شعب الله ” البحّار”!


قلما يمر يوم ، الا وتقرأ به في الفيس بوك تهنئة لفلسطيني بوصوله سالما غانما الى الأراضي السويدية أو الهولندية أو الالمانية أو الى أي دولة اوروبية .
وأكثر من ذلك بطاقات المباركة لفلان بحصوله على حق الاقامة في السويد او في بلد اوروبي آخر .
والدعاء لفلان المحتجز في اليونان .. ان يفرج الله عليه ويجد طريقا آمنا لبلاد العم ” تشنغن ” ! ومواساة فلان الذي فُرض عليه البصم في بلغاريا وهو في طريقه لهولندا التي لن تقبل به لاجئا على أرضها حسب اتفاقية دبلن .
لا أدري ؛ وأنا اقرأ هذه ” التغريبة ” الفلسطينية الجديدة لماذا تقفز بي الذاكرة الى سنوات اللجوء الفلسطينية الأولى .. يوم كنا نتجمّع حول صندوق الراديو الكبير في مخيمات التشرد لنستمع الى اذاعة اسرائيل التي كانت تبث يوميا رسائل صوتية من بقي من أهلنا هناك الى ذويهم في مخيمات التشرد .
” نحن بخير طمنونا عنكم ” ! كنت وقتها طفلا لا أفهم دموع أمي رحمها الله وهي تسيل على خدّيها ، وأذنها ملتصقة بالمذياع تبحث عن صوت أختها التي بقيت في الناصرة ، وبقية أهلها تشردوا في مخيمات سوريا .
رحلت أمي عن الدنيا .. ولم تسمع صوت أختها يقول لها من راديو اسرائيل : نحن بخير “طموننا عنكم “!
وماتت خالتي أخت أمي في الناصرة رحمها الله بعدها بسنوات طويلة ؛ كنت التقيت بها مرة وحيدة في حياتي في قبرص .. كنت يومها شابا متزوجا ولي ثلاث بنات وسمعت صوتها الذي ماتت أمي وهي تبحث عن سماعه في راديو اسرائيل قبل ثلاثين عاما .
وبين الرسائل الصوتية في الراديو .. ورسائل التهنئة في الفيس بوك يهاجر شعب ” المشحّرين ” من منفى الى منفى ، منهم من يصل سالما ومنهم من يبتلعه البحر .
والعالم يحتفل في أعياد الميلاد في العواصم المزينة ابتلع بحر “ايجة ” ثمانية فلسطينيين أطفال ونساء وشباب من مخيمات سوريا ماتوا وهم يبحثون عن أوطان مفتعلة في أوطان الآخرين .
يموت الفلسطينيون على الشواطئ اليونانية بحثا عن مخيم تركه فرسان أوسلو يقلع شوكه بيده في حريق البلد المضيف .
لم يصلوا سالمين الى تغريبتهم الجديدة ، ولم يكتبوا في الفيس بوك :
نحن بخير” طمننوا ” عنكم .
لأرواحهم السلام .