سوف تتفاجأون: نتنياهو يريد التوصل إلى اتفاق – ولديه سبب وجيه للغاية لذلك
بعد عدة جولات من المفاوضات، التي لم تثمر ولم تؤدي إلى صفقة ، وبعد أن رفضت حماس بشكل قاطع خطة الوساطة الأمريكية، وقبل كل شيء – على ضوء إصرار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على البقاء في محور فيلادلفيا، حتى عندما كل رؤساء الأجهزة الأمنية، المتقاعدين والحاليين، يصرخون بصوت عال أن قضية فيلادلفيا قابلة للحل، وأنه لا يوجد ما يدعو إلى الإصرار عليها – يبدو أنه واضح تماما أن نتنياهو لا يريد صفقة رهائن . هذا على الأقل هو الرأي الرائج في وسائل الإعلام ، وفي الهيئة الأمنية (على الأقل إذا حكمنا من خلال المقابلات والتسريبات) وفي قطاعات كبيرة من الجمهور.
يمكن القول بأن من يقول اليوم بأنه يعتقد أن نتنياهو معني بالتوصل إلى صفقة لإطلاق سراح المخطوفين ووقف القتال في غزة يظن بأن هذا يشكل وصمة عار لسمعته المهنية، على أقل تقدير .
ففي نهاية المطاف ، فإ المعلقون والمحللون والنفسرون كانو مقتنعين وأقنعوا الجمهور بأن رئيس الحكومة يفسد كل صفقة تقع بين يديه. فهو غير مهتم بها، وكل ما يهمه هو مواصلة الحرب التي لا نهاية لها. وبتعبير أدق، حتى الانتخابات، ومن هناك أمامنا سيناريوهان : إما أن يفوز نتنياهو مرة أخرى، أو يخسر – وحينها افعلوا ماتريدون مع الدولة ومع المخطوفين . بالنسبة لي سأخاطر وأقدم رأيا لا يحظى بشعبية، ويمكن أن يراه البعض مجرد هرطقة. وهذا إنطلاقا من أمل أن يؤدي الواقع إلى تعزيزه – وليس دحضه – في المستقبل.
حجتي هي أنه على الرغم من كل ما قيل، هناك أساس للافتراض بأن نتنياهو يريد صفقة الرهائن . وإصراره على وجه التحديد على بند محور فيلادلفيا، وهو البند الذي، وفقًا للمؤسسة الأمنية، ليس حاسمًا ولا أساسيًا إلى الحد الذي تقوم عليه الصفقة أو تفشل – بالذات من هذا السلوك يمكننا أن نعرف أنه يحاول التوصل إلى صفقة . ونقل عن نتنياهو أكثر من مرة انتقاده الشديد لأعضاء فريق التفاوض وقوله لهم : “أنتم لا تعرفون كيف تتفاوضون بجدية مثلي”.
أصر نتنياهو أولا على أن يدرج في الخطة البنود التي تشير إلى محور فيلادلفيا، ومحور نيتسريم ومعبر رفح، وبعد ذلك – عدم التخلي عنها حتى عندما تقول حماس بوضوح أنه بسبب هذه البنود فقط لم يتم التوصل إلى الصفقة. هذا هو بالضبط ما يطلق عليه، على الأقل بالنسبة لنتنياهو، “معرفة كيفية إجراء مفاوضات صعبة” . تقول الفرضية بشكل موسع إن أولئك الذين يميلون إلى التنازل مقدماً أثناء المساومة – لن يتوصلوا أبداً إلى اتفاق مع الطرف الثاني .
وهذا لأنه في المفاوضات، عندما لا تواجه ورعين عظماء، بل مخربين قاسيين، فإن تنازلك لا يقلص الفجوات، بل يطور شهية الطرف الآخر للمطالبة بالمزيد والمزيد من التنازلات.
ووفقاً لهذا المنطق فإن إصرار نتنياهو على تواجد الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا ليس قنبلة أرسلها لنسف الاتصالات، بل ورقة مساومة تعطيها إسرائيل للوسطاء . هناك مناورة في المفاوضات وافترض أن نتنياهو يستخدمها أيضاً وهي: الإصرار على شيء معين، بهدف التنازل عنه في النهاية مقابل اشياء أخرى، الأشياء التي يريد تحقيقها بالفعل.
وفي معظم تصريحات نتنياهو الأخيرة بشأن الصفقة والمفاوضات، يؤكد أن إسرائيل مهتمة بتحديد عدد المخطوفين الأحياء الذين سيعودون إلى ديارهم في المرحلة الأولى ، إلى جانب مطلب إسرائيلي آخر، وهو حق الفيتو على الأقل بشأن بعض المخربين الخطيرين الذين تطالب حماس بالإفراج عنهم مقابل المخطوفين الإسرائيليين . وإذا رأينا في نهاية الأمر النهاية (آمل، آمين) أنه تم قبول هذين المطلبين الإسرائيليين وتم الوفاء بهما – عندها سيتبين بأثر رجعي أن إصرار نتنياهو على بقاء جيش الدفاع الإسرائيلي في محور فيلادلفيا قد أثمر ..
أعتقد أن نتنياهو مهتم بالصفقة. ليس فقط للسبب الواضح، وهو أن هناك حاجة ماسة لإعادة مواطني البلد الذين تم إهمالهم وتم خطفهم من قبل العدو . لدى نتنياهو سبب مهم آخر لرغبته في صفقة الرهائن. وهو ينبع من حقيقة أن الصفقة ووقف الأعمال العدائية في قطاع غزة قد اتخذا معنى أخر منذ فترة طويلة . لقد أصبح هذان الأمران بالنسبة لإسرائيل مهمة استراتيجية إقليمية واسعة، وخطوة ضرورية على الطريق نحو الهدف الكبير .
هدف نتنياهو الاستراتيجي هو التوصل إلى صراع إقليمي، من أجل إزالة التهديد الإيراني. لكن هذا الهدف غير قابل للتطبيق في الوضع الحالي ، حيث الأميركيون ليسوا معنا، وطالما أن الحرب في غزة مستمرة والدول العربية السنية تجلس على الحياد وتنتظر لترى إلى أي مدى يمكن الوثوق بكلمة واشنطن ودعمها . بمعنى آخر: نتنياهو يريد العودة إلى مسار التسوية الإقليمية. وهو المسار الذي اضطرت إسرائيل إلى الانحراف عنه ـ أو على نحو أكثر دقة، وضعه في حالة على أهبة الاستعداد ـ في أعقاب الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
اليوم، طريق العودة إلى التسوية الإقليمية يمر عبر محطة الصفقة ووقف القتال في غزة. نتنياهو مهتم باتخاذ هذه الخطوة الضرورية. إن لم يكن من أجل الصفقة نفسها، فمن المؤكد – من أجل الهدف الاستراتيجي الكبير، الذي سيكون من الممكن العودة إليه ومناقشته مع الأميركيين في تشرين الثاني (نوفمبر)، بعد الانتخابات الرئاسية .
المصدر: معاريف