
دفعت عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين اول /أكتوبر الجاري وانهيار المنظومة الإسرائيلية الاستراتيجية والأمنية والسبرانية خلال ساعات قليلة أمام اندفاع رجال المقاومة الفلسطينية من غزة، إلى أهمية إلقاء الضوء على تاريخ غزة وصمود أهلها ودحر كافة الاحتلالات العابرة على التاريخ الفلسطيني وسيكون آخرهم رحيل المحتل الصهيوني عن الوطن الفلسطيني .
الجغرافيا والديموغرافيا
أنشئت غزة قبل ميلاد السيد المسيح بثلاثة آلاف عام على تل يرتفع زهاء (45) متراً فوق سطح البحر؛ وقد تطور عمران المدينة أسفل التل من نواحي الشمال، والشرق والجنوب، ولم يمتد باتجاه الغرب إلا أخيرا.
فأصبح موضعها الطبوغرافي يتألف من: الموضع القديم: ويشغله جزء من حي الدرج ، وجزء من حي الزيتون، وكذلك مواضع التوسع في جهات الشرق والشمال والجنوب من التل : وتضم أحياء الشجاعية والتفاح ، وجزءاً من حي الزيتون ، وتتميز تلك المواضع بانبساط أرضها التي ترتفع حوالي (35) متراً عن سطح البحر ، جنوبي شرق المدينة،إضافة إلى موضع الامتداد نحو الغرب : ويتألف من كثبان رملية غرست الأشجار في بعض أجزائها لصد زحف الرمال ، وأصبح اليوم يعرف بغزة الجديدة أو حي الرمال. وبشكل عام يوجد في غزة خمسة أحياء رئيسية هي: الدرج، الزيتون، التفاح، والشجاعية بقسميها الجديدة والتركماني، وقد امتدت غزة الجديدة على الرمال الممتدة من تل السكن على حدود المدينة القديمة إلى ساحل البحر المتوسط من الغرب . كانت مدينة غزة قاعدة اللواء الجنوبي في فلسطين إبان الاحتلال البريطاني 1920-1948، وأصبحت عاصمة قطاع غزة منذ النكبة الكبرى في الخامس عشر من مايو/أيار من عام 1948.
أقام فيها الحاكم الإداري العام لقطاع غزة خلال الفترة بين عامي 1948و1967 وقد ضمت مختلف الدوائر الرسمية.
وفي الخامس من حزيران /يونيو من عام 1967 احتل الجيش الإسرائيلي قطاع غزة وأخضعوه لحكم السلطات الإسرائيلية، بعد أن بقي القطاع تحت الإدارة المصرية منذ عام 1948 وحتى التاريخ المذكور.
وقبل ذلك وفي عام 1948 أنشئت إسرائيل على القسم الأكبر من مساحة فلسطين التاريخية، ونجا قطاع غزة من الاحتلال ليبقى تحت الإدارة المصرية حتى تاريخ احتلاله عام 67.
ومن الأهمية الإشارة الى أن قطاع غزة استقبل عددا كبيرا من اللاجئين الفلسطينيين إثر النكبة الكبرى، ومع التزايد الكبير لسكان القطاع ارتفع مجموعهم ليصل الى نحو مليونين ومائتي الف فلسطيني خلال العام الجاري 2023 منهم أكثر من 76 في المائة هم من اللاجئين الذين ينحدرون من بئر السبع ومدينة يافا والمجدل وعسقلان، ويشكل اطفال غزة 53 في المائة من سكانه ، وتعتبر كثافة السكان هي الأعلى في العالم ، وخاصة في المخيمات الثمانية المنتشرة في القطاع .
صمود وانتصار
لموقع مدينة غزة الجغرافي أهمية فائقة، حيث أنه واقع على أبرز الطرق التجارية بالعالم القديم، تلك التي بدأت من حضرموت واليمن وانتهت في بلاد الهند.
كما أن لغزة أهمية عسكرية كبيرة، نظرا لكونها صلة الوصل بين مصر والشام، وكان الاستيلاء على غزة يعني بداية السيطرة على طرق الحرب والتجارة بين آسيا وافريقيا.
ويلحظ المتابع أن قطاع غزة واجه احتلالات متكررة عبر تاريخه الطويل؛ بيد أن الاحتلال الإسرائيلي ومجازره ضد أهل غزة التي نشهد فصولها على مدار الساعة كان الأشرس والأكثر همجية ودموية وتقتيلا للأطفال والشيوخ والنساء عبر سياسة تدمير ممنهجة للبيوت على رؤوس ساكينها .
ويلحظ المتابعون أن غزة صمدت أمام رياح احتلالية عاتية في التاريخ، وتبدل اسمها بتبديل الأمم التي صارعتها فأطلق الفرس اسم هازاتو عليها.
أما العبرانيون فأسموها غزة، والكنعانيون أسموها هزاني، أما المصريون فأسموها غازاتو وسماها العرب غزة هاشم؛ وتاريخ مدينة غزة كما كل فلسطين، تاريخ مجيد حفظته ووعته الأجيال المتلاحقة وحافظت غزة على اسمها العربي حتى تاريخنا الحاضر، لتؤكد عروبتها رغم الاحتلالات التي مرت بالمدينة.
الجيش البريطاني
وعندما احتل الجيش البريطاني فلسطين في عام 1920 بدأت مرحلة أخرى وبنمط احتلالي لكنه من نوع آخر فقد فرض البريطانيون قوانين الطوارئ على أهالي المدن الفلسطينية، ومن بينهم أهالي مدينة غزة وتعتبر تلك القوانين أكثر عنصرية في التاريخ المعاصر.
وعلى الرغم من الانسحاب الإسرائيلي وتفكيك المستوطنات الصهيونية من قطاع غزة في عام 2005 بعد احتلال مديد ، إلا أن الجيش الإسرائيلي جعل منه سجنا كبيرا لأكثر من مليونين ومائتي الف فلسطيني باتوا عرضة لعملية تقتيل واغتيال وتدمير مبرمجة بين فترة وأخرى .
وبعد نجاح عملية “طوفان الأقصى ” وانهيار فكرة ومصطلح الجيش الإسرائيلي الذي لايقهر ، تحاول إسرائيل إخضاع أهل غزة او تهجيرهم ، لكن الثابت أنه على عتبات غزة ستتحطم أحلام حكام إسرائيل وتبقى غزة العزة شامخة ونبراس النصر القادم لفلسطين الوطن والشعب والهوية ، وذلك على الرغم من دعم إدارة بايدن ودول غربية وازنة الرواية الإسرائيلية وتوجهات حكومة نتنياهو الإجرامية لجهة تهجير أهالي غزة ؛ ولهذا بات لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بلغات متعددة أهمية فائقة ودور محوري للفلسطينيين على امتداد فلسطين التاريخية والمهاجر القريبة والبعيدة لإيصال رسائل الحق الفلسطيني جنباً الى جنب مع إظهار المجازر الإسرائيلية وعمليات التقتيل اليومية للأطفال والشيوخ والنساء وتدمير المنازل على رؤوس ساكينها ،التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي على مدار الساعة في قطاع غزة ومدن وقرى الضفة الغربية بما فيها القدس.
عن القدس العربي