قصة الفيلم مستوحاة من أحداث واقعية، وقد حصلت حالات إسقاط عديدة مشابهة لقصة الفيلم، خاصة في السبعينيات والثمانينيات، وربما ما زالت ممارسة معتمدة من قبل المخابرات الإسرائيلية حتى الآن، ولكن بدرجة أقل بكثير، حيث اختلفت التقنيات..

عموماً، استغلال النساء وابتزازهنّ من قبل الأجهزة الأمنية في أعمال التجسس أسلوب قديم، استخدمته أغلب مخابرات العالم، وليس هذا الشكل الوحيد لاستغلالهن، فالنساء عموما هنَّ دائما أول ضحايا الحروب والصراعات..

كما أن النساء ضحايا العنف المجتمعي والأسري، وضحايا العقلية الذكورية، وقيم المجتمع التقليدية التي تحمل تصورا مشوها لمفهوم الشرف.. وهذه النقاط كانت محور الفيلم.

من ناحية فنية قدمت منال عوض، وميساء عبد الهادي وأيضا علي سليمان، أداء فنيا جيدا، أما بقية الممثلين الذين أتوا بأدوار هامشية فكان أداءهم باهتا.

مع أن الفيلم جيد، بصورة عامة، لكنه وقع في بعض الأخطاء، مثلا، في بداية الفيلم كُتبت عبارة: “تم بناء الجدار سنة 2002، وأصبح جنود الاحتلال محجوبين خلفه، وكان سكّان المدينة عرضة للخطر، خصوصاً النساء منهم”، وهي عبارة أثارت الجدل، لأنها توحي بأن الاحتلال اختفى من حياة الفلسطينيين، وهذا غير صحيح طبعا، وثانيا لم يكن الاحتلال يوفر حماية للسكان، ولا للنساء.. وهذه بديهيات لا تحتاج نقاش.

بيد أنّ النساء يتعرضن لظلم مجتمعي، ومخاطر شتى، قبل الاحتلال، وأثناء وجوده، وهي معاناة لها علاقة بعقلية المجتمع وقيمه، بل أن معاناة المرأة الفلسطينية في ظل الاحتلال مضاعفة، لأنها ضحية ممارسات وبطش الاحتلال، وضحية عنف وتخلف المجتمع. وفي الفيلم قالت هدى أنها كانت تختار ضحيتها، التي يكون زوجها سيئا وشريرا، وبالتالي لن تجرؤ على البوح له، وطلب مساعدته.. وليس في هذا أي تعميم، فليس جميع الأزواج الأشرار، وليس كل الأهالي متخلفون وأشرار..

في مشهد آخر يقول المقاوم بأن انضمامه إلى المقاومة كان نوعاً من التكفير عن الذنب، بعد أن وشى بصديقٍ له حين كانا أطفالا، وتسبب باستشهاده.. وهذا إسقاط خاطيء إذا كان يقصد أن كل مناضل مثقل بماضي مؤرق، فليس بالضرورة أن يكون سبب الانتماء للثورة تكفير عن ذنب، أو محاولة غسيل ماضٍ مؤلم.. هذه تحدث في حالات محددة، وهي حالات أيضا مشروعة، لكن الانتماء للثورة والمقاومة مسألة في صميم الإنسانية. تحدث بشكل طبيعي، بل وإبداعي.

ملاحظة أخرى على الفيلم، هي تداخل الأزمنة بشكل مشوش، فاستخدام هدى لكاميرا التصوير الفوري (البولارويد) بنسختها القديمة دلالة على فترة الانتفاضة الأولى، وبالفعل في تلك الفترة حدثت قصص مشابهة، ثم تظهر الهواتف الذكية في أكثر من مشهد، ثم يظهر استخدام “فيسبوك”، ما يعني أن زمن القصة حديث جدا.. فهل تداخل الأزمنة مقصود للدلالة على استمرارية الظاهرة؟ أم كان خطأ غير مقصود؟

ثم يظهر الفيلم صورة همجية للمقاومين حين يحرّقون الشاب الشريك لهدى في جرائمها، ليس لأنه جاسوس وحسب، بل لأنه مغتصب، ومعتدي على شرف النساء، ربما مشهد الحرق يشفي غليل المشاهد، لكنه يذكر بممارسات داعش.. ولكن في المقابل، يبدو زعيم المقاومين بمظهر متحضر وإنساني وهو يحقق مع هدى، ويحاورها بهدوء نسبي.. صحيح أن الحوار ليس عميقا ولا فلسفيا، لكنه حوار بين كوافيرة، وشخص مطارد، أي أناس عاديون، ليس من المتوقع أنهم فلاسفة ومثقفون، وبالتالي من الطبيعي بل من المطلوب أن يكون حوارهم عاديا، وسطحيا..

في هذا الحوار كانت هدى تقدم الذرائع والمبررات لسقوطها في العمالة، ورأيها في المجتمع الذكوري، وظلم وتعسف الرجل.. يعني من وجهة نظرها كشخصية في الفيلم، لكن المقاوم كان يرد عليها بشكل مقنع، ويظهر مدى هشاشة وتهافت حججها.. وعلى المتلقي سماع وجهتي النظر.

من وجهة نظري الفيلم لم يسئ للمقاومة، بل رفع من شأنها، بل إنه شكّل إدانة دامغة لإسرائيل، لأن مخابراتها تعتمد أساليب لا إنسانية وقذرة.. أما فيما يتعلق بالبعد الاجتماعي، فلم يتجاوز الواقع بشيء، بل إن الواقع أشد بؤسا، ولا داعي أن نظل نتعنى بمجتمع الفضيلة، وندعي الطهرانية الزائفة.. فمجتمعنا، مثل أي مجتمع إنساني: فيه الخيّر، وفيه السيء، فيه المناضل، والشريف، والمخلص، واللص، والعاهرة، والقواد، فيه أبطال وشهداء، وأيضا جواسيس وأنذال.. نحن بشر ولسنا ملائكة..

لا شك أن الفيلم أثار جدلا واسعا، خاصة مشهد تعرية الضحية، وبالمناسبة المشهد لم يخدش حيائي، وفي الواقع الضجة حول الفيلم بسبب هذا المشهد.. ومثل هذه الضجة تحدث في أي مجتمع مكبوت جنسيا..

الفيلم يعالج حالة خاصة، ويتناول موضوعا محددا، وليس مطلوبا منه أن يكون شموليا.. صحيح أن المخرج هاني أبو أسعد دأب على تصوير الصراع من زاوية أمنية فقط، هذه وجهة نظره الخاصة، على الآخرين تناول الزوايا الأخرى، سواء من خلال السينما، أم بأي شكل فني آخر..

على أية حال، المطلوب من السينما، والأدب، والفلسفة.. إثارة الجدل، وتحطيم التابوهات، وقول ما هم مسكوت عنه، والخوض في المسائل العويصة والشائكة، وتخطي الحواجز المجتمعية، وطرح الأسئلة الإشكالية، هذا هو دورها، وطبيعتها.. وبدونها لا معنى للسينما، ولا قيمة للأدب، ولا أهمية للفلسفة.. الفن مرآة لواقعنا الحقيقي، وليس شعارات وإنشاء وتجميل لواقع ليس جميلا..

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *