عاد إلى يافا .. ومات


لا شيء يشبه صراعنا مع إسرائيل أكثر من يافا وتل أبيب .
حوت تل أبيب الذي ابتلع يافا ! لتطلّ بقايا يافا من فم الحوت مثل ” لا ” على شاطئ العجمي .. تخزّن الذاكرة في جرار بيوتها القديمة ، وتتوجع بصمت .
يافا وتل أبيب العين في مواجهة المخرز حين تصرّ يافطة عبرية كتبت على أطلالها انها : المدينة القديمة لتل أبيب ، فخامة الفنادق الشاهقة حين تزوّر بيوتها الحجرية بالطراز العثماني ، وعظام الشيخ مؤنس حين تقام على رفاتها جامعة تل أبيب ، مبني الموساد الاسرائيلي الشاهق في مواجهة منقوشة زعتر في مطعم أبو العافية على كتف البحر ، ساحة الساعة تلدغ عقاربها التوقيت الاسرائيلي الذي حول عروس البحر الفلسطينية الى مسبية تجرها تل أبيب من شعرها في ميدان رابين .
انها جنين التي تقتحمها تل أبيب ، وتصبغ فجرها في الدم ، وتعود لتسهر بالشورت على رصيف مطعم في شارع ” ديزنكوف ” اسم رئيس بلديتها المسروقة من يافا .
انها جنين التي ترتاح من نزيفها على مقعد في أهم شارع في تل أبيب وتتفرج على قاتلها يشرب البيرة المثلجة في محرقتها التي تضرم تل أبيب نارها بين مجزرة ومجزرة .
هي جنين ” الارهابية ” في نفاق العالم بين كييف وتل أبيب …
لا عيون زرقاء لجنين لكي تقنع العالم بعدالة دمها المسفوك على يد احتلال غزا يافا قبل ان تغزو روسيا كييف ، يتفرج عليه هذا الضمير الأشقر منذ 73 عاما بعين تل أبيب وعين موشي ديان .
هذا الشاب الأسمر الوسيم الذي أطلق الرصاص على رومانسية تل أبيب ليلة أمس هو ” ارهابي ” خرج من فتحة من الجدار العنصري العازل الذي يحمي رفاهية تل أبيب من ضحايا يافا القديمة الذين شردتهم رومانسية تل أبيب من بلادهم وتلاحقهم في مخيمات مابقي لهم من بلادهم في جنين وغيرها .
انها جنين القتيل حين يقتحم قاتله الذي يشرب البيرة المثلجة على رصيف في أبيب فوق عظام أجداد هذا الوسيم الأسمر في يافا .
بين موسكو وتل أبيب لهذا العالم عين موشي ديان ترى بعين واحدة بين احتلال طازج بالألوان واحتلال قديم بالأسود والأبيض ، وبينهما شاب فلسطيني وسيم نسيه العالم الحر ينهض في صباح يافا ويعود الى يافا ويموت .
فعلها قبله الراحل ابراهيم أبو لغد الذي احتال على اسرائيل وعاد ميتا الى يافا ودفن فيها .
هو ” ارهابي ” يبحث عنه نصف جيش إسرائيل لكي يخلص تل أبيب من كابوس يافا التي مازال دمها على كف تل أبيب التي تسهر بالشورت على رصيف في تل أبيب .
عاد إلى يافا ، وانضم الى رفات ابراهيم أبو لغد ومات .