طنطور فرعون
يقال أن باحثاً إسرائيلياً يدعى نحمان أبيجاد نال في العام 2001 درجة الدكتوارة عن بحث أثري لموقع على الطريق بين سلوان والمسجد الأقصى. وقد أطلق عليه نصب “يد أبشالوم”* وتوصل أبيجاد هذا في أطروحته إلى أن هذا الموقع / النصب، هو واحد من عشرين موقعاً أثرياً مقدساً عند اليهود.
وفي تموز 2003 أعلن الباحث الإسرائيلي جدعون بروستر عثوره على معطيات مادية تؤكد أن نصب “يد أبيشالوم “، هو موقع مسيحي يعود للقرن الرابع م. كما عثر على كتابة يونانية عليه تمّ محوها؛ لكنه تمكن من قراءتها كما يلي: “هذا هو ضريح القديس زخريا الكاهن، المؤمن، والد يوحنان”. ويعتقد أن يوحنان المذكور هو يوحنا المعمدان.
ويطلق الفلسطينيون على الموقع اسم “طنطور فرعون” ويقع في الطريق الواصل بين بلدة سلوان والمسجد الأقصى. وحسب الباحث في تاريخ القدس روبين أبو شمسية فإن الكثير من الدراسات الأثرية أجريت على القبور الواقعة في منطقة “طنطور فرعون”، واتفق معظم العلماء أنها تعود للحقبة اليونانية في القرن الثاني ق.م. وسميت المنطقة بهذا الاسم لأن بناء القبور فيها يشبه أسلوب البناء الفرعوني الذي يأخذ الشكل الهرمي المنتشر في منطقة واد الملوك جنوب القاهرة في مصر. ويضيف أبو شمسية عن وجود قبر جماعي لم يتم بعد تحديد هوية من بداخله، لكنه بني على النمط اليوناني، وتوجد قبور أخرى تشبهه في كل من طبريا وبيسان وجبل الزيتون، بالإضافة إلى قبرين يطلق على أحدهما قبر زكريا والآخر قبر بنت فرعون وهو الأقدم إذ يعود للفترة الآشورية. وقبور طنطور فرعون عددها ستة حفرت واجهاتها بالصخر ولكن جثامين الموتى وضعت في الجهة الخلفية.
وعن تفاصيل بناء القبور يقول أبو شمسية إن الأعمدة الصخرية البارزة التي تظهر على ارتفاع ستة أمتار حُفرت بالصخر ولم تُجلب جاهزة، ويرتفع البناء أكثر بإطار القلنسوة المزخرف، ثم أُكتمل على شكل زهرة القرنفل المفتوحة إلى الأعلى، كناية عن صعود الروح من هذه البقعة إلى السماء كما شاع الاعتقاد قديما. ويضيف أبو شمسية: “بينما يظل طنطور فرعون محيرًا لكثير من الباحثين من حيث الآمر ببنائه ولمن، إلا أنه يبقى واحدًا من أهم مباني القبور التي تشهد على عظمة ومهارة الفن المعماري في ذلك الوقت”.
وكان عالم آثار أمريكي من جامعة فلوريدا يدعى جيمس سترينغ متخصص في الفترة البيزنطية قد أعلن العثور على نقش في الموقع يؤكد أن طنطور فرعون ليس له علاقة بأبشالوم، وإنما بزكريا، والد يوحنا المعمدان وربما أيضا بيعقوب ( شقيق يسوع المسيح)، ويؤكد سترينغ أن التقليد الكتابي يشير إلى وفاة أبشالوم قبل نحو ألف عام من بناء هذا الضريح، ولكن النقش الذي اكتشف يدل على علاقته بالنبي زكريا. ويشير الباحث الأنثروبولجي جو زياس أن الكتابة اليونانية على الضريح تكاد تكون محيت، بفعل عوامل الزمن، وبسبب رشق القبر بالحجارة من الغاضبين على ابشالوم، لذا لم يستطع الناس قراءتها. واستغرق الأمر منه شهوراً حتى تأكد من كلمات النقش واعتمد بذلك على صورة غير ملونة للمكان التقطت قبل أكثر من ثلاثين عاما، لمدخل القبر استطاع تمييز احد الحروف عليها. واستعان زياس، بخبير الكتابة القديمة الأب اميل بيش، حيث حدد الاثنان أن النقش يعود إلى القرن الرابع الميلادي والكتابة عليه هي ذات أثر جنائزي لزكريا الشهيد الورع أبي يوحنا. ويركد العيَسة أن الضريح بني ” بعد عشر سنوات من تبني الإمبراطورية الرومانية للديانة المسيحية، ومعظم الأبنية الكنسية في الأراضي المقدسة تمت في تلك الفترة.” وفي العام 2005 أعلنت إيليت مزور الباحثة الآثارية من الجامعة العبرية بالقدس أن الحفريات السرية التي شاركت فيها في المكان، كشفت عن ما وصفته بأنه مبنى كبير قد يكون القصر الذي أهداه حيرام ملك صور إلى الملك داود وذلك تقديراً لمحاربته أعدائهما المشتركين، وقد يكون قصراً من الفترة اليبوسية التي سبقت فترة الملوك في القدس. وأضافت أنها عثرت على أدوات خزفية وختم يحمل اسم شخصية مذكورة في سفر التكوين. رفض الفلسطينيون تأويلات مزار هذه و اعتبروها ذات أبعاد وغايات سياسية تشجع على الاستيطان.
مصدر الصورة: المركز الفلسطيني للإعلام
……
*ظهرت هذه التسمية أول مرة في سفر صموئيل الثاني الإصحاح 18: ( 18 وكان أبشالوم قد أخذ وأقام لنفسه وهو حي النصب الذي في وادي الملك لانه قال ليس لي ابن لأجل تذكير اسمي. ودعا النصب باسمه وهو يدعى يد أبشالوم الى هذا اليوم ).وأبشالوم هو ابن داود، وتذكر نصوص العهد القديم أنه ثار على أبيه وانتهى الأمر به مقتولاً، ويضع الباحثون الكتابيون قصة أبشالوم في حدود القرن العاشر ق.م . وحاول الآثاريون الإسرائيليون منذ سبعينيات القرن الماضي الترويج لفكرة أن أحد قبور طنطور فرعون تعود إلى أبشالوم هذا، فقامت سلطات الاحتلال بإغلاق الشارع نهائياً مما جعل التواصل غير ممكناً بين حي رأس العامود ووظاي حلوة بسلوان وتحول المكان إلى مكان سباحي روجت له سلطات الآثار الإسرلئيلية ووزارة السياحة وتمت إنارته وتبليط الشارع ومُنعت المركبات من دخول. غير أن لم يستمر هكذا، إذ ظهرت بعض الأصواتةفي الوسط الأكاديمي الإسرائيلي ترى، بل، تؤكد أن القبر لايعود لأبشالوم ، لذلك أهملت بلدية القدس الإسرائيلية هذه القبور فلا توجد عليها حراسة ولا ينالها نصيب من الترميم.
يذكر أن موقع طنطور فرعون يقع بين تل الظهور الموجود جنوب المسجد الأقصى والسفح الشرقي لتلة راس العامود في وادي قـدرون (وادي جهنم أو وادي ستنا مريم أو وادي يهوشفاط) الذي يفصل القدس عن جبل الزيتون المطل عليها، بقصص توراتية وإنجيلية عديدة، ولهذا السبب واكتسب وادي قدرون شهرة واسعة في الغرب لارتباطه بالعديد من القصص التوراتية و الإنجيلية، وكلمة قدرون تعني العميق، في إشارة إلى المياه الكثيفة التي