طرد النُخب الفلسطينية عن المركز


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

الوهن الفلسطيني الراهن، الذي أتمناه مؤقّتا، ناجم من جملة أسباب. ومن أهمّها طرد النُخب المُبدعة والألمعية عن “المركز الفلسطيني” واستبدالها بجيل جديد من التكنوقراطيين الذين ربّتهم المنظومة واعتنى بهم “الجهاز”. ذهب الذين كانوا روح الجماعة ومؤسّسي خطابها ومفرداتها ولغتها الثورية المقاومة وجاء المأمورين من المتوسّطين عديمي الخيال والرؤيا ليتسلّموا المفاتيح والمفاصل. أراجع في ذاكرتي الأسماء التي كنت أتعامل معها طيلة الثمانينيات وأوائل التسعينيات من خلال صحيفة “الاتحاد” وبين الأسماء التي تُمسك بالأمر الفلسطيني اليوم فأدرك أن طبقة كاملة من النُخبة الفلسطينية تم استبعادها ونفيها عن المركز. أتى ذلك في إطار سيرورة عمّقها الرئيس أبو مازن كجزء من تثبيت سلطته التي تعاني من انحسارٍ بيّنٍ في شرعيتها.

يكفي أن نذكر أن الشاعر الراحل الكبير محمود درويش كان يكتب خطابات أبو عمار أمام هيئة الأمم المتحدة ومحافل دولية، وأن المعلّم إميل حبيبي هو الذي كان يهمس على أذنه لنستدلّ على عمق الأزمة الروحية المعنويّة لفلسطين في الراهن. ويكفي أن نستمع إلى خطابات أبو مازن لنكتشف أننا حيال محنة حقيقة تتمثّل في نفي النُخب الألمعيّة عن المركز الفلسطيني. في السابق، تورّط أبو عمار في خلافات مع المثقفين الفلسطينيين الذي قادوا فلسطين على الجبهة الثقافية العالمية، لكن كان حوله ما يكفي من مثقفين يشكّلون أطواق دعم للقضية واللغة الفلسطينية ومفرداتها. أما اليوم فتعاني فلسطين على هذه الجبهة من خواء لافت ومن ضمور للمعنويّ والأخلاقيّ ومن تشتيت للنُخب في كل أصقاع الأرض.

صحيح أن هذا النزف يتزامن مع حالات نزف أخرى في السياسيّ والتنظيمي والرؤيويّ الفلسطينيّ لكنه يبقى النزف اللافت لا سيّما أنه يعني فيما يعنيه بقاء فلسطين بغير الناطقين المهرة باسمها الذين إذا قالوا أصابوا واضطروا السامعين إلى الإصغاء. ومع تشتيتهم ظهر الناطقون المتلعثمون والهُواة أو الموظفون المأمورون بأمر سُلطة لا تستطيع حمل اسمها.

لم يحصل هذا في فضاءات منظمة التحرير و”السلطة” فحسب، بل حصل في مجتمع فلسطين الداخل حيث تخلّت الأحزاب عن النُخب المُبدعة والخلّاقة التي تحمل روح الجماعة وجوهرها، الأمر الذي أدّى إلى ظهور خطاب الحقوق وأفول خطاب الهوية والتاريخ والسردية.

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

مؤلف: مرزوق الحلبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *