زوال إسرائيل…
أثناء مراجعتي للأدبيات على هامش أبحاثي في زمالة ما بعد الدكتوراة لفت انتباهي مقالة للباحث عبد الحفيظ محارب، بعنوان: “عوامل بقاء الكيان الإسرائيلي”، وهي مقالة صادرة عن مجلة شؤون فلسطينية، العدد 113، في نيسان (ابريل) 1981. تتعرض المقالة للنبوءات المنتشرة وقتئذ حول قرب زوال إسرائيل، والتي استندت على عدة مؤشرات من بينها ظاهرة تفجر التناقضات داخل المجتمع الإسرائيلي، وانتشار التظاهرات الاثنية الطبقية، وكذلك تبادل الاتهامات بين الطبقة السياسية، والصدامات بين تيارين متعارضين سياسياً واجتماعياً، وكذلك تفشي ظاهرة الفساد، بالترافق مع تراجع الهجرة وتزايد الهجرة العكسية.
يفند محارب نبوءة زوال إسرائيل القريب من خلال الادعاء بأنّ هذه الظواهر والمؤشرات عايشت المشروع الصهيوني منذ نشأته، وبالتالي هي ليست مؤشرات جديدة يمكن البناء عليها في التحليل. والأهم من ذلك بأن عوامل بقاء الكيان واستمراره ما زالت تعمل، والتي يلخصها محارب بثلاثة عوامل: العامل الذاتي (الصهيوني)، بمعنى وجود دافعية لحماية المشروع. والعامل الاستعماري حيث تتقاطع المصالح الاستعمارية للدول الكبرى مع مصلحة الكيان الصهيوني، وبالتالي سوف تحافظ عليه وتمنع سقوطه، وأخيراً العامل العربي المتمثل بضعف الأنظمة نتيجة لعدم تمكين الشعوب من تقرير مصيرها “اختيار من يحكمها”.
لست بصدد مناقشة صحة أطروحة محارب من عدمها، وإن كانت أطروحته قوية وتستند على منطق سليم. لكن ما يهمني هو ما كان منتشر في أوساط بعض المثقفين والجماهير قبل حوالي 45 سنة..نبوءة الزوال!!
أي أن نبوءة الزوال ليست وليدة اليوم….وفي كل عقد أو سنة ستجد من يجهد نفسه لإثبات قرب زوال الكيان الصهيوني.
لست أناقش بصحة فرضية زوال إسرائيل…فقناعتي المبنية على دراسة التاريخ، بأن هذا الكيان إلى زوال طال الزمان أم قصر…لكن ما يهمني هو كيف كانت مجموعة من المثقفين متأكدين جداً من تحليلاتهم قبل 45 سنة بأن إسرائيل ستنهار خلال أيام أو شهور….تماماً كما هو الحال لدى عدد من مثقفي اليوم….
الاحتجاجات داخل الكيان قاربت على دخول سنة كاملة…حتى اليوم لم يسقط قتيل واحد في المظاهرات، أو ينهار الكيان!!!….صحيح أن الكيان يمر بأزمة حادة وغير مسبوقة، واتفق مع التحليلات التي تقول بأن عمر الكيان يتناقص، لكن من يجزم بأن الكيان سينهار خلال أيام وأسابيع….أدعوه لقراءة مقالة محارب قبل 45 سنة.
الخلاصة:
سيزول الكيان عاجلاً أم آجلاً…لكني أدعو للتريث قليلاً وعدم الجزم بأنه سينهار حتى نهاية السنة (مثلاً)، فالعوامل الموضوعية والذاتية تؤشر على أنه لن ينهار بسهولة..على الأقل على المستوى المنظور….مع الأخذ بعين الاعتبار أن كثير من الكيانات والأبنية الآيلة للسقوط تبقى سنين واقفة على حالها، إن لم يتصدر أحد لهدمها…