عرب الـ 48 …الحاضر الغائب في جنسية ودولة إسرائيل

يحتدم النقاش بين الفينة والأخرى على وضعية عرب الـ 48 القانونية والسياسية في إسرائيل وعلاقتهم مع الكل الفلسطيني. هل هم إسرائيليون أو جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني وسيرورة حقوقه ونضاله؟

وحتى نستوضح الأمر لا بد من تسليط الضوء في البداية على حقيقتين:

الأولى: ان العرب حصلوا قبل النكبة، زمن الانتداب البريطاني، على مواطنة فلسطينية استعمارية بحكم قانون المواطنة المُسن عام 1925 وبهذا اصبح كل من هو حاصل على مواطنة في فلسطين وبمختلف اعراقهم وأديانهم مسلمين, مسيحيين يهود وغيرهم يعرفون بالشعب الفلسطيني. مع انه لم تكن دولة فلسطينية كاملة السيادة، وهذا مهم لنا لاحقاً، لكون مرسوم الجنسية مصدره ملك بريطانيا بموجب صك الانتداب الذي حكمت به بريطانيا البلاد.

الثانية: انه في الحالة الإسرائيلية يظهر الفرق وبشكل مخطط ومبيت، بمستوى القانون، بين الجنسية والمواطنة. الجنسية (Nationality) هي انتساب الفرد قانونياً للشعب المكون للدولة بمعنى رابطة سياسية وقانونية بين الفرد والدولة وهذا ما يطلق علية جنسية ليبرالية. أو انتساب الشعب ككتلة عرقية، دينية للدولة بوحدة عضوية بمعنى جنسية جمهورانية.  في هذا السياق الجنسية هي الوضعية التي يصبح فيها الفرد او الجماعة العرقية مواطناً كاملاً كمكون للدولة ويتمتع بكافة الحقوق المدنية والسياسية في دولته.   المواطنة (Citizenship) هي اقل مرتبة من الجنسية، وهي تمهيدية بمعنى تستوجب استكمال خطوات قانونية لتصبح جنسية كفرد او جماعة مكونه للدولة. وكهذه لا يتمتع صاحبها بكامل الحقوق السياسية والقانونية. مهم التأكيد هنا انه في الأوضاع غير استعمارية تتماها الاثنتان.

في هذا السياق استجابة وثيقة الاستقلال الإسرائيلية لمطلب قرار التقسيم 181 لسن دستور ديمقراطي أساسه قانون جنسية متساوي لليهود والعرب بمعنى دولة جميع مواطنيها. بعد استلام هيئة الأمم هذه الوثيقة اقرت قرار الاعتراف بها  273  والذي اشترط تنفيذ قرار 181 و194. تنصلت إسرائيل من وثيقة الاستقلال هذه مباشرة بعد قرار الاعتراف بها 273.  ولعل هذا من بين الأسباب التي دفعت مناحم بيغن ليقول : ” ان أكثر الذين وقعوا على وثيقة الاستقلال كانوا غير صادقين.”

وفقاً لذلك اقرت إسرائيل قاعدة سن قوانين أساس الكنيست، بدلاً من الدستور المطلوب دولياً، كألية للتأقلم القانوني مع الاخطار المحدقة بالدولة على طريق اقامتها والذي شكل الخطر العربي بأبعاده الأمنية: الديموغرافي ووعي الحقوق دافعا أساسيا لها. وهذا التوجه كان نتاج نقاش جاد حول مستقبل العرب في الدولة. برز فيه اتجاهان الأول كان مع طرد العرب الثاني مع ابقائهم مع عدم منحهم الجنسية التي تمنحهم شراكة بالمفهوم القانوني في الدولة اليهودية. لهذ السبب لم تسن إسرائيل قانون الجنسية بعد 4 سنوات من قيامها، عام 1952 إلا لتحدد وضعية العرب القانونية طبقاً لهذا الفهم. قبل ذلك أصدرت قانون العودة 1950 والذي منح اليهود أينما كانوا خارج البلاد او داخلها الحق التاريخي في فلسطين كمواطنين اصليين يحصلون على الجنسية بشكل تلقائي ورابطة الدم. لم يتطرق قانون العودة للعرب لاعتبارهم أجانب ويجب حل مشكلتهم بالتجانس بما يتفق ونموذج المواطنة الفلسطينية الاستعمارية قبل النكبة التي لم تشترط وجود دوله ولكنها كانت تعمل على تأهيل استكمالها كجنسية في الدولة اليهودية/الوطن اليهودي المخطط لها وفق وعد بلفور. لهذا السبب امتنعت بريطانيا عن التصويت مع القرارات 181, 273.  والنموذج الاسرائيلي المستوحى هنا من حقيقة كون ملك دولة بريطانيا هو الموقع على مرسوم الجنسية الاستعمارية هذه دون ان يكون لها علاقة قانونية بالدولة البريطانية في ظل تشكيلها هيئة الانتداب كمندوبة لسلطتها.

وعليه جاء قانون الجنسية الاسرائيلي لتثبيت هذا التوجه بإعطائه جنسية يهودية جمهورانية وفقاً لقانون العودة منحت اليهود الدولة التي شكلت لنفسها هيئة انتداب داخلية، نموذج بريطانيا، منحت العرب مواطنة استعمارية بحكم المكوث عن طريق التجنس كأجانب واستُبدل توقيع الملك البريطاني المستعمر الراحل بتوقيع وزير الداخلية للدولة اليهودية المستعمر الداخل. وذلك وفق شروط لم تتوافر الا في 10% من العرب في حينه اما الاخرين بقوا بدون مواطنة استعمارية ولكن لهم حق الإقامة الدائمة الى ان جاء تعديل القانون 1980 والذي ومنحهم حق المواطنة الاستعمارية التي تمنحهم الحقوق المادية ناقصة لا ارض لهم الا من امتلك “طابو” وكانوا قلة، لا دولة ولا جنسية اسوة باليهود وما مشاركتهم في الترشيح والانتخابات الا في سياق التسويق لجمال الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وإذا كان لهم تأثير فهو هامشي، كما يقول المثل الشعبي في النقب، “في الوبر مش في الهبر”. عن ذلك وبسبب عدم الموافقة على سن الدستور قال عاري جابوتنسكي في خضم النقاش عليه: “لا تريد الدولة تحديد وضعية غير اليهود فيها. هذه المشكلة يسمونها مشكلة العرب. هذه المشكلة لا يمكن التطرق لها وإذا تم ذلك فهي سرعان ما تحذف من على جدول الاعمال وبأكثرية ساحقة. الحكومة تكذب حينما تقول للعرب لكم كل الحقوق، في وقت يصادر الواقع القانوني كل هذه الحقوق. في وضع كهذا لم يبقى للعرب الا ان يهاجروا او يبقوا هنا برخصة مكوث كرعايا دول اجنبية بدون حقوق سياسية.”

في هذا السياق قال بن غوريون معلقاً على سن قانون الجنسية: ” ان قانون الجنسية وربطه بقانون العودة حدد مضمون وطبيعة إسرائيل اليهودية ليس لأنهم أكثرية يهود بل لأنهم يهود.” بكلمات أخرى حدد هذا القانون عام 1952 ان الدولة يهودية لكونهم يهود وطبيعة النظام كديمقراطية الشعب السيد والجنسية جمهورانية لليهود الاسياد. ما بقي للعرب المواطنة الاستعمارية كرعايا بدون دولة وان ظهر العرب في بطاقة الهوية وجواز السفر وسجل المواطنين كإسرائيليون فيجب أن يفهم في هذا السياق.  كل القوانين الأخرى التي صيغت او عدلت على الطريق الى اليوم كانت وفق تكتيك سن قوانين الأساس، الذي استبدل الدستور المطلوب، وبقيت رداً على تحديات المرحلة واستجابة للجديد فيها. وهذا يشمل سن قانون القومية عام 2018 الذي كان رداً على تحديات المرحلة منها تزايد الوعي الفلسطيني ومطالبته بدولة كل مواطنيها، وأن كانت شكلية، حيث أربك اليمين الإسرائيلي المهيمن الذي خاف من خطوات عمليه كمثل المطالبة بسن دستور وتغيير قانون الجنسية والتوجه لتطبيق القوانين الدولية بهذا الصدد 181, 273 و 194 وغيرها التي قام على أساسها حزب التجمع الوطني الديمقراطي. لهذا سن هذا القانون كخطوة استباقية وكسياج اخر لحماية نظام ديمقراطية الشعب السيد وتجهيزاً للخطوة القادمة إقامة الدولة اليهودية الواحدة بين النهر والبحر كما تجلى بعد ذلك بوقت قصير في “صفعة ترامب” ومخطط الضم. بكلمات أخرى جاء قانون القومية في هذا السياق ليغلق الباب كجدار قانوني، بمنطق الجدار الحقيقي الذي اقامته اسرائيل، لمنع أهل الضفة الغربية من الحصول على مواطنة استعمارية كأخوتهم في إسرائيل تمنحهم حق الانتخابات والحقوق المنقوصة الاخرى لتبقي المجال مفتوح اذا تعقدت الأمور اما منح أهل الضفة حق الإقامة الدائمة بدون حق انتخاب وترشيح او “الترنسفير”، وليس وحدهم، اذا سمحت الظروف.

 

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *