ، ما الذي يمنع إسرائيل من تمرير أو بيع المعرفة الفنية الألمانية المكتسبة من العقود التجارية أو التعاون العلمي إلى أطراف ثالثة ؟
التعاون العسكري الألماني – الإسرائيلي
كانت التقارير السنوية الحكومية الألمانية التي بدأت في العام 1999 والاستفسارات البرلمانية الألمانية حول طبيعة وحجم العلاقة العسكرية الألمانية – الإسرائيلية مضللة بشكل متعمد، وتظهر صورة مشوهة.
إذا كان على المرء أن يصدق السجل العام ، فإن حجم جميع المعاملات بين عامي 1990 و 2000 كان 2.4 مليار مارك ألماني. تقدم الأمثلة التالية لمحة عن العلاقات العسكرية بين البلدين.
بدأ التعاون الألماني- الإسرائيلي سراً في العام 1955 ، بعد ثلاث سنوات من توقيع اتفاقية التعويضات في ايلول /سبتمبر /1952 ، قبل تسع سنوات من إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ، وقبل وقت طويل من السماح لألمانيا رسميا بتشكيل جيش وإعادة تسليحه وتصنيع المعدات العسكرية.
في العام 1944 ، دعا وزير الخزانة الأمريكي هنري مورجنتاو إلى خطة لتقليص قدرة ألمانيا وإعادتها إلى دولة ما قبل الصناعة، من خلال القضاء على صناعة الأسلحة وغيرها من الصناعات الرئيسية الضرورية للقوة العسكرية.
كجزء من اتفاقية بوتسدام الموقعة في 2 آب/أغسطس/ 1945 ، اتفقت القوى المنتصرة الثلاث
، من بين أمور أخرى، على التعويضات التي يجب أن تدفعها ألمانيا، وعلى إعادة التنظيم السياسي والجغرافي لألمانيا ، وعلى تجريدها من السلاح. (يجب عدم الخلط بينها وبين اتفاقية لوكسمبورغ لعام 1952 ،التي تلزم ألمانيا بدفع تعويضات لضحايا المحرقه اليهود ، وعلى اعتبار إسرائيل كممثل لجميع اليهود) .ومنع نزع السلاح ألمانيا من بناء سفن عسكرية.
في السنوات الثلاث الأولى للاحتلال ، وضعت كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة برنامجا قويا لنزع السلاح وتفكيك الصناعات الألمانية. غير أن هذا البرنامج بعد ذلك لم يعد يحظى بتأييد كبير لتعارضه مع مهمة خطة مارشال لعام 1948 لتشجيع النمو الصناعي في ألمانيا التي مزقتها الحرب، بغية درء النفوذ الشيوعي/ السوفيتي/ المحتمل.
خلال هذه الفترة ، حدث تطوران دوليان رئيسيان أثرا على التفكير الاستراتيجي للولايات المتحدة بشأن إعادة تسليح ألمانيا :
في 29 آب/أغسطس/ 1949 ، فجر الاتحاد السوفيتي القنبلة الذرية RDS-1 .
وفي 25 حزيران /يونيو / 1950 ، بدأت الحرب الكورية وتدخل الاتحاد السوفيتي إلى جانب كوريا الشمالية.
كان لكلا التطورين تأثير مخيف في أوروبا ، وفرضا إعادة التقييم للمتطلبات الدفاعية لأوروبا الغربية، وإمكانية قيام الاتحاد السوفيتي بعمل عسكري عبر ألمانيا الشرقية. بدأت الحرب الباردة بكامل قوتها.
قبل العام 1955 . عارضت كل من فرنسا والمملكة المتحدة جميع المحاولات لتكوين جيش ألماني، وإعادة تسليح ألمانيا. ومع ذلك ، في 6 أيار/مايو/ 1955 ، سُمح لألمانيا أخيرا بالانضمام إلى الناتو ، وإعادة الاندماج في نظام الدفاع الأوروبي، وزيادة الجيش تدريجيا ، وإعادة التسلح. ولتجنب القيود المفروضة عليها من قبل القوى المتحالفة أثناء تفكيك صناعتها ، استوعبت ألمانيا طلب إسرائيل على قوارب البحرية من خلال التعاقد من الباطن مع أحواض بناء السفن الفرنسية والبريطانية لبنائها، باستخدام الأموال وقطع الغيار الألمانية. في وقت مبكر من العام 1955 ، صدرت ألمانيا زوارق دورية إلى إسرائيل بعد إزالة أية علامات ألمانية عنها . و منذ ذلك الحين ، استمر تصدير المعدات العسكرية.
وفقًا ل( Jane’s Fighting Ships 1999-2000 -) “كتاب مرجعي سنوي للمعلومات عن جميع السفن الحربية في العالم” ، قامت ألمانيا بين عامي 1990 و 1998 بتصنيع وتصدير 12 قاربا من صواريخ كورفيت إلى إسرائيل باسم “سار 4” و “سار 5” . تم تعيين خمسة من الطرادات الاثني عشر التي تلقتها إسرائيل في عام 1993 على أنها زوارق دورية( Super Dvora Mk.2 (العدد ونوع المحرك: 2 MTU 12V 396 TE94). ) بين عامي 1995 و1996، أعادت إسرائيل تصدير 25 من نفس الفئة من زوارق الدورية الألمانية المجهزة بأعداد وأنواع محركات مماثلة إلى الهند وسري لانكا وسلوفينيا.
من أين أتت الطرادات العشرين الإضافية ؟
في عام 1986 ، تعاقدت إسرائيل مع شركة بناء السفن الألمانية Ingenieurskontor Lübeck لتطوير تصميم غواصة متوسطة الحجم بنزوح 1500 طن ، وبمدى يصل إلى 4500 كيلومتر ، وقادرة على استخدامها لأغراض متنوعة (طوربيد ، ألغام ، قوات خاصة. الانتشار والصواريخ المضادة للسفن والاستطلاع).
بسبب عدم قدرتها على دفع ثمن الغواصات الألمانية المدرجة في قائمة رغباتها، لجأت إسرائيل إلى الولايات المتحدة. ووفقا لوحدة أبحاث الكونجرس ، منذ العام 2000 استخدم أكثر من 70٪ من المساعدات الأمريكية السنوية لإسرائيل لتمويل الجهود العسكرية. ووصل في العام 2019 إلى رقم قياسي ، إذ خصص 99.7٪ من المساعدات الأمريكية لإسرائيل ،والبالغة 3.3 مليار دولار لصالح الجيش الإسرائيلي .
تمثل المساعدة العسكرية الخارجية السنوية من الولايات المتحدة حوالي 20 % من الميزانية العسكرية الإسرائيلية. في البداية ، كانت الولايات المتحدة مترددة في استخدام الأموال الأمريكية لشراء غواصات ألمانية الصنع لإسرائيل. في العام 1989 – بعد ضغوط مكثفة من الكونجرس – رضخت الإدارة الامريكية ، ووافقت على تغطية الجزء الأكبر من إجمالي التكلفة المتوقعة لشراء الغواصات والبالغة 600 مليون دولار، فيما لو غطت ألمانيا الرصيد ،وإذا ما تم تعيين شركة بناء السفن الأمريكية Litton Ingalls كمقاول رئيسي ، حيث غيرت إسرائيل توجهها ، وقررت استخدام الأموال الأمريكية لشراء معدات أخرى. كانت شركة Litton Ingalls قد عملت سابقا على كورفيت سار 5 الإسرائيلي.
في كانون الثاني /يناير/ 1991، قدمت حكومة المستشار هيلموت كول حزمة مساعدات لإسرائيل بقيمة 1.2 مليار مارك ألماني ، منها : 880 مليون مارك ألماني لبناء غواصتين ، و 165 مليون مارك ألماني لبطارية باتريوت للدفاع الجوي ، والمبلغ المتبقي 155 مليون مارك ألماني لمعدات أخرى .
أرادت إسرائيل غواصة ألمانية ثالثة بموجب نفس الشروط المالية. وفي فبراير 1995 ، عرضت ألمانيا دفع 220 مليون مارك ألماني إذا دفعت إسرائيل المبلغ المتبقي. تقدر تكلفة كل غواصة بـ 320 مليون دولار (بعض المصادر تقدر تكلفة كل غواصة بمبلغ 650 مليون دولار). انتهى الأمر بدفع ألمانيا 85٪ من تكلفة الغواصات الثلاث التي تم تسليمها بين عامي 1998 و 2000. بحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل (30/6/2017) ، تلقت إسرائيل غواصتين إضافيتين بتكلفة 1.3 مليار دولار. دفعت ألمانيا 333 مليون يورو من سعر الشراء ، أو أكثر بقليل من الثلث. في العام 2011 ، طلبت إسرائيل غواصة سادسة من فئة دولفين بتكلفة تتراوح بين 500 و 700 مليون دولار. وافقت ألمانيا على تقديم دعم بقيمة 135 مليون يورو من التكلفة الإجمالية. في 20 كانون الثاني (يناير) 2022 ، وقعت إسرائيل وشركة Thyssenkrupp Marine Systems الألمانية مذكرة تفاهم لشراء وتسليم ثلاث غواصات إضافية في غضون تسع سنوات ، وتوريد قطع الغيار ، وبناء مركز محاكاة تدريب في إسرائيل، في صفقة قيمتها 3 مليار يورو (3.4 مليار دولار). هذه الصفقة ، على غرار الاتفاقية الموقعة في العام 2017 ، تأتي مع دعم حكومي ألماني بقيمة 850 مليون يورو (955.3 مليون دولار) يُستثمر في الصناعات الإسرائيلية (الدفاعية وغير الدفاعية).
يعتقد العديد من الخبراء أن الغواصات الألمانية من نوع Dolphin يمكن أن تحمل 16 طوربيدا وصواريخ كروز تطلق من الغواصات Popeye Turbo (SLCMs). ويعتقد على نطاق واسع أنها مزودة برؤوس نووية زنة 200 كيلو طن تحتوي على ما يصل إلى 6 كيلوغرامات (13 رطلاً) من البلوتونيوم .استخدمت إسرائيل مرة أخرى الأموال التي خصصتها الولايات المتحدة لدفع جزء من تكلفة المعدات الألمانية بشرط أن تكون المكونات من صنع في الولايات المتحدة.
في العام 2002 ، استخدمت إسرائيل 265 مليون دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية لشراء محركات 400 GD 883 مع إرسال Renk (RK304) يتم إنتاجها بموجب ترخيص من شركة الطيران والدفاع العالمية الأمريكية General Dynamics Land Systems لدبابة Merkava MK.4 الإسرائيلية الجديدة. المحرك الألماني الأصلي هو MTU 883 V-12. استخدمت Merkava Mk.3 السابقة نفس RK304 بالإضافة إلى GEADRIVE ، وهو نظام تثبيت برج من صنع شركة Wedel الألمانية.
والمثير للدهشة أن 170 دبابة تركية من طراز M-60-A1 تم تجديدها بنفس محركات MTU 883 V-12 وناقل الحركة RK304 Renk. . وبحسب صحيفة جيروزاليم بوست (17 تشرين أول / أكتوبر /2019) بلغت التكلفة الإجمالية لصفقة تحديث 170 دبابة 687 مليون دولار.
في 11 أيار/مايو /2015 ، ذكرت وكالة رويترز أن ألمانيا وإسرائيل وقعتا صفقة تزود ألمانيا بموجبها إسرائيل بأربعة طرادات بحرية ، وهي قوارب صواريخ “سار 6” المحددة بقيمة 480 مليون دولار (حوالي 380 مليون يورو). دعمت ألمانيا هذه الصفقة بمساهمة قدرها 115 مليون يورو. ووعد (تيسين جروب ، التكتل الألماني الذي يبني الطرادات ، بشراء ما يقرب من 150 مليون يورو من البضائع الإسرائيلية ، مما يجعل تكلفة الطرادات الأربع لإسرائيل 215 مليون يورو.
عند الإبلاغ عن مثل هذه المعاملات العسكرية ، تصف معظم التقارير الإعلامية ، دون استثناء ، المشتريات والإعانات كجزء من تكفير ألمانيا عن ماضيها النازي، والتزامها الحالي بأمن إسرائيل. نادرا ما تذكر وسائل الإعلام أو تحقق في ما إذا كانت ألمانيا تنتهك قوانينها من خلال تصدير أنظمة أسلحة فتاكة إلى منطقة نزاع ، وكيف يتم استخدام هذه المعدات ومكان استخدامها ولأي غرض . تستخدم الغواصات والطرادات وزوارق الصواريخ الموردة من ألمانيا لتهديد شواطئ لبنان ولحصار غزة وقصفها.
قبالة شواطئ غزة ، غالبًا ما تطلق البحرية الإسرائيلية قذائفها وصواريخها لتدمير المباني السكنية في غزة وترهيب وقتل وتشويه الصيادين وغيرهم من المدنيين. “تشير تقارير وسائل الإعلام المحلية إلى أن البحرية الإسرائيلية نفذت أكثر من 100 هجوم باستخدام مدافع محمولة على السفن في عمليات القصف البحري والصواريخ التي تطلقها السفن لتسديد الضربات الدقيقة.”
في 16 نيسان / ابريل/ 1988، وصلت قبالة السواحل التونسية فرقة اغتيال إسرائيلية عن طريق البحر، ويعتقد أنها غواصة ، لاغتيال خليل الوزير (أبو جهاد) نائب الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وقتل في الهجوم أربعة أشخاص مدنيين، بينهم بستاني .
الخلاصة:
حتى يومنا هذا ، تعتبر ألمانيا دعمها لإسرائيل ركيزة من ركائز سياستها الخارجية ، وتواصل تقديم مساعدتها العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية غير المشروطة. وعلى الرغم من أن معظم الألمان كانوا الضحايا المباشرين للحقبة النازية ، إلا أنهم لليوم محكومون بعقدة بالذنب، والتكفيرعن الفظائع التي ارتكبها الاشتراكيون القوميون قبل 70 عاما .
يبدو أن الألمان ليس لهم رأي في طبيعة ونطاق العلاقة بين بلادهم وإسرائيل. فالشباب الألماني في العام 2021 ملزم من الحكومة والنظام التعليمي والثقافة بالتكيف النفسي والشعور بالندم على جرائم ألمانيا النازية، وخاصة ضد اليهود. معظم هؤلاء الشباب الألمان هم من الجيل الثالث بعد الحقبة النازية ، وهم وآباؤهم وأجدادهم لا علاقة لهم بألمانيا النازية، ولم يستفيدوا منها – بل على العكس تماما.
وإذا بقيت الظروف كما هي ، فمن غير المتوقع أن ينتهي الارتباط بهذا الذنب الجماعي قريبا . يستمر ثمن هذا التكييف النفسي والشعور بالذنب بالارتفاع ، بلا نهاية تلوح في الأفق.
في الواقع ، يسهم الشعور بعقدة الذنب الألمانية – التي لا تنتهي أبدا – في الحفاظ بشكل مباشر على العلاقة السرية بين ألمانيا وإسرائيل ، وفي استمرار دعم ألمانيا غير المنتقد للسياسات والممارسات الاستيطانية العنصرية التي تمارسها إسرائيل وجيشها ضد الشعب الفلسطيني وعموم المنطقة .
ذهبت معظم مدفوعات التعويضات الألمانية إلى دولة إسرائيل بدلا من التعويض المباشر لضحايا المحرقة والناجين منهم في أوروبا والولايات المتحدة. بدورها ، استخدمت إسرائيل أموال التعويضات لاستعمار فلسطين ، والتطهير العرقي للفلسطينيين ، وبناء جيشها ، وتكرار اعتداءاتها ، وإنشاء دولة يهودية ذات طرق ومستوطنات ومدارس يهودية فقط.
كما أوضحنا سابقا ، تستخدم إسرائيل وأنصارها التكييف النفسي للألمان للاستمرار في جني المكاسب المالية والعسكرية والدبلوماسية من ألمانيا .
إن تقديم المساعدات المالية والمعدات العسكرية ، بما في ذلك الغواصات القادرة والجاهزة لإيصال رؤوس حربية نووية وكيميائية وبيولوجية ، لا يمثل تهديدا لفلسطين ولبنان وإيران فحسب ، بل يهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي . ويمكن استخدام الغواصات الإسرائيلية المجهزة برؤوس حربية نووية وكيميائية وبيولوجية ضد أوروبا وضد ألمانيا نفسها ، إذا قرروا تغيير سياستهم من كونها داعمة للسياسات والممارسات الاستيطانية العنصرية الإسرائيلية ، إلى سياسة تلتزم بالمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواثيق والقوانين والأعراف الدولية وقرارات الأمم المتحدة .
يعلمنا التاريخ أنه يمكن ابتزاز البلدان أو الضغط عليها للقيام بأشياء لم تكن لتفعلها لولا ذلك .
لتجنب والقضاء على هكذا احتمالية ، يجب على ألمانيا اتخاذ خطوات ملموسة لإشراك مواطنيها في نقاش مفتوح دون خوف وترهيب، لإنهاء عبء عقدة الذنب الجماعية وتحرير نفسها من التكلفة والخطر المحتمل المرتبط بعلاقتها السرية مع إسرائيل .
في الديمقراطية ، يعتبر النقاش المفتوح والحر أمرا صحيا، ويمكن أن يؤدي فقط إلى تعزيز القيم والمعايير الديمقراطية .
وحتى ذلك الحين ، ستستمر في ألمانيا ،كما في أي مكان آخر -عقدة الذنب التي لا تنتهي- وأعمال الجبن والنفعية السياسيين من أجل:
1- تقويض المصلحة الوطنية الألمانية ، وانتهاك القوانين الألمانية والدولية السارية ، والتأثير سلبا على الرفاهية الجسدية والنفسية لعدة أجيال من الألمان الذين لا علاقة لهم بالنازيين وأعمالهم الوحشية.
2- انتهاك الحقوق الأساسية للألمان في معرفة ، ومناقشة ، وانتقاد ، والتصرف ضد السياسات والممارسات الإجرامية التي يمارسها الاستعماريون المستوطنون ضد الشعب الفلسطيني.
3- تقديم دعم غير مشروط لإسرائيل ، مما يتسبب بأضرار كارثية دائمة وألم ومعاناة للشعب الفلسطيني.
4-تمكين إسرائيل من تهديد السلم والأمن الدوليين .
ما هي المدة التي يجب أن يعيشها الشعب الألماني في ظل سحابة من عقدة الذنب ودفع ثمن الجرائم التي ارتكبها النازيون منذ أكثر من 70 عامًا ؟
إلى متى يجب على الشعب الفلسطيني أن يدفع ثمن جرائم ألمانيا النازية وإسرائيل؟
لماذا يدفع الشعب الفلسطيني ثمن أهداف إسرائيل الاستعمارية العنصرية أو فظائع ألمانيا النازية؟
إن شعار “لن تتكرر أبدا ” لا يعني فقط أن ألمانيا يجب أن لا تلحق الأذى باليهود مرة أخرى. بل يعني ،أيضا، أن ألمانيا والنظام الاستعماري الاستيطاني والفصل العنصري الإسرائيلي يجب أن لا يكرسا الجرائم ضد الفلسطينيين كفعل ندم، أو دفع ثمن الفظائع التي ارتكبها النازيون ضد اليهود.
المانيا ما زالت مستعمره امريكيه وهي تدفع لاسرائيل بأوامر امريكا بحجة عقدة الذنب فقط تضحك بذلك على شعبها وعلى نفسها