النقاش الفلسطيني الدائر حول انشاق جدعون ساعر من حزب الليكود ينصب على شق الليكود، والتي قد تمكنه من ازاحة رئيس الحكومة الاسرائيلية وزعيم الليكود بنيامين نتنياهو، ويظهر الأمر وتمنياتهم وكأنهم جزء مما يجري في الساحة السياسية الاسرائيلية والحزبية التي تحاول الاطاحة بنتنياهو من سدة الحكم، بناء على التهم الموجهة ضده وتقديمه للمحاكمة بشبهة الفساد.
ووفقا لنتائج استطلاعات الرأي ربما من المبكر الحديث عن سطوة جهة ما من قوى اليمين المتنافسة من الاستفراد بالحكم على حساب قوى يمينية أخرى للإطاحة بنتنياهو. وجود ساعر عزز من هيمنة اليمين على اسرائيل ومقاليد الحكم فيها وكشف عن وجه إسرائيل اليميني. وهذا لن يغير في طبيعة الحكم والتوجهات السياسية اليمنية في إسرائيل، ساعر يميني ايديولوجي يؤمن بفكرة ارض اسرائيل الكبرى وانشقاقه أظهر طبيعة اسرائيل اليمينية العنصرية والفاشية من خلال تضخم اليمين وهيمنته على الحكم.
نحن على موعد وأمام أم المعارك اليمينية في اسرائيل في حال أجريت الانتخابات والتي ستجرى عاجلاً أم أجلاُ، بين قوى اليمين الفاشي والعنصري والشعبوي، والاستعدادات في إسرائيل قائمة على هذا الأساس للمعركة الانتخابية القادمة بقيادة نتنياهو، وبينت، وساعر المنشق عن الليكود وليبرمان، وذلك على حساب يمين الوسط واليمين اليساري بقيادة لابيد وغانتس والآخرين وما تبقى من حزب العمل.
المسألة لم تعد على الاطاحة بنتنياهو أو بقاءه في سياق تشكيل إسرائيل الحقيقية والتغيرات في نظامها السياسي منذ أكثر من عقدين من الزمن، وتتجلى الآن في هيمنة اليمين بشكل سافر، وكيفية التعاطي معها والصراع مع دولة الاحتلال، في ظل ما يجري من هرولة التطبيع العربي وسياسة إسرائيل الخارجية التي أسسها نتنياهو واستفاد من تلك التغيرات الدولية بوجود ترامب ويتفاخر بما قام به من علاقات دولية وعربية.
بناء على ذلك فإنّ المؤشرات السياسية التي تحملها الانتخابات القادمة هي أخطر من سابقاتها، في ظل هيمنة اليمين وتآكل ما يسمى اليسار، وفي طريقه للزوال فحزب العمل لم يستطع تجاوز نسبة الحسم وميرتس بين قوسين أو أدنى، وأحزاب الوسط هي احزاب يمينية بداخلها وهي ظاهرة شهدتها اسرائيل على منذ زمن، وفي الحقيقة هي احزاب يمين ظهرت حقيقتها في شراكتها مع حكومات الليكود، واتخاذ القرارات وموقفها من كثير من القوانين العنصرية، ورؤيتها للاحتلال والصراع الفلسطيني الإسرائيلي وشرعية المستوطنات، وفي المعركة الانتخابية القادمة ستكون المواجهة هي داخل المعسكر اليميني الكبير.
وربما حزب كاديما الذي شكله أرئيل شارون في العام 2005، مثال حي على ظاهرة أحزاب الوسط، حيث فكك شارون الليكود لغرض تنفيذ الانسحاب من غزة، ولاحقا عاد جميع الليكوديين لليكود، والان مجرد اعلان ساعر عن الانشقاق أعلن الليكوديان اللذين كان ضمن قائمة أزرق ابيض يوعاز هندل وتسبي هاوز عن انضماممها له.
نتنياهو يدرك خطورة تطورات الأمور في إسرائيل، ويرجو أن تسير لصالحه برغم التهم الموجهة له بشبهة الفساد، لكن تبقى الحقيقة أن ما قام به نتنياهو خلال فترة حكمه عززت هيمينة قوى اليمين، ويعول على نجاحه في مواجهة كورونا من خلال إحضار اللقاح والذي سيتم توزيعه الاسبوع القادم. والأهم هو تفاخره بالإنجازات الخارجية في توطيد علاقات إسرائيل الدولية والاقليمية، وما نراه من تهافت التطبيع العربي خاصة الإمارات التي تساهم في شرعنه الاحتلال وتبييض المستوطنات وعنصرية إسرائيل، وكل ذلك يصب في التنكر للحقوق الفلسطينية بتقرير المصير.
بناء على ذلك، إن مراهنة بعض الفلسطينيين على الإطاحة بنتنياهو ومعارضة اليسار الإسرائيلي له، هو نسيان الوجه الحقيقي لإسرائيل، ولما يسمى يسار إسرائيلي متعاطف مع القضية الفلسطينية وهي كذبة كبيرة، من أجل تحقيق مصالحه بإسرائيل والحفاظ على دولة يهودية ديمقراطية، والتنكر للحقوق الفلسطينية وعدم الاعتبار لوجود الفلسطينيين.