سامي مشعشع: خطط التهجير الإسرائيلية مرنة وذكية ومتدحرجة

يعتبر الخبير الفلسطيني في شؤون الأونروا والوكالات الدولية سامي مشعشع أن قضية اللاجئين الذين يمثلون نصف الشعب الفلسطيني هي القضية الغائبة عن النقاش العام الفلسطيني، يرافق ذلك مشروع ومخططات إسرائيلية للقضاء عليها.
تحاور «القدس العربي» مشعشع الذي عمل سابقا ناطقا رسميا لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا ومدير الإعلام والاتصال فيها لسنوات طويلة، في ملفات التهجير واستهداف المخيمات في الضفة الغربية والقدس المحتلة.
وفي هذا الحوار يشدد مشعشع على أن إسرائيل حققت نجاحات كبيرة في القدس وفي القضاء في الأونروا، وهي تعمل على مخططات الضم والتهجير في الضفة الغربية بطريقة مختلفة عما هي في قطاع غزة.
ويصف المنطق الإسرائيلي في مخططات التهجير بإنه «مرن وذكي ومتدحرج»، ويشدد أن ما يزيد من نجاح الخطط الإسرائيلية ليس عبقريتها إنما عدم وجود جهد سياسي وميداني لإيجاد خطة واضحة تتصدى للمشاريع الإسرائيلية.
ويخلص في الحوار أن هناك غيابا كبيرا للثقة بين الأطراف الفلسطينية بفعل الانقسام الذي ينعكس على كل تفاصيل المشهد الميداني في مخيمات شمال الضفة.
ويكمل حديثه بالتشديد على أن التقديرات جميعها تشير إلى إن القطار الإسرائيلي في سكته، وأما قطار مقاومة الفلسطينيين والتصدي للمشاريع الإسرائيلية فلم يبدأ حتى بالسير على المحطة الأولى، وفيما يلي نص الحوار:
○ كيف تقرأ ما يجري في شمال الضفة الغربية من استهداف للمخيمات منذ أكثر من خمس سنوات عموما ومنذ أكثر من ثمانين يوما بشكل محدد في عملية «الأسوار الحديدية»؟
• التطورات المتسارعة في مخيمات شمال الضفة، وتحديداً المخيمات الأربعة: جنين، طولكرم، نور شمس، وبشكل أقل في مخيم الفارعة، هي مدخل لترجمة فعلية لخطة الضم، التي أعلن عنها سموتريتش، هذه الخطة التي أعلن عنها عام 2017، ونُظر إليها في ذلك الوقت بأنها خطة متطرفة وغير قابلة للتطبيق، أصبحت هي الخطة الرسمية التي تنفذها الحكومة الإسرائيلية، وبالتالي، المخطط الذي بدأت خيوطه بالظهور بشكل واضح، تهجير داخلي وقسري لأكثر من 50 ألف لاجئ فلسطيني، طردوا أمام الجميع من هذه المخيمات الأربعة.
القضية الثانية أن هناك عملية تحضير وفق نفس النهج في بقية مخيمات شمال الضفة، وبدأت ارهاصاته في مخيم بلاطة ومخيم العين، وأحيانا في مخيم عسكر، بدخول جيش الاحتلال بشكل متكرر، واخطارات هدم منازل، اعتقالات، ترويع المواطنين، وإلى آخره، فيبدو، أن النجاح الذي رافقهم في المخيمات الأربعة، من هدم منازل بالجملة، والتحضير للبقاء داخل المخيمات لسنة على الأقل، وعندما يقولون ذلك، فهم يعنون بالضبط أن يبقوا هناك لسنة، وأكثر إن دعت الحاجة لذلك، لأن التوجه هو إنهاء صفة المخيم، وإنهاء صفة اللجوء في أذهان الناس.
إنهم يستخدمون تعبير «كي الوعي»، بالنسبة للقادة الإسرائيليين وخصوصا الباحثين منهم في مراكز البحث، يعطون مفهوم «كي الوعي» أهمية قصوى، الترويع له رسالة، ليس فقط بهدف الترويع والتدمير والاعتقال، التذكير بما فعله شارون بغزة في سبعينيات القرن الماضي، يريدون أن يعيدوا عملية «كي الوعي» التي حصلت في ذلك الوقت. المفارقة أن السياسة الإسرائيلية أدت إلى نتائج عكسية، حيث زادت حدة المقاومة، ولكن، هم يراهنون أن الأوضاع في الضفة الغربية بعد أكثر من عقود على اتفاقية أوسلو يمكن أن تنجح وتحديدا بعد أن تعود الفلسطيني في الضفة الغربية على نمط حياة معين. يريدون أن يقلبوا هذه الآية ويستخدموا المخيمات، وتحديداً مخيم جنين، كنموذج، وبالتالي، هذا الترويع ومحاولة إلغاء صفة المخيم، وتحويله إلى حي شعبي سكني ملاصق للمدينة، أو تحويله إلى «غيتو» منعزل، هذا النموذج شعروا أنه حقق نجاحات، فالمجتمع الدولي لم يغضب كثيرا، ولم يشجب ولم يلطم كثيرا، وهو ما يشجع على مد التجربة والعملية العسكرية.
○ وكيف تقيم الموقف الرسمي والشعبي فيما يتعرض له اللاجئون الفلسطينيون هناك؟
• الأداء الفلسطيني من حيث الرد الرسمي والشعبي والمؤسسات المدنية، وكل الأطر، من نقابات ومؤسسات حقوق الإنسان، لم يخرج عن دائرة القلق والشجب، وهناك بعض المحاولات المجزأة لصياغة آلية للمواجهة، لكنها لا تخرج من الإطار التقليدي في شكل وطريقة المواجهة. لقد كان هناك استيعاب واستقبال للاجئين الذين هجروا خارج جنين، فالإنسان الفلسطيني بالعادة مضياف بطبيعته، ولكن الاستجابة الإغاثية الفردية أو الجماعية لبعض المؤسسات أو الهيئات لم ترق إلى المستوى المطلوب، كما تفتقد الديمومة، وخصوصا أن هذا التهجير القسري سيمتد لفترات طويلة قد تكون أكثر من سنة، وستنتقل إلى مخيمات الشمال وإلى مخيمات الجنوب، وأعتقد إلى مخيمات الوسط.
ما أريد أن أقوله هنا إن خطة الضم التي تنادي بإلغاء صفة المخيم عن 18 مخيما في الضفة الغربية حققت نجاحا واضحا في القدس، حيث تحقق إنهاء شبه كامل لوجود الوكالة في القدس، هناك نجاحات كثيرة في هذا المضمار وكلها تقول إن سياسة الضم أصبحت سياسة رسمية وبدعم أيضا من الولايات المتحدة الأمريكية، وهي ستتواصل وستنهش ليس فقط في أراضي مناطق «ج»، ولكن أجزاء كبيرة أيضا من مناطق «ب»، وستستباح أجزاء كبيرة من مناطق «أ»، وهم يتحدثون عن 8 معازل، وأحيانا عن 7 معازل، وعندما يتحدثون عن معازل، هم يريدونها معازل بدون مخيمات، وهذه نقطة تخفى عن البعض من صناع القرار الفلسطيني، وبالتالي، في ظل غياب أي خطة رسمية فلسطينية لمواجهة هذه الخطة، وغياب التواصل مع الهيئات والفعاليات الميدانية، وأيضا، تراجع أداء هذه المؤسسات المجتمعية القاعدية والشعبية، لقد منعت من أن تكون مُبادرة ضمن خطة متكاملة، ومنع عنها القدرة على ردة الفعل، فما ظهر من ردود فعل يمكن وصفها بإنها كسولة وخجولة، ولا تخرج من إطار العمل الإغاثي.
○ دعيت إلى حملة تحت مسمى «نحن أهلٌ لها»، وهذه الحملة جوهرية، نتكلم عن 50 ألف نازح تقريبا، والتكايا التي قدمت المساعدات طيلة شهر رمضان أغلقت، ليكون السؤال هنا: من يغيث هؤلاء الناس؟ هنا يهمني أن أفهم ما الذي دفعك لتطلق هذه الحملة، وكيف كانت الاستجابة؟
• كان محزنا جداً للجميع، عندما أعلن هؤلاء الكرماء الذين كانوا يقومون على التكايا في شهر رمضان، أن الأموال نفدت لديهم، ولا توجد لديهم القدرة على الاستمرار في تقديم الحد الأدنى من الخدمات الغذائية لهؤلاء المهجرين.
هنا من المهم التوقف عند تقييم المهجرين أنفسهم، فعندما يقيم اللاجئ المهجر مستوى الخدمات بإنه دون الحد الأدنى، وعندما يشعر أنه غير مرحب به عندما يحاول أن يستأجر بيتاً بسبب الخوف من معاقبة الاحتلال الإسرائيلي، يجب أن نتوقف عند ذلك الأمر. عندما تُغلق التكايا التي كانت مخصصة لتقديم مساعدات الغذاء، ولا يتقدم الفلسطيني لضمان الاستمرار في تقديم المساعدة، فنحن نكون أمام إشارة ضعف في الاستجابة ومؤشر على الترهل.
الحملة التي اقترحتها كانت محاولة متواضعة، وللأسف الشديد لم يستجب إليها أحد، كانت بمثابة رد على سؤال: أين الجهد الفلسطيني المنظم؟ هو غير موجود، هناك جهود لكنها فردية وغير مترابطة أيضا.
○ أود هنا التأكيد لك على عدم وجود ترابط، وإلى جانب ذلك هناك صراع حاد بين طرفين أو أكثر يقدمون المساعدة والإغاثة للمهجرين؟
• عندما ينعكس التجاذب الفلسطيني بين الفصائل وداخلها، وبين الأجهزة القائمة، والتي عليها مهمة تمثيل الشعب بكل ألوانه، عندما يتجاذبون ويختلفون سياسيا وينعكس ذلك على أرض الواقع، نتأكد من أن هناك خطرا وجوديا على 18 مخيما، وعلى تقريبا مليون لاجئ فلسطيني مسجل لدى الوكالة في الضفة الغربية، إنهاء وجود المخيمات، وإنهاء صفة اللاجئ عنهم، وفرض الطرد والتهجير القسري عليهم، أو دمجهم واستيعابهم في الضفة الغربية.
هذه الهجمة كانت تتطلب أن نقفز عن خلافاتنا، ولكن يبدو أننا استمرأنا هذه الخلافات، ويبدو أن كل جهة خارجية، عربية كانت أم إقليمية أم أمريكية، بالإضافة إلى الجهد الإسرائيلي المكثف في اللعب على اختلافنا وتناقضاتنا، يبدو أننا استمرأنا أنه لا ضير أن نعكس هذه الخلافات في ملف الاستجابة الإغاثية البسيطة.
عندما لا تكون هناك خطة متكاملة وموثوقة وفي إطار شفاف للعمل معا على توفير مساعدات متنوعة من البنوك ورجال الأعمال وفلسطينيي الخارج..ألخ نكون في دائرة الفشل. هناك عتب كبير على رجال الأعمال الفلسطينيين والبنوك والمقتدرين الفلسطينيين في الداخل والخارج. والسؤال هنا أمام صعوبة إدخال المساعدات لغزة، لكن جنين وطولكرم على بعد عشرات الكيلومترات، الحملة كان يمكن ان يقوم بها أي طرف مدني رسمي، لكن للأسف لم يحدث أي من ذلك. وعلى أهمية الفعل الإغاثي، غير أن الجانب الأهم يتمثل في غياب أي خطة سياسية لمواجهة الترحيل والقضاء على المخيم.
○ أود التوقف هنا قليلا للإشارة إلى أن الهجمة الإسرائيلية على المخيمات، جاءت بعد حملة أمنية قادتها السلطة الفلسطينية على مخيم جنين، هذا خلق كسرا في علاقة الجهات الرسمية مع المخيم، وهي طرف مهم في الإغاثة، لكن هناك غيابا للثقة حتى اللحظة، لقد تعمق الانقسام، ولا أخفيك هناك من يقول إن الحملة على المخيمات منسقة أمنيا، لا أقول بدقة هذا الحديث لكن، أن يكون هناك من يعتقد بذلك فهذه كارثة كبيرة، وبالتالي يصبح سؤال كيف نواجه سياسة تفكيك المخيمات مسألة غاية في الصعبة؟
• للأسف، بدل أن تكون المذبحة على غزة أرضية لإنجاح وترجمة لقاء بكين للمصالحة ما بين الفصائل يحدث العكس، مع الأسف، مذبحة بهذه المقاييس في غزة، لم تنجح في تنفيذ مخرجات بكين إلى أرض الواقع، حتى لجنة في الميدان لتنسيق شؤون الفلسطينيين، سياسيا وميدانيا، لم نستطع أن نتفق عليها ونخرجها لدائرة النور، وبالتالي استمر الانقسام وهو ينعكس على كل شيء تحديدا بين الأجهزة الرسمية الفلسطينية والإنسان العادي، هناك فقدان ثقة كبير، قد تسمع متحدثا من إطار معين يقول أن كل شيء بخير، وعلى العكس القيادة والفصائل على اتصال يومي مع الجماهير، لكن هذا الكلام غير دقيق، لا توجد أية ثقة بين المسؤولين وبين ممثليهم.
للأسف لم نستطع أن نترجم المخاطر الوجودية التي تهددنا إلى اتفاق سياسي، لم نقفز عن خلافاتنا. وعندما ينظر اللاجئ الفلسطيني ويفكر وفق نظرية المؤامرة، وأن الطرف الفلسطيني شريك في تهجيره نكون أمام مصيبة.
إسرائيل تريد استغلال الحيز الزمني المعطى لهم للقضاء على كل شيء في غزة، وهم لديهم فرصة تاريخية أن يفعلوا ما لم يستطيعوا فعله في الخمسينيات، واعتبروه خطأ استراتيجيا، والمؤكد أن درة التاج للاحتلال هي الضفة الغربية التي يسمونها يهودا والسامرة، وبدل التركيز على الخطر الوجودي الذي يستهدف الجميع أصبحنا نعيش حالة من عدم الثقة والشك واحتمالات التآمر، لقد أصبحت الثقة متهالكة تماما، وهو أمر يتجسد في غياب الخطط السياسية الجمعية للمواجهة وفي التعاطي مع مأساة المهجرين. البوصلة انحرفت كثيرا.
○ غياب الثقة، ينعكس على تعامل المهجرين مع خطط الحكومة، لقد قدمت خطة لمراكز إيواء مؤقتة في جنين وطولكرم، ورفض البعض الفكرة، كيف تقيم خطة الحكومة في ذلك؟
• لو كانت هناك منذ اليوم الأول لجنة مشتركة أو إطار جامع يضم كل الأطراف ذات العلاقة لما برزت الآن مشاكل من هذا النوع، أن محاولة بناء مخيمين مؤقتين، ولو أنه تعبير غير موفق، في مكانين أو موقعين مؤقتين لاستيعاب اللاجئين ريثما إعادتهم، مسألة جيدة لكنها مجزوءة، والسبب غياب أي عملية تشاركية في إيجاد آليات للتعامل مع الجانب الإغاثي والإنساني، وغياب أي خطة سياسية لمواجهة تهجير اللاجئين عن المخيم.
كل ذلك يترافق مع غياب أي خطة جدية في التعامل مع ملف القضاء على الأونروا وعلى اللاجئين. هناك حالة من الشك وانعدام الثقة بين المهجرين وبين أي إطار رسمي يريد أن يقدم المساعدة، هناك من ينظر للمقترح الحكومي بريبة، وهي نتيجة لغياب تواصل فعال مع كل الأطراف. عندما تم تدمير مخيم جنين في عام 2002، أذكر تماما عندما قامت الوكالة بإعادة عملية البناء، تم تشكيل فريق هندسي، واستأجرنا عمارة ملاصقة للمخيم، وكان كل لاجئ تضرر بيته يأتي لقسم الهندسة من أجل أن يكون شريكا في تخطيط منزله، وكانت لهم مساهمات كبيرة، وبالتالي، كانت هناك تشاركية خلقت مصداقية ما بين الأونروا وما بين اللاجئين الذين تضرروا في ذلك الحين. يمكن للفلسطينيين العمل على ذات النموذج، مسألة البيت مهمة جدا بالنسبة لأي شخص، في حال ضمن الفلسطيني بيته وكان طرفا في تقرير شكله ومواصفاته فإنه يمكن أن ينظر إلى مستقبله وكامل حياته في المخيم ووضعه كلاجئ في المخيم.
ما يحدث هو العكس من مفهوم الشراكة، كل شخص من أوروبا إلى أمريكا إلى جامعة الدول العربية يتحدث باسم اللاجئين من دون أن يشرك هذا اللاجئ في مسار حياته، قضية اللاجئين أكثر قضية مغيبة في النقاش الفلسطيني، إنها قضية تخص نصف الشعب الفلسطيني.
○ سأنتقل إلى مسألة مرتبطة بخطاب المؤسسات الدولية وتحديدا الأونروا حول اللاجئين حيث يستخدم خطاب جوهره أنه إذا توقف الدعم المالي أو منعت الأونروا من العمل فإن الفلسطينيين سيتجهون للعنف والعمل الراديكالي وستستغلهم منظمات سياسية عنيفة.. ما تعقيبك على ذلك؟
• للأسف، مغيظ جداً، وهناك نوع من الوقاحة والتعالي عندما يبدأ ممثلو الدول الغربية التي تتمنن على الفلسطينيين ببعض الدولارات هنا وهناك، وعلى ممثلي مؤسسات الدولية بشكل خاص، سواء كانت بحسن أو بسوء نية، هذا لا يشفع لهم، عندما يقررون للإنسان الفلسطيني ما هو، وكيف يستطيع أن يتصرف، وأي من تصرفاته ستكون مقبولة للإنسان الغربي بالتحديد وللمؤسسات الدولية والتي أنشأت حسب التصور الغربي لها.
الأونروا عندما بدأت عملها في الخمسينيات، كان دورها أن توطن اللاجئ الفلسطيني خارج فلسطين، ولولا وعي المواطن الفلسطيني وتحويل الوكالة من مؤسسة توطينية الطابع إلى مؤسسة رمزية تعمل على المساعدة في الحفاظ على هوية اللاجئ، وتحولها إلى مؤسسة تعليمية بامتياز، لولا هذا الوعي لسقطنا في هذا الفخ، وبالتالي هذه المؤسسات الدولية لها أهداف لا تتوافق مع أهدافنا الوطنية، وبالرغم من ذلك، عندما تقدم المساعدة للفلسطيني، كالوكالة مثلاً، فإنها تتواصل مع المواطن من منطلقات القائمين عليها الغربية، وبالتالي، يتحدثون عنك، كأنك غير موجود، هم يتحدثون باسمك ويقررون أن الإنسان عندما يطالب بحريته وإنهاء الاحتلال، هذا يسمى مطلبا راديكاليا، لكن عندما يوافقون على مفهوم كحل الدولتين، وإحدى الدولتين تكون منزوعة السلاح ومن دون سلطة أو مستقبل سياسي لها، وأن تكون أداة طيعة بيد الاحتلال الإسرائيلي الذي يقرر مجالها الجوي والحــيوي وســياستها الخـــارجية، يسمى ذلك سلاما، وهو في الحقيقة تدجين للفلسطيني.
عندما نقرأ تصريحا للمفوض العام مفاده أننا نريد من الدول العربية والغربية مساعدتنا مالياً، وعدم تجويعنا ماليا، لأنه إن أغلق مدارس الوكالة، فإن الأطفال الذين يدرسون فيها سيتحولون من أطفال جميلين وواعدين إلى وحوش كاسرة وراديكاليين، هذه المعادلة العنصرية عندما يتقدم بها شخص كالمفوض العام وغيره كثير تعكس إسقاطا لنظرتهم لنا، ولا تعكس نظرتنا لأنفسنا كما نريدها، وبالتالي، وفق هذه المعادلة، خصصوا لنا المطالبة بحقنا في الحياة والحرية وعودة اللاجئين على أنه شيء راديكالي.
○ بالمقابل، هل كان هناك تدخل من الجانب الفلسطيني لرفض هذا الخطاب البائس والخطير والعنصري؟
• باستثناء بعض الباحثين هنا وهناك، لا يوجد هناك خطاب رسمي واضح للفلسطيني، في المقابل عندما يتم الاتفاق على سياسة محددة إسرائيلية، وزارة الخارجية الإسرائيلية تبعث بكتاب إلى كل السفراء والقناصل الإسرائيليين، بالقول أنه عندما تواجهون بهذه القضية أو بهذا السؤال، تكون الإجابة على هذا النحو، وبالتالي، هناك تركيز كبير في إسرائيل على حق الوجود، التذكير في الهولوكوست، كتاب يتم تجديده بشكل دوري لمواجهة القضايا المطروحة للنقاش، لا يوجد لدينا شيء شبيه، فعندما يتم التحدث عن الفلسطيني بأسلوب وبلفظ وبتعابير ومفاهيم لا تتماشى مع الأرضية التي ننطلق منها نحن كشعب محتل وشعب يريد العودة إلى وطنه، هناك إخفاق إعلامي فلسطيني فاضح، إن تقاعست الأجهزة الرسمية ومنظمة التحرير والمؤسسات فعلى الأقل الصحافة الفلسطينية يمكنها أن تقف بالمرصاد، لكن هناك غيابا إعلاميا في هذا الموضوع، غياب للجهاز الرسمي، لمنظمة التحرير، غياب للجميع، بأن يقولوا أنت لا تتحدث باسمنا ومرفوض أن تبني هذه المعادلة ما بين القبول بالتدجين أو اتهامنا بالراديكالية.
○ كيف تصف خطة اسرائيل في الضفة الغربية في موضوع التهجير، هناك خوف وقلق ينمو ويزيد، كيف تقرأ المشهد؟
• مفهوم الإبادة في غزة، كان واضحا من اليوم الأول، تعمل إسرائيل هناك بطريقة وحشية وقاتلة، وأنهم يريدون القضاء على المقاومة بكل الأثمان، وكانوا أيضا يريدون عبر القضاء على المقاومة استثمار فرصة تاريخية للقضاء على حق العودة عبر القضاء على الأونروا وترحيل أكبر قدر ممكن من سكان غزة، وعندما يتحدثون عن ترحيل سكان غزة، يركزون فقط على رقم أجده مثيراً، طرحه كاتس مرة أو مرتين، حتى أعتقد أحد مسؤولي ترامب تحدث عنه وآخرون، ترحيل 1.6 مليون إلى 1.7 مليون خارج غزة، وهو رقم قريب من عدد اللاجئين المسجلين داخل غزة في القطاع، 70 في المئة من سكان غزة هم بالأصل هم لاجئون مسجلون في الوكالة، هذا التصور يريدون ترجمته عبر طرد هؤلاء خارج غزة، وبالتالي، المباشرة في القتل والقضاء على كل شيء في غزة، مطلب بالنسبة لهم.
في الضفة الموضوع مختلف، في الضفة الغربية لا يستقيم الأمر مع الإبادة المباشرة، خطة الضم والتهجير فيها خطة ذكية ومرنة ومتدحرجة، عندما يشعرون بضرر في الخطة فهم على استعداد أن يتراجعوا هنا وهناك، لخلق نوع من التكيف، هم يريدون للفلسطيني أن يتكيف، نحن دخلنا إلى 4 مخيمات وطردنا 50 ألفا، ولكن وقفنا هناك ولم نستمر، إضافة حواجز وبوابات لكنهم يتيحون بعضها. بالتالي، بالنسبة لهم، أولا، لا يريدون أن يخلقوا فراغا تعليميا أو صحيا أو أمنيا، وبالتالي يتبعون أسلوب التدحرج وسياسة الخطوة خطوة، الهدف الأول هو الضم، بكل مفاهيمه. مثلا هم ينفذون قرار الكنيست بعدم التعامل مع الأونروا في الضفة الغربية، لكن ليس بشكل كامل، ينفذ هنا وهناك، وبنفس الصيغة في القدس.
لقد كان بإمكانهم تنفيذ قرار الكنيست الأول الذي يقضي بحظر عمل الوكالة في القدس عشية اتخاذه بالإجماع، لكن ارتأوا أن يتدحرجوا به، أغلقوا المقر الرئاسي في الشيخ جراح، ثم عيادة الزاوية في البلدة القديمة، وهي مهمة لآلاف المقدسيين، وأعطيت إخطارات لمدارس الوكالة في القدس بإغلاق المدارس خلال 30 يوما. هذا التدحرج في المفهوم في القدس، يطبقونه أيضا في الضفة الغربية، سموتريتش نفسه مثلا غير مستعجل على الضم في الضفة، بمعنى انه يريد ترجمة سياسة الضم في مناطق «ج» و«ب»، والقضاء على السلطة الفلسطينية. إنهم يقومون بتكريس مفهوم المعازل والضم والاستحواذ ومضاعفة المستوطنات والقضاء على المخيمات بشكل متدحرج، مفهوم الإبادة لدى صاحب القرار الإسرائيلي مرن، الإبادة الجامعة والمباشرة والتي تلتهم كل شيء في غزة لكنها لا تستقيم في الضفة، وبالتالي استخدموا الأربعة مخيمات كنموذج لمفاهيم وتطبيقات أخرى للإبادة، فهم يستخدمون إبادة المسكن، وإبادة الحيز الجغرافي، والإبادة الاقتصادية، أو ما يقابلها من مفهوم «النحر الاقتصادي» كما يقال له، تأثيرات الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية انعكس على جميع مناحي الحياة، نحن أمام خنق الاقتصاد الفلسطيني، إنه أسلوب مرن متجاوب وليس جامدا، لكن له نفس الخطوات كما يحصل في غزة، الهدف الكامل هو أن ينجح في الضفة فهي الأكثر أهمية، أمنيا وعسكريا وحتى في التوراة.
أشعر أن نجاحاتهم الكبيرة، إن جاز التعبير، في القدس، والقضاء على الأونروا أصبحت ماثلة، وكل المؤشرات تقول أنهم سينجحون مرة أخرى، في ترجمة بقية المخططات، والسبب يتمثل في أن الجهد الميداني في مواجهته لا يضاهيه جهد سياسي لإنهاء الانقسام، وجهد سياسي لإيجاد خطة واضحة لكيفية مواجهة خطة الضم، كل التقديرات تقول إن القطار الإسرائيلي في سكته، وقطارنا لم يبدأ حتى بالسير على المحطة الأولى.
عن القدس العربي