ضربتان على الرأس بوجعوا ..  التغيير يجب ان يكون أكبر من استقالة سكرتير الجبهة


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

يوجه د. ثابت ابو راس في مقاله الناقد للوضع السياسي الذي وصلناه في الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة، الى جملة من العوامل والاسباب العامة والشخصية، ويركز في سياق العوامل “الشخصية” على مسؤولية سكرتير الجبهة الدكتور منصور دهامشة، متجنبا الاشارة المطلوبة الى مسؤولية الكثيرين غيره.

لا اعتقد بانه من الممكن التقليل من مسؤولية د. دهامشة ودوره بصفته سكرتير الجبهة، وواضح انه لا يستطيع الاستمرار في تبوأ منصبه إذا ارادت الجبهة والمشتركة من خلفها التعافي مما نزل بها، لكن من الانصاف برأيي الاشارة في سياق الاسباب الشخصية، الى أبعد واشمل كثيرا من مسؤولية دهامشة.

خلافات داخلية

اساسا تم اختيار د. دهامشة لمنصب سكرتير الجبهة لأسباب تنظيمية تتعلق بخلافات داخلية والحاجة الى “المحافظة” على الموجود. والتزم بذلك، وهو لا يدعي بانه “قائد” ولا مجدد، ولم يعرض مواقف ورؤية خاصة به، وما سمعته منه، كان قريبا من نص تمجيد الماضي “التليد” للحزب الشيوعي وللجبهة وبمواقفهم في الماضي، وهي تجربة اصبحت جزءا من تراث شعبنا، سلبا وايجابا، وتعدت الجبهة ودورها، وطبعا لن تسمع مثلا رئيسة حزب العمل ميراف ميخائيلي تتغنى ببنغوريون وتجربته او دور مباي وحزب العمل، لأنها تقدم رؤية مستقبلية خاصة بها لمجتمعها ولدولتها وتطالب بالالتفاف حول طريقها، لا طريق اجدادها السياسيين، وهذا صحيح لقيادات ميرتس، التي لا تذكر شولميت الوني ولا يوسي سريد ودورهم، الخ…. فان التغني بما حصل قبل عقود والاكتفاء بذلك، وهي مسألة تخص الكثيرين من نشطاء الاحزاب عموما والجبهة خصوصا، ولا تستطيع تجاوز حقيقة ان عدم وجود رؤيا وخطة عمل مستقبلية لأي شعب، هي اختفاء المضمون والمعنى للعمل السياسي.

من ناحية ثانية، في دوره في التنظيم والعمل الحزبي، لا توجد دلالات على اي دور جدي، فان نتائج الانتخابات وسيرورة يوم التصويت تثبت بما لا يقبل اي شك، بان سكرتير الجبهة، وباقي الاحزاب المكونة للمشتركة، لا تملك رصيد جدي تنظيمي حقيقي في الحقل. بما في ذلك الحركة الاسلامية الجنوبية والجبهة، اللتان تختلفان عن باقي الاحزاب، الا انهما لا تملكان قوة تنظيمية، تقترب من الاحزاب الدينية اليهودية مثلا.

نسبة التصويت الحقيقية لم تتعد 30%”

فواضح ان نسبة التصويت الحقيقية لدى العرب لم تتعدى 30 بالمائة، وان فزعات المساء وبعض الاضافات بعد اغلاق الصناديق هي التي ترفع نسبة التصويت قليلا، وان الاحزاب السياسية، سوى في معاقل محدودة، لا تقوم باي دور في تنظيم الناس، حتى في قضايا تهم مستقبلها هي، وأعني تنظيم وصول الناس للصناديق في يوم الانتخابات. وهذا بالتأكيد اخفاق كبير للأحزاب عموما ولسكرتيري الاحزاب تحديدا، وطبعا دهامشة اولهم.

لكن الاكتفاء بمطالبة دهامشة باستخلاص العبر، اي الاستقالة، ففيه الكثير من التساهل مع ما اصابنا، ومع الكثيرين غير دهامشة ممن يتحملون قسطا أكبر من المسؤولية.

والاخفاق لا يتعلق فقط بنتائج الانتخابات، بل بالكثير الكثير مما يتعداها. لا اريد العودة الى عقود من الاخفاق، لكن اذا فكرنا لبرهة في تجربتنا خلال العقد الاخير نجد ان مجتمعنا تطور كثيرا، وبالتأكيد هو اقوى مجتمع عربي – نسبيا لعدده -في العالم، من حيث انجازات علمية واقتصادية ومادية وثقافية هائلة، ومن الجهة الاخرى فإننا نعاني من اخفاقات وطنية، جماعية وقيادية رهيبة ومفزعة.

اخفاقات متراكمة

وحتى لا يتسابق البعض لإفهامنا بان العوامل “أكبر” بكثير من مسؤوليات شخصية، فإنني اوضح بأنني لا اتجاهل ابدا سياقات سياسية وبنيوية ساهمت في اخفاقاتنا هذه. منها على سبيل المثال: صعود اليمين الاسرائيلي وتمترسه في الحكم، انهيار الحركة الوطنية الفلسطينية واخفاقاتها وتشتتها، تعثر الربيع العربي وتراكم الانهيارات في العالم العربي، تعمق النيوليبرالية والتفتيش عن النجاحات الشخصية، الخ… لكن هذا لا يلغي اي من الاخفاقات التي تراكمت وتعمقت بسبب اخفاقات لدينا، بالأساس على مستوى القيادات. منها، على سبيل المثال لا الحصر: انهيار العمل الجماعي والتكافل بين قطاعات مختلفة، انعدام مشروع وطني جماعي، قصور جوهري في صياغة طريق ورؤية لمجابهة اي من التحديات الرئيسية في السياق الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والتعليمي، وخصوصا في قضية العنف، التي صيغت خطة لمجابهتها، لكنها تحولت الى ملف على الرف بدل العمل على اخذ المسؤولية وتنفيذها، تآكل دور لجنة المتابعة وتحولها الى هيئة مناكفات وبدون علاقة جدية ومباشرة مع الجمهور، انعدام اي تنظيم مجتمعي جدي، خصوصا بعد حظر الحركة الاسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح.

تحول عميق

على رأس الاخفاقات هو تحولنا العميق والجدي من مجموعة قومية لها هويتها وعزتها وتريد ان تحمل همها بنفسها ولنفسها، وربما تتطلع للمساهمة في اصلاح ودعم الوضع الفلسطيني العام من حيث التحديات الخارجية وعلى راسها الاحتلال، والداخلية واولها الانقسام، او حتى تتطلع الى قيادة مشروع تغيير في اسرائيل نحو دولة المواطنين ومشروع ثنائية القومية هنا في الداخل، تحولنا سريعا الى مجموعة ملحقة باليسار الاسرائيلي، ومؤخرا اليمين الاسرائيلي، وتتسول الحلول لدى نتنياهو وحكومة اليمين، وغير مستعدة ان تأخذ زمام المبادرة في حل اشكالاتها، من غير التنازل بالتأكيد عن حقوق المواطنة، التي يجب ان تطالب اسرائيل بها حتى لو كانت حقوق مادية فقط.

هنا اسوق جملة من مظاهر الاخفاق المعروفة للجميع، لكن كل الاحزاب وقياداتها عينيا لم تعمل شيء لإصلاحها، بل ساهمت جديا في تردّيها وتحولها الى امراض مزمنة تتطلب عملية جراحية، تتضمن معالجة عميقة وشخصية لجملة من الشخصيات التي قادت او ساهمت بفعالية، او من خلال السكوت في وصولنا الى هنا.

اولا، خلال عقود انهارت امامنا وبشكل جلي مؤسسات وطنية وازنة مثل لجنة الدفاع عن الاراضي، اتحاد الطلاب الجامعيين العرب، لجنة القضايا الاجتماعية، الخ… وتراجع اداء المتابعة بشكل حولها كما يقول أحد قادتها الحاليين، الى يافطة في حي الورود بالناصرة. طبعا قد يكون الامر أفضل قليلا من يافطة ولا زالت تبادر الى نقاشات ومواقف وعمليات احتجاج محدودة، لكن وضع المتابعة مهلهل ومشوش الى حد كبير ولا توجد اي رؤية جدية لإصلاحها واعادتها الى طريق قيادة شعبنا جديا، وليس من خلال خطابات ومقابلات اعلامية. ونحن، كلنا وفي كل الاطر الفاعلة، نعرف على من تقع مسؤولية هذا التردي، داخل المتابعة وفي الاحزاب وقياداتها التي ترفض دعم المتابعة ماديا ومعنويا، وحتى يعادي بعضها المتابعة بحجة وجود فلان او علان في قيادة المتابعة.

ثانيا، خلال سنوات تبوأ محمود عباس لرئاسة السلطة الوطنية ورئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، تحولت قيادات ونخب لدينا، ومن خلال عمل منهجي للسلطة، الى “خاتم بيد” قيادة السلطة الوطنية، التي لا شك بانها من اسوأ وأفشل قيادات لأية حركة تحرر وطني في العالم. فقيادات السلطة ومن خلال اغداق بعض الاف الدولات على بعض النشطاء والقيادات لدينا، وتوظيف “باحثين” في مؤسسات تابعة لها، ودعم محطة تلفزيون وراديو في الداخل، و”برطلة” مثقفين ونشطاء، باختصار عملت على افساد مجتمعنا وتحويل بعض قياداتنا ونخبنا الى مجرد تابعين لها ولأجندتها وطريقها، الذي اثبت فشلها بدون اي شك. هذه الأمور معروفة لكل المهتمين بالشأن العام لدينا، ومعروف عينيا من حصل ويحصل على هذه العطاءات الكريمة، واستمرار سكوت الاحزاب والنخب والقيادات عن ذلك تضع المسؤولية عليهم تحديدا.

ثالثا، كل النشطاء واعضاء قيادات الاحزاب يعرفون تحديدا عن اموال وصلت خلال السنوات الاخيرة الى جمعيات عربية وحتى الى احزاب عربية خلال الحملة الانتخابية الاخيرة، واتت من ممولين يهود وغير يهود وتحت مسميات مختلفة متعلقة بالمشاركة الانتخابية والتصويت، لكنها تخفي في جزء منها اجندة تتعلق “برشوة مجتمعنا وشراء ولاءه”. والحديث يدور عن عدة ملايين من الدولارات بعضها تم توزيعه في شيكات على “مثقفين” و”صحفيين” ونشطاء من اجل ان يدعموا فكرة التصويت. يجب ان انوه هنا ان جزءا مهما من هذه الاموال اتت من ممولين يهود امريكيين خسروا عطاءات تجارية بعد صعود نتنياهو للحكم وارادوا بدعمهم للعرب الانتقام منه، وللأمر لا توجد علاقة لا بيسار ولا بيمين ولا “بتعظيم” قوة العرب، وهي امور معروفة. ولا يمكن تفسير سكوت الكثيرين عما يجري في هذا السياق سوى لأنهم شخصيا، او تابعيهم ومساعديهم استفادوا من هذه الاموال وساهموا في تحويلنا الى “اذناب” لليسار الاسرائيلي.

رابعا، تحديدا في سياق الانتخابات، كيف سكتت القيادات والاحزاب وغالبية المثقفين والكتاب عن انعدام برنامج عمل للقائمة المشتركة، مما ساهم جديا في تردي حالتها الداخلية والخارجية؟ لماذا سكتت قيادة العرب المتمثلة في لجنة المتابعة وغيرها عن خطة نتنياهو المسماة “خطة 922” وتسويق رئيس المشتركة لها، رغم انها تخصص للعرب اذا نفذت بالكامل حوالي 1.3 بالمائة من ميزانية اسرائيل؟ كيف سكتت نفس القيادات عن اتصالات باسمنا لدعم نتنياهو وحكومته من قبل ممثلي التيار الاسلامي عندما كانوا شركاء في المشتركة؟ هل ممكن تفسير “اختفاء” بعض القيادات في الحملة الانتخابية، سوى انها بعد ان ضمنت كراسيها وكراسي مقربيها، جلست تنتظر ان تجني مرة اخرى ثمار عمل الاخرين؟ كيف يمكن ان نفهم السكوت والتغاضي عن قضايا مركزية وبعضها جلي وواضح؟ هل الحصول على معاش “المتفرغ” اهم من شعبنا ومصالحه؟ هل ممكن تفسير جزء مهم من سكوت “المثقفين” والكتاب سوى ان الكثيرين من قياداتنا ونخبنا تفضّل فتات المائدة و”مسح الجوخ” وما الى آخره عن الخوض مباشرة في قضايا شعبنا ومصالحه؟ …

 اخفاق انتخابي

كل ما ورد اعلاه معروف لكل من ينشط في المجال العام، وهنالك عشرات الامور الاخرى التي من الممكن سردها لتفسير وضعنا، وبالتأكيد فان الشركاء المباشرين، وغير المباشرين، في ذلك معروفون ويمكن بسهولة الاشارة إليهم عينيا، والسكوت عنهم هو استمرار لنهج اوصلنا الى هنا، بغض النظر وفيما يتعدى الاخفاق الانتخابي، وتحول جزء كبير من قياداتنا الى داعمي اليمين الاسرائيلي، ولو جزئيا، وهو من أخطر قوى اليمين في العالم. وليس لدي أدنى شك بان قيادة الموحدة ود. منصور عباس سيستوعبون قريبا الى ان “بيضة القبان” هي ليست فقط ظهور اعلامي وعائدات مادية، بما في ذلك في مسائل الارض والبناء، إذا صدق اصلا نتنياهو او غيره، بل هي كذلك مسؤولية عما ستفعله الحكومة وأذرعها، من قوانين واجراءات عنصرية وهدم وملاحقة وقتل ومنع المصلين الوصول الى الاقصى وغيرها الكثير هنا في الداخل وفي القدس وغزة والضفة… وفي حال دعم الموحدة لمثل هذا الائتلاف فانه عليها، وعليها اولا، ستقع تبعات هذه الاجراءات والخطوات، عندها، او قبل ذلك، يجب ان يتحمل المسؤولية من يقود الى هذا المسار الخطير.

واخيرا، حتما لا يمكننا الاتكال على قيادات الاحزاب فقط، ولا مثقفي الاحزاب ومتلقي فتات المائدة من جمعيات الانتخابات لوحدهم، لتقييم المرحلة والاخفاق، ولا يملك اي واحد منا صفة سحرية، ولا كاتب هذه السطور. لكن بداية التقييم تبدأ بتحمل مسؤولية الاخفاق وتنحي جملة من قيادات الاحزاب والهيئات الوطنية، وفتح المجال لجيل جديد يستطيع ان يفكر جديا في الاخفاقات، من جوانبه الفكرية والتنظيمية، وقيادة التفكير فيما يجب عمله… عدا ذلك سنبقى في نفس الدائرة، ولن نبني اية فرصة جدية للخروج نحو مستقبل يحترم كوننا اهل البلد الاصليين، وليس متسولين على ابواب اليسار واليمين في اسرائيل.

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *