عدوتان ، نفس التحدي : بعد القضاء على نصر الله، حان الوقت لتعزيز عملية سياسية
وجه اغتيال زعيم حزب الله ضربة قوية للحزب ولإيران. فالجانبان، وربما مع التركيز على إيران، يواجهان الآن معضلة صعبة للغاية: هل ينبغي الاستمرار في خط الحرب ضد إسرائيل، كما قاده نصر الله طوال السنة الأخيرة ؟
هل سيصعدون عملياتهم بشكل يعطي شرعية لإسرائيل لتوسيع هجماتها على لبنان؟ هل ستتجه إيران نحو رد مباشر من جانبها على إسرائيل؟ فعلا إنها تساؤلات صعبة وكثيرة .
أولا كلمة بخصوص إيران. إذا استندنا على العام الماضي، فليس لديها مصلحة في تصعيد واسع النطاق ومواجهة مباشرة مع إسرائيل أو فقدان كامل لربيبتها في لبنان .
لديها مصلحة في إعادة التقارب مع الغرب والتأكيد على الإدارة الأميركية الجديدة (مهما كانت) من أجل رفع أو تخفيف العقوبات الاقتصادية والاستمرار في سعيها لامتلاك القدرة النووية العسكرية.
إذا كان الأمر كذلك، فإن طهران قد تبتلع الحبة المرة (جدا)، وتتجنب اللعب لصالح إسرائيل. صحيح أنها لن ترفع أيديها مستسلمة إلا أنها لن تسمح لإسرائيل بجرها إلى المواجهة . بمعنى آخر: ستسعى لاحتواء الضرر الذي لحق بقيادة حزب الله ، وستستأنف تزويد الحزب باحتياجاته ، وستتمسك باستراتيجية طويلة الأمد من شأنها أن تساعد في الحفاظ على النظام.
فيما يتعلق بحزب الله، أدت سلسلة الضربات القاتلة إلى خفض أسهمه في إيران بشكل كبير وربما نقلت حيز اتخاذ القرار فيما يتعلق بالقرارات الصعبة الآن إلى طهران. وسيبذل الحزب جهداً هائلاً للحفاظ على أصوله السياسية في لبنان ، من أجل الحفاظ على مركزيته عندما يتعلق الأمر باتخاذ القرارات في المجال السياسي في بيروت .
يواجه لبنان تحدياً كبيراً. فهل ستتمكن الأوساط المعارضة لحزب الله، وربما أيضاً الأوساط التي ارتبطت به في السنوات الأخيرة، من استغلال الوقت المناسب لتعزيز مؤسسات الدولة وانتخاب رئيس ووضع لبنان على مسار مختلف ؟ من الممكن أن نشك بذلك ولكن أيضًا يجب أن نتيح المجال إلى حد ما لدرجة معينة من المفاجأة الإيجابية.
والسؤال الرئيسي: هل يمكن الوصول الآن إلى فصل الجبهة اللبنانية عن جبهة غزة كما أرادت إسرائيل ، إنطلاقا من إيقاع ضرر كبير لحزب الله بشكل جدي؟ الأمر يعتمد إلى جد كبير على الدبلوماسية النشطة والحازمة التي تقودها الولايات المتحدة، والتي سوف تعرف كيف تستغل بحكمة ضربات حزب الله . في ظاهر الأمر، قد تتيح الظروف الحالية المجال لتحرك لوقف إطلاق النار في ظل حوار اميركي ايراني (واسرائيلي، من خلف الكواليس) .
وهناك تحدي مماثل يواجه إسرائيل. فهل ستتمكن من الاستفادة من نجاحاتها المثيرة ضد حزب الله لدفع عملية سياسية على الجبهة اللبنانية؟ يجب على إسرائيل أن تستغل إنجازاتها ، والضربات التي تعرض لها حزب الله، وعدم اهتمام إيران بخوض حرب واسعة ومباشرة، من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في الشمال .
هذا يقطع عمليا الارتباط بالحرب في غزة، ويفتح الباب أمام اتفاقيات أكثر طموحاً من العودة إلى القرار 1701. والهدف هو التوصل إلى خطة متفق عليها في لبنان من شأنها أن تمنع، أو تحد إلى حد كبير، من قدرة حزب الله على إعادة تسليح نفسه، ويسمح للدولة اللبنانية بتسوية شؤونها، مع التركيز على انتخاب رئيس منفصل عن تأثير حزب الله.
من المهم أن نتذكر: الإنجازات العسكرية يجب أن تؤدي إلى تحركات سياسية، التي لا يمكن تحقيقها في ظل ظروف أخرى. بجب على إسرائيل أن لاتنجر وراء نجاحات تكتيكية، مهما كانت مثيرة للإعجاب. ويجب أن يتم ترجمة هذه النجاحات إلى لغة استراتيجية.
المصدر: معاريف