سعيد الخرومي .. الإنسان
تقاسم الرغيف ونور السراج مع إخوته
من الذهاب للمدرسة 14 كيلومتر على الحمار كل نهار حتى دراسة الفيزياء في الجامعة العبرية.. وحتى فوزه بالمكان الثالث في قائمة الموحدة بفارق ثلاث أصوات مقابل زميله طلب أبو عرار عشية انتخابات الكنيست قبل الأخيرة.
نهاية مفجعة صادمة حزينة لسعيد الخرومي رحمة الله عليه. أعيد هنا نشر نوجز حديث سابق بيننا عن الجوانب الإنسانية الملحمية في حياة وجه من النقب يرمز للبقاء والتطور رغم العواصف
أشغل سعيد الخرومي(47) من النقب نيابة الكنيست لمدة قصيرة جدا حالت دون تعرف الجمهور الواسع عليه بشكل كاف وهو رجل اعزب شخصيته مميزة زينتها الصدق والاخلاق كما اجمع من تحدثنا معهم من معارفه.. ومسيرته عصامية فعلا. ولد سعيد الخرومي في 1972 في بلدة شقيب غير المعترف بها قبل أن تبنى عليها رسميا شقيب السلام كبلدة معترف بها.
في مطلع الثمانينيات تعلم في مدرسة العزازمة الابتدائية وكان يسافر من والى المدرسة كل يوم ذهابا وإيابا سبع كيلومترات بكل اتجاه صيفا وشتاء كبقية زملائه ممن خففوا عن ذواتهم عناء المشي اليومي بـ ركوب الحمير.
ومن أبرز صور تلك الفترة المبكرة العالقة في ذاكرته صورته مبللا… حينما كان يحين فصل الشتاء : ” كنا نصل إلى المدرسة حتى الصف السابع ونحن مبللين من المطر وفي بعض أيام البرد كنا نرتجف حتى تجف ثيابنا داخل المدرسة وهي ليست أكثر من براكية بائسة تخلو من حجر بلوك واحد… مزدحمة بالتلاميذ كعلبة سردين”.
أما في الصيف فكانت المعاناة أشد وأصعب كما يستذكر : الحم حم والبرد برد على مدار العام “.
لكن سعيد وبشهادة زملاء له كان ممتلئا بطاقة تشحنه ليؤمن بالمستحيل متجاوزا حدود الياس قاطعا مسافة طويلة كل نهار مدفوعا بحب المدرسة ليتخرج منها متفوقا “.
واضطر سعيد للانتقال لمدرسة النور في شقيب السلام واستكمال الصف الثامن قبل أن ينتقل لمدرسة تل السبع وإنهاء الصف التاسع ومن ثم الثانوية في جت الثانوية”.
وفي فترة الابتدائية وخلال فصل الشتوية كان سعيد يصل البيت قبيل غياب الشمس بقليل ولذا كان لابد من الاستعانة بسراج يعمل بالكاز من أجل المذاكرة وإتمام الوظائف البيتية لعدم وجود تيار كهربائي.
وكيف يمكن أن يتدبر سعيد أمره في ذلك وهو ابن لعائلة تعد 11 نفرا وبعض إخوته تعلموا بالمدارس بالتزامن معه كمعظم ابناء القرى غير المعترف بها اسرائيليا؟
” كنا نشعل السراج داخل خيمة الشعر التي نسكنها فنضعه على فوق سجادة أو بطانية ونتحلق أنا وبعض إخوتي من حوله ونتقاسم الضوء كي نتمكن من القراءة والكتابة وهكذا تعلمنا”.
لم يتفوق سعيد الخرومي في المدرسة الابتدائية فحسب بل كان من بين الثلاثية أو الرباعية المتفوقة في صفه المتخصص بفرع الفيزياء في المرحلة الثانوية كما يؤكد زميل له من بلدة جت فضل حجب هويته. ويضيف زميله ” تعرفت على سعيد في ثانوية جت سوية مع طلاب قدموا من النقب بين 1986-1989. واكد ذلك أيضا مدير ثانوية جت الحالي المربي صالح غرة الذي كان مربيا لصفه ومعلما للانجليزية من العاشر الى الثاني عشر. ويستذكر الأستاذ
غرة أن سعيد كان طالبا امينا نجيبا أديبا وتابع ” لاحقا اكتشفنا احتفاظه بعادات العرب الأصيلة.. فلو زرته قدم لك خروفا…ان لم يكن جملا “.
سكن سعيد مع بعض أترابه في بيت مستأجر ودأب على مساعدة زوج مسنين حرص على مساعدتهما وتسيير شؤونهما وكأنهما والده وأمه وكان يعود لبيته في النقب مرة كل شهر أو شهرين”.
ويشير من عرف سعيد ومنهم مدير ثانوية جت وقتها المربي المتقاعد رفيق ملك لدماثة أخلاقه العالية وشعبيته لدى معارفه وزملائه ومربيه مثلما حظي باحترام المعلمين وعن ذلك يتابع مدير المدرسة الثانوية :” كان سعيد واحد من بين 31 طالبا في فرع الفيزياء أنهى 29 منهم دراستهم الجامعية وكان أحد الثلاثية أو الرباعية النوابغ منهم الدكتور مراد وتد وهو طبيب مختص بأمراض الباطنية وكذلك مراد أبو حمزة وهو محام ومدقق حسابات وأحد شركاء في شركة الحسابات العالمية . من جهته يقول الدكتور مراد وتد : ” كان نعم الأخ والزميل، قمة الرقي في التعامل مع زملائه ومعلميه، مدرسة في الأخلاق ، على درجة عالية من الاجتهاد والذكاء. هذه شهادة حق للأخ سعيد اعتز بها أمام الخلائق “.
وفي الجامعة العبرية في القدس حاز سعيد الخرومي على اللقب الأول في الفيزياء والرياضيات قبل أن يبدأ مشواره في التدريس في ثانوية شقيب السلام ثم ما لبث أن انتخب عضواً في المجلس المحلي عام 2000 وبعدها رئيساً للمجلس المحلي ( 2004-2008). ولاحقا أشغل عدة مناصب جماهيرية منها رئاسة لجنة التوجيه العليا لعرب النقب.
الخرومي مرشح في المكان الحادي عشر في القائمة المشتركة وهو يستعد أن يعمل مجددا في الساحة البرلمانية لخدمة قضايا النقب والتربية والتعليم والتطوير الاقتصادي
خالص العزاء لذويه ولأهلنا في النقب وللموحدة ولشعبنا برحيل رجل صادق