عالم ثنائي/ متعدد القطبية

انتشرت عدة تحليلات على ضوء غزو روسيا لاوكرانيا تفيد بحصول تحول في النظام الدولي، من نظام أحادي القطبية إلى نظام ثنائي القطبية (روسيا/ الولايات المتحدة)…وفي بعض التحليلات كانت الإشارة إلى التحول نحو عالم متعدد القطبية (روسيا، الصين، الولايات المتحدة)…فما مدى دقة هذا التحليل؟
تختلف أدوات التحليل للعلاقات الدولية باختلاف موازين القوى وعلاقات القوة وفواعلها. من هنا تبرز إشكالية بعض التحليلات في عدم الأخذ بالتحولات المتعلقة بهذه العوامل. وبما أنّ هذه العوامل متغيرة فالطبيعي أن يتغير شكل العلاقات الدولية. ففي بداية القرن العشرين، وفي ضوء التنافس الاستعماري، ساد نظام التعدد القطبي (بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وغيرها من الدول الاستعمارية الأوروبية)، لكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ساد النظام الثنائي القطبية (الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي)، بينما ساد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي نهاية الثمانينيات نظام أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة، إلا ان ذلك لم يستمر طويلًا فنشأ مع بداية القرن الحادي والعشرين ما أطلق عليه ريتشارد هاس بعالم اللاقطبية الذي نعيشه في أيامنا الحالية.
بحسب هاس، فإنّ التغير الأهم في عصر اللاقطبية هو تغير الأنظمة الإقليمية، فبالرغم من عدم وجود أي منافس للولايات المتحدة على مستوى العالم، إلا أنّ هنالك قوى وأنظمة إقليمية عدة لا يمكن تجاوزها، ففي شرق آسيا لا يمكن تجاوز الصين، وفي أميركا اللاتينية من الصعب تجاهل البرازيل، وكما هو الحال في الشرق الأوسط تجاه إيران والسعودية وتركيا (وإسرائيل)، بمعنى أن الولايات المتحدة تهيمن بقوتها الصلبة (العسكرية) والناعمة (هوليود) على العالم، إلا أنها لاتستطيع التصرف كما يحلو لها في بعض المناطق، دون الأخذ بعين الاعتبار القوى الإقليمية الحليفة أو المناوئة لها.
يراهن البعض على الدور الروسي، على اعتبار أن ما يجري أوكرانيا هو إعادة لنظام ثنائية القطبية. لكن وبالرغم من تراجع الدور الأميركي؛ إلا أن الولايات المتحدة ما زالت مهيمنة على المستوى العالمي بفعل قدراتها العسكرية والاقتصادية وقوتها الناعمة، وما زالت الفجوة بينها وبين روسيا متسعة، فالاقتصاد الروسي يعاني من الأزمات بسبب اعتماده على النفط الذي تتذبب أسعاره، كما أنّ الدخل القومي الروسي السنوي لا يزيد عن 8% من الدخل القومي الأميركي. وبحسب صندوق النقد الدولي، فقد تراجع الدخل القومي الروسي بمقدار 24% خلال الفترة 2012-2017، من 2.017 ترليون دولار إلى 1.52ترليون دولار، فيما استمر الدخل القومي الأميركي بالنمو، وسجل العام 2017 مبلغ 19.75 ترليون دولار. إلا أنّ هذه الفجوة الاقتصادية لم تمنع روسيا من تحدي ومنافسة الولايات المتحدة في مناطق عدة، مثل جورجيا في العام 2008، والتدخل في شبه جزيرة القرم العام 2014، والتدخل في سوريا العام 2015، وأخيراً في أوكرانيا.