شيء ضروريّ لكسر حلقة العنف
كسر حلقة العنف يحصل عندما يتمّ الإحاطة بالظاهرة في سيرورتها وتفاصيلها وجذورها. يبدأ عندما يتمّ تسميتها بما هي عليه وليس بكلام يزيح الظاهرة عن أسبابها وجذورها ويعلّقها في الهواء كأنها من علوم الغيب ـ كما تميل المجتمعات المستضعفة إلى أن تفعل.
هناك فارق بين عنف يحصل لطالب في مدرسة بأيدي زميل مثلًا، وبين عنف أسريّ وبين عنف وخراب تُحدثه الجريمة المنظّمة فيحصد الناس في وضح النهار كل يوم.
هناك فارق واضح بين عنف الملاعب الرياضية وبين عنف تشارك فيه مرجعيات اجتماعية بالمكشوف وبالخفاء، كالعائلة والسلطة المحلية أو رئيسها حينما يكون متواطئا مع الجريمة،
ينبغي استكمال رؤية الفوارق وتصنيف الجرائم وأشكال العنف كي نعرف منابعها ونحدد المسؤول عنها. كي نعرف أين تنتهي مسؤولية كل جهة من الجهات التي تؤلّف المجتمع. فلا نقول كلاما تعميميًا يُشفي بعض القهر ولا يمنع الجرائم التالية كما في دير الأسد.
غالبًا ما نخلط كل أنواع العنف ببعضها فلا يحدث شيء. لكن من الواضح الآن أن جزءًا كبيرا من العنف المدمّر ينتج على خلفية اقتصادية في مستويين. الأول ـ من حقيقة بسيطة وهي ازدياد الناس والاكتظاظ السكاني وتناقص في الموارد لا سيّما الأرض. الثاني ـ صراع الجريمة المنظّمة على الموارد ومناطق النفوذ وجباية “الخاوة” في دير الأسد ودالية الكرمل.
في الحالتيْن سنجد أن المسؤولية تقع على الدولة وليس على التربية في المدارس ولا في البيت. لأن النقص في الموارد هو من مسؤولية الدولة ومؤسساتها وسياساتها وقراراتها على مرّ عقود. وهو ما يفسّر (جزئيًّا) مستويات العنف المتدنيّة في الأسبق عنها اليوم. لأن الفقر والضائقة في اتساع بينما باب الأمل في انغلاق متواصل. وهو ما يدفع الناس إلى أحضان السوق السوداء التي تُديرها في معظم الحالات جهات مرتبطة بشكل مباشر وغير مباشر بمنظمات الجريمة.
كما أن ازدهار منظمات الجريمة وعملها ونشاطها المعروف للدولة والشرطة من مسؤولية الدولة ومؤسساتها. فمن غير الممكن أن يتسع نشاطها وتدميرها للمجتمع على نحو ما نراه عندنا بدون تواطؤ الدولة ومؤسساتها في كل المستويات.
العنف بصورته في دير الأسد مثلا لم يعد مسألة تربية مدارس ولا تربية في البيت ـ إنها الدولة الحاضرة لتقليص الحيّز وتضييق العيش وهدم البيوت وتسجيل مخالفات بائسة وتافهة والغائبة تمامًا في ضمان الأمن والأمان الشخصي والعام وفي محاربة الجريمة بكل أشكالها.
الجريمة المنظّمة هي المقاول الثانويّ لقهر المجتمع وتفكيكه ـ إنها أداة سياسية لمواجهة عملية بناء المجتمع والنهوض به.
مواجهتها ينبغي أن تكون سياسيّة في الدرجة الأولى.
يُمكننا أن نتعلّم من حراك الفحماويين ونطوّر توجّها قُطريًا لكل العرب الفلسطينيين هنا!