زيادة كبيرة في عدد رافضي الخدمة في الجيش الإسرائيلي منذ الحرب على غزة
في بداية الأسبوع، انتشر مقطع فيديو اسرائيلي أثار ضجة كبيرة: ناشط اسرائيلي من اليمين المتطرف يرتدي الزي العسكري يدعو إلى رفض أي أمر لإنهاء الحرب ضد غزة، ويوجه انتقادات قاسية بشكل خاص ضد وزير الدفاع وكبار ضباط الجيش الاسرائيلي . ردا على ذلك، قال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والعديد من الأشخاص الآخرين، بما في ذلك النشطاء اليمينيين، “نحن نعارض رفض الخدمة من جميع الأطراف”، وذكروا توقف النشطاء الذين كانوا يحتجون على الانقلاب عن الحضور إلى تدريبات الجيش الإسرائيلي في العام الماضي.
ردود الفعل هذه كانت ديماغوجية بامتياز . فيديو التمرد هذا لم يدعو إلى الرفض، بل إلى رفض الأوامر وحتى الى التمرد العنيف ؛ والنشطاء المناهضون للانقلاب حضروا جميعهم للخدمة الاحتياطية عندما اندلعت الحرب. لكن في الأشهر الأخيرة حدثت فعلا زيادة في عدد الجنود الذين يرفضون التجنيد احتجاجا على سياسة الحكومة تجاه الفلسطينيين.
تتحدث حركة “يش جفول” (هناك حدود) اليسارية، التي تساعد رافضي الخدمة العسكرية لأسباب ضميرية منذ حرب لبنان الأولى، عن قفزة غير مسبوقة في أعداد رافضي الخدمة العسكرية في الجيش خلال الحرب الحالية.
وقال المتحدث باسم “يش جفول” يشاي مينوحين أنه ساعد في الحرب الحالية نحو 40 جنديا ومجندة رفضوا التجنيد في الاحتياط. وساعد نشطاء آخرون في الحركة عشرات الحنود الآخرين، وفي المجمل تلقت حركة ( يش جفول ) ما يقارب 100 طلب مساعدة من رافضي خدمة . هذا بالمقارنة مع نحو 10-15 طلبا سنويا في العقد الماضي، ونحو 40 طلب سنويا خلال سنوات حرب لبنان والانتفاضات الأولى والثانية.
وبحسب مينوحين، بدأ رافضي الخدمة الاتصال به ابتداء من منتصف تشرين الاول واستمروا حتى الأيام الماضية. وحتى في مجموعة “رافضات” – التي تساعد الفتيان والفتيات الذين يرفضون التجنيد في الجيش الإسرائيلي في الدرجة الأولى – هناك تقارير عن ارتفاع في عدد الرافضين.
عدد المرشحين للخدمة العسكرية الذين يرفضون التجنيد – أقل من 10 سنويا – صغير جدا بحيث لا يشير إلى ظاهرة جماعية، لكن نشطاء مجموعة “رافضات” يشيرون إلى زيادة حادة في عدد جنود الاحتياط الذين يرفضون التجنيد، والذين يحيلونهم إلى منظمات أخرى.
كما يبلغ الناشط اليساري دافيد زونشاين، مؤسس حركة “الشجاعة للرفض” التي ساعدت رافضي الخدمة في الماضي، بدره عن تلقيه في الحرب الحالية طلبات من عشرات الرافضين، خاصة في الأشهر القليلة الماضية، وهو ما يفوق بكثير عدد الطلبات التي كان يتلقاها في السنوات الماضية.
بعض الرافضين ضميريا لا يتواصلون مع المنظمات المخصصة
لمساعدتهم، وبالتالي فإن الأعداد الموجودة لدى هذه المنظمات جزئية فقط، لكن ارتفاع عددهم بأضعاف يشكل إشارة واضحة إلى القفزة الحادة في أعداد الرافضين ضميريا.
في الأشهر الأولى من الحرب، كانت الزيادة في عدد الرافضين تعود إلى العدد الهائل من المجندين، الذي بلغ حوالي 300 ألف (منهم عشرات الآلاف لم يتم استدعاؤهم إلى الاحتياط وحضروا بمبادرة شخصية). لكن في الأشهر الأخيرة، انخفض نطاق التجنيد للاحتياط بشكل كبير، في حين استمر عدد الرافضين في النمو. ويرجع ذلك إلى تعقيدات الحرب وجرائم الحرب المرتكبة فيها والاحتجاج المتزايد على اداء الحكومة.
وقال مينوحين أنه “بالإضافة إلى الرافضين الذين نساعدهم، أعرف كثيرين آخرين”. كما قال مينوحين وزونشاين أنه رغم أنه كانت هناك حالات هدد فيها الجيش الإسرائيلي باتخاذ إجراءات ضد الرافضين للتجنيد، فان أين من الجنود الذين ساعدوهم لم يذهب إلى السجن.
وأضاف مينوحين: “عندما رفضت الخدمة في لبنان في الثمانينات، وضعوا حوالي 10% منا في السجن، بما فيهم أنا. اليوم، لا يوجد أحد في السجن”. ويقدر زونشاين أن الجيش “ليس لديه الوقت أو الرغبة في التعامل مع هؤلاء الرافضين وهو لا يحتاج إليهم أيضًا، فلديه ما يكفي من المستعدين للتجنيد”. لكن مينوحين لا يوافق على ذلك ويقول : “الجيش يعاني من أزمة في الطاقة البشرية، فهو يحفر قاع البرميل، لكنه لا يريد التعامل مع الرفض”.
بالإضافة إلى الرفض الأيديولوجي، بدأ مؤخرا أيضا رفض من الجنود الذين أنهكهم طول فترة الحرب. في نهاية نيسان ، أعلن حوالي 30 جندي احتياط من كتيبة المظليين، الذين تم استدعاؤهم للخدمة في رفح، عن رفضهم الحضور للخدمة. وذلك لأن أشهر القتال الطويلة أضرت بدراستهم ومعيشتهم وعائلاتهم وسببت لهم ضائقة نفسية وجسدية.
وأخبرهم قائد سرية المظليين الرافضين ردا على قرارهم أنه يواجه ضائقة مماثلة، لكنه يواصل الخدمة “لأن هناك حاجة لذلك”، لأن هذه هي “حرب الاستقلال الثانية” وبسبب النقص في الطاقة البشرية. وذكر الجيش الإسرائيلي ردا على المنشورات أن الجنود “لم يحضروا بسبب ظروف شخصية مبررة” وأنه “تم تنسيق الأمر مع قادتهم ولن يتم المساس بكفاءة الإطار ،الجيش يحترم ويقدر جنود الاحتياط وسيواصل مساعدتهم”.
وأبدى المعلقون على المنشورات حول القرار تعاطفهم مع الجنود الرافضين، وهذا على النقيض من ردود الفعل الغاضبة التي يتلقاها الرافضون الأيديولوجيون.
ويدعي مينوحين أنه يعرف حالات رفض أخرى بسبب الإرهاق الشخصي، وأن بعض هؤلاء الرافضين تمت محاكمتهم وسجنهم، على عكس الرافضين الأيديولوجيين.
وبحسب مينوحين “بدأ الرفض بسبب الإرهاق في الأسابيع الأخيرة، مع استمرار الحرب. في حين ان التردد الأيديولوجي بدأ فور بداية الحرب. فمنذ 9 و10 تشرين الاول ، كان هناك جنود يدركون اتجاه هذه الحرب وقرروا رفض المشاركة فيها”.
هل يرفضون الالتحاق بالخدمة في الضفة الغربية وغزة تحديدا أم بشكل عام؟
“خلافا لما حدث في الماضي، عندما رفض الجنود الخدمة في الأراضي المحتلة ولكنهم حضروا للخدمة في أراضي دولة إسرائيل، فإن غالبية الذين أتواصل معهم اليوم يرفضون الحضور على الإطلاق – ولا يوافقون على الخدمة في أراضي إسرائيل، حتى في مهام قيادة الجبهة الداخلية”.
كما انه حدثت بعض الحالات لرفض الخدمة حتى على الحدود الشمالية، وعدد غير قليل ممن رفضوا الخدمة في السجون مثل سجن ’سدي تيمن’ حيث ترتكب الفظائع”.
لقد أثبتت المجزرة التي ارتكبتها حماس أن إسرائيل بحاجة إلى جيش قوي لحماية حدودها ووجودها. ألا يدفع هذا الجنود إلى الالتحاق بالجيش ، على الأقل للخدمة على أراضي الدولة؟
“البلاد تحتاج بالتأكيد إلى حدود وجيش للدفاع، ولكن أين الحدود، وهل يوجد ’جيش دفاع’ أصلا؟ أنا لست من دعاة السلام، وقد خدمت في الجيش الاسرائيلي حتى سن 46 عاما، وحتى بعد فترة طويلة من بدء رفضي الخدمة في الأراضي المحتلة. اليوم، كنت سأرفض الخدمة تماما، حتى بعد المذبحة التي ارتكبت بحقنا” .
“هناك فرق شاسع بين جيش يقوم بمهمات مبررة ويتم ارتكاب مظالم فيها هنا وهناك، وبين جيش نشاطه كله يقوم على مظالم، و هدفه ليس الدفاع على الإطلاق، بل هو مكرس بالكامل للاحتلال والقمع. حتى في 7 تشرين الاول، لم يقم الجيش الإسرائيلي بالمهمة التي أقيم من أجلها ولم يحمي منطقة غلاف غزة، لأن الجنود تمركزوا في المستوطنات” .
لدى زونشاين، الذي كان ضابطًا سابقًا في وحدة ماجلان، أقارب وأصدقاء في غلاف غزة، بينهم أشخاص قتلوا أو اختطفوا في المجزرة . ووفقا له، “في 7 تشرين اول حاولت الحصول على سلاح وسترة للذهاب إلى منطقة الغلاف، والانضمام إلى القتال ومحاولة إنقاذهم، كما فعل يئير جولان وآخرون من الذين قاتلوا عندما ماطل جيش الدفاع الإسرائيلي العظيم . لا أعلم إذا كنت سأذهب لو حصلت على سلاح ، لكني أعلم أنني أردت ذلك، وبالطبع إسرائيل بحاجة إلى جيش دفاع”.
لكن كان للفظائع التي ارتكبتها حماس خلفية . ’ممنوع’ ان نقول ذلك ، لكنها هذه هي الحقيقة . والحرب في غزة ليست دفاعية . اليوم ، بعد أشهر من الجنون، بعد أشهر نحن فيها في غزة ولا نقاتل فعلاً، ومع ذلك المختطفين ليسوا هنا، بعد أن أصبح واضحاً للغاية أن الأهداف سياسية وشخصية وليس هناك هدف سياسي، بدأ البعض يفتحون أعينهم . لكن الأمر يستغرق وقتا” .
“في الأشهر الأولى ، كانت هناك موجة قوية من التعبئة للحرب . وحتى بالنسبة لأولئك الذين عارضوا الحرب منذ البداية ، كان من الصعب عاطفياً أن يقفوا بمفردهم في مواجهة التيار . أنت تصبح أقلية مكروهة، وحتى الناس المقربون منك في الخلفية الاجتماعية والمبادئ، والذين يحتقرون نتنياهو والحكومة، يعتبرونك ’خائناً’ . أعتقد أننا بحاجة إلى تغيير، والرفض هو الخطوة الأكثر وطنية . ولكن من الصعب فهم ذلك، ومن الأصعب القيام بذلك”.