صدور كتاب :”حوارات في مسألة الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين”
حوارات في مسألة الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين
محمد الحلّاج (حوارات)، وجابر سليمان (تقديم وتحرير)
بيروت ورام الله: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2024. 177 صفحة.
لماذا يتم إنجاز كتاب يتناول حوارات عن “الدولة الديمقراطية الواحدة” سُجّلت مقابلاته في سنة 1982 قبل الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، ويصدر في مرحلة باتت فكرة الدولة الفلسطينية، أي دولة، بعيدة عن الواقع، وفي ظل الإبادة الجسدية للفلسطينيين في غزة، وإبادتهم الجغرافية في الضفة، والإبادة السياسية للقضية الفلسطينية عامة؟
يتصدى للإجابة عن مثل هذا السؤال كميل منصور في توطئة الكتاب، معتبراً أن هدف نشر المخطوطة هو “تسليط الضوء على حقبة مهمة من تاريخ الفكر السياسي الفلسطيني، التي ظهرت فيها فكرة الدولة الديمقراطية في فلسطين” (ص XIV). وكذلك جابر سليمان في مقدمة الكتاب، إذ يُؤشر محتوى الكتاب إلى “السياق التاريخي لتطور الفكر السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية” (ص 1 – 2).
الكتاب عبارة عن 19 مقابلة هي بمثابة فصول الكتاب، أجراها الراحل محمد الحلّاج بين آذار / مارس ونيسان / أبريل 1982، مع قيادات في منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية وشخصيات أُخرى صحافية وأكاديمية منخرطة في الحركة الوطنية الفلسطينية، وبقيت في أرشيفه إلى أن عرضها مؤخراً نجله إبراهيم على “مؤسسة الدراسات الفلسطينية” التي أقرّت نشرها (ص XIV).
تشرح المقدمة (ص 1 – 29) آلية التعامل مع المقابلات تحريرياً، لتوحيد نسق النصوص بما يخدم موضوع الكتاب: “الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين”، وتضع لها 5 عناوين جامعة (ستعتمدها هذه المراجعة كمنهج لها)، فضلاً على ربطها بمجريات التطورات القائمة حالياً.
عن “بدايات ظهور فكرة ‘حل’ الدولة الديمقراطية، وماهية الحل ومسوغاته” (ص 4)، يشير محمد أبو ميزر (أبو حاتم) إلى أن فكرة الدولة الديمقراطية الواحدة بدأت تُطرح “عندما بدأت الثورة تأخذ أبعادها العالمية” (ص 97)، لافتاً إلى أنه باشر في إجراء لقاءات مع شخصيات يسارية فرنسية في باريس حين كان في سنة 1968 ممثلاً لحركة “فتح” فيها، وأنه بمساعدة رموز من الثورة الجزائرية ومناضلين عرب، صدر بيان كان بمثابة البرنامج السياسي للحركة (ص 100)، وكانت الدولة الديمقراطية من ضمن ما نصّ عليه البيان.
لكن المحامي صلاح الدبّاغ يشير إلى أن عبد الوهاب الكيالي هو “أول مَن طرح موضوع الدولة الديمقراطية في مجلة Free Palestine، التي كانت تصدر في لندن”، معتبراً أن “حل الدولة الديمقراطية في فلسطين [….] هو أيضاً الحل العملي الوحيد” (ص 89).
ويؤكد بلال الحسن أسبقية “فتح” في طرح هذه الفكرة أولاً من خلال عبد الوهاب الكيالي، ثم طَرَحه وفد “فتح رسمياً “في [اجتماع تحضيري لـ] مؤتمر عدم الانحياز في بلغراد” (ص 89)، وثالثاً طرحته الجبهة الديمقراطية في ورقة قدمتها خلال “الدورة السادسة للمجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة في أيلول / سبتمبر 1969″، ويكون لليهود في الدولة الديمقراطية “حقوقاً مماثلة”، أمّا النقاش في هذه المسألة خلال دورة المجلس الوطني “فهو غير مكتوب” (ص 91).
وينفي صخر حبش أن تكون “فتح” قد تبنّت الفكرة رسمياً، وإنما صدرت في “كرّاس نبيل شعث ‘نحو دولة ديمقراطية’ “، و”كان بمبادرة شخصية منه” (ص 58). ويوافق منير شفيق على ذلك مشيراً إلى أن الفكرة نوقشت “في أوساط حركة ‘فتح’ لعدة سنوات قبل طرحها علينا. وقد عبّر كرّاس نبيل شعث عن خلاصة هذا النقاش” (ص 31).
وبشأن العلاقة بين فكرة الدولة الديمقراطية والميثاق الوطني، فإن “هناك شبه توافق [….] على نفي أي تناقض بين نصوص الميثاق الوطني وحل الدولة الديمقراطية” (ص 7)، وهو ما يؤكده داود تلحمي الذي لا يرى “تناقضاً بينه [الميثاق] وبين الدولة الديمقراطية” (ص 52).
ويرى يوسف صايغ أن “الميثاق [….] لا يحدد كل شيء”، وأن “هناك قرارات اتُّخذت بالإجماع، تُعتبر بأهمية الميثاق، بشأن المجتمع الديمقراطي الذي يتعايش فيه الجميع” (ص 114).
وبحسب سمير غوشة، فإنه “لا يوجد أي تناقض [بين الميثاق والدولة الديمقراطية]. التناقض هو بين الميثاق والحركة الصهيونية” (ص 143).
ولا يرى إبراهيم أبو لغد مشكلة في تعديل الميثاق الوطني الذي هو “وثيقة لفترة تاريخية معينة”، بل يشير إلى أنه “بالنسبة إلى الدولة الديمقراطية، فقد تم فعلاً تعديل الميثاق بالقرارات والتفسيرات” (ص 160).
أمّا عن طبيعة الدولة الواحدة، فقد “تباينت الآراء [….] وتفاوتت بين مداخلة وأُخرى” (ص 8)، فـ “بعض التنظيمات [الفلسطينية] رأى في شعار الدولة الديمقراطية انحرافاً عن الالتزام بعروبة فلسطين”، وهذا وفقاً لمنير شفيق الذي يشير أيضاً إلى خلاف بشأن المسألة بين دولة عربية وأُخرى، فضلاً عن “خلافات بشأن المضمون الاجتماعي للدولة الديمقراطية” (ص 8).
ويرى جميل هلال ضرورة “التوفيق بين الحقوق القومية للطرفين [الفلسطيني واليهودي]، ضمن إطار الدولة الواحدة في ظل نظام ديمقراطي” (ص 41).
ويشدد بسام أبو شريف على أن يكون للدولة الديمقراطية “مضمون اشتراكي وتخطيط مركزي لمصلحة الأغلبية الجماهيرية [….] ولن يكون هناك مكان للبرجوازية الصهيونية أو البرجوازية العربية الشوفينية” (ص 48).
ويرى صخر حبش أن “فلسطين الديمقراطية حل” لـ “اليهود الذين جاؤوا إلى فلسطين” لحلّ “مشكلة يهودية كانوا يعانون منها”، مستبعداً “اليهود الصهاينة [….] الذين ترتبط مصالحهم بالإمبريالية” (ص 60).
ويشدد داود تلحمي على أن الدولة الديمقراطية هي “حل ثوري (لا قومي شوفيني)، أي ليس من منطلق طرد اليهود [….] أو التعامل معهم كأقلية أو طائفة دينية فقط” (ص 49 – 50).
ويطالب يوسف صايغ بدولة لجميع مكوناتها وهذا “لا يتناقض مع علاقة فلسطين بالوطن العربي”، رافضاً “العروبة” التي “تعني الانغلاق والتخلي عن منجزات حضارية”، وغير ممانع للتعامل مع اليهود كمجموعة قومية “مع شيء من التمايز الثقافي لبيئتهم” (ص 115 – 116).
ويتطلع إلياس شوفاني إلى “مجتمع اشتراكي”، ولا يرى “أهمية للتمايز الديني”، مع الاعتراف بـ “أن ليهود فلسطين خصوصية، كأقلية لغوية دينية” (ص 133 – 134).
ويدعو إبراهيم أبو لغد إلى “تجريد الدولة من أي شخصية يمكن أن تؤدي إلى تمييز فريق دون آخر، وأن تقبل بوجود حقيقي للمواطن اليهودي كما تقبله لنفسك” (ص 156).
ويعتبر كميل منصور أن “الحل الديمقراطي [….] هو الحل الصحيح، بحيث يشارك سكان البلد من عرب ويهود في القرار السياسي من دون تمييز في الدين أو العرق أو الجنس” (ص 175).
لكن هل الدولة الديمقراطية مجرد شعار أم مشروع حل؟ (ص 11). وفي هذا السياق يرى منير شفيق أن “سبب إهمال الشعار [الدولة الديمقراطية] هو رفع شعار السلطة الوطنية (1974)” كـ “استجابة للعلاقات الدولية المتنامية لمنظمة التحرير” (ص 32).
ويعزو صخر حبش عدم متابعة “مسألة تفعيل شعار الدولة الديمقراطية وتوضيحه” إلى أنه “طُرح في مرحلة انحسار النضال الفلسطيني” (ص 58).
ويشير ياسر عبد ربه إلى أنه “لم يتم تطوير وبلورة الفكرة [الدولة الديمقراطية] بطريقة تمكّن من طرحها على الرأي العام، وظلت شعاراً عاماً غامضاً لم نجعل منه برنامجاً” (ص 63).
ويعتبر فيصل حوراني أن “شعار الدولة الديمقراطية لم يُطرح في البداية كحلّ مبتكر للقضية للفلسطينية، وإنما كبديل مقبول لشعار [….] إزالة إسرائيل” (ص 81).
أما محمد أبو ميزر، فيعتبر أن “الدولة الديمقراطية العلمانية ليست شعاراً، إنما هي برنامج عمل متكامل، والدولة الديمقراطية هي أحد بنود هذا البرنامج” (ص 97).
بين المرحلي والاستراتيجي والدولة والدولتين (ص 14)، آراء تتلاقى أو تختلف وفق التوجهات السياسية والفكرية. وهنا يفضل شفيق الحوت خيار “الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية الواحدة” (ص 36).
ويقدم جميل هلال تصوراً لـ “الانتقال من الحل المرحلي إلى الحل الاستراتيجي” في أنه “بعد قيام الدولة الفلسطينية سيتحول الصراع إلى تصفية الصهيونية”، داعياً إلى “دولة ديمقراطية موحدة يُلغى فيها جميع أشكال التمييز الديني والطائفي والقومي وغيره” (ص 40).
ويرى بسام أبو شريف أن “موازين القوى تفرض حل الدولتين”، أمّا حل الدولة الديمقراطية فيحتاج إلى “تعديل موازين القوى ويتطلب وقتاً أطول”، وبناء عليه فإن الواقعي هو “الحل المرحلي” (ص 46 – 47).
ويعتبر يوسف صايغ أن حل “الدولتين” كحل مرحلي يُعطي مشروعية لإسرائيل (ص 111).
ويؤمن سمير غوشة بأنه “لن تأتي الدولة الديمقراطية دفعة واحدة”، مؤكداً أن “أي عمل مرحلي يجب أن يكون في خدمة العمل الاستراتيجي” (ص 153).
ويجادل إبراهيم أبو لغد بأنه “إذا أُنشئت الدولة الفلسطينية المستقلة عن طريق التحرر الوطني، فهي محطة على الطريق، أمّا إذا أُنشئت [من خلال] اتفاق دولي [….] فهي دولة مشروطة بشروط تمنعها من أن تكون محطة على الطريق” (ص 161).
ويعتبر عبد الجواد صالح أن “الدولة الديمقراطية [….] تُقدم حلولاً” لجميع المشاكل بالنسبة إلى الفلسطينيين واليهود على حد سواء (ص 167).
ويرى كميل منصور أن الخيار هو “دولة ديمقراطية في كل فلسطين”، لكن في سياق “عملية (process)، وليس لحظة معينة” (ص 176).
ختاماً، لا تنبع أهمية الكتاب فقط من فكرة أن العقل الفلسطيني لم يكن يوماً خاملاً، إذ إنه ناقش جميع الخيارات المتاحة بعمق، بغضّ النظر عمّا إذا كانت قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية أخذت بتلك الأفكار أو بعضها أو أهملتها، بل تنبع من أن الخيارات القديمة لا تزال قائمة وإن بأشكال متجددة، وأن الظروف الصعبة التي كانت تعيشها القضية الفلسطينية هي ظروف مستمرة وتزداد تعقيداً.
عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية