زمـــن الـــفدائـــيـــيـــن.. وزمـــن الأوغـــاد !!
ها هو بطل آخر من أبطال فلسطين، منتصر الشلبي، الذي فاجأ وأوجع وأربك جيشاً بأكمله، يقع في الأسر الصهيوني بفضل نذالة “التنسيق الأمني” للسلطة الفلسطينية التي قدمت، كعهدها، “معلومة ذهبية” إلى العدو، أرشدته إلى مخبأ الفدائي البطل، مثلما فعلت سابقاً مع باسل الأعرج وأحمد جرار وغيرهما من الأبطال الذين آمنوا بمنطق المقاومة والكرامة وكفروا بمنطق الخضوع والذل.
يأتي منتصر الشلبي من أمريكا ليقوم بواجبه الوطني والديني، غير عابئ بالجنسية الأمريكية التي حملها على الورق، وحملَ فلسطين والقدس والأقصى في قلبه، رأى أن مصير القضية أهم من مصير زوجته وأولاده السبعة، وأن وطنه فلسطين أغلى من قصره الذي سينسفه الاحتلال في قريته، ترمسعيا.
“أبطال” التنسيق الأمني مع العدو، خيبوا توقعات سناء الشلبي، زوجة الفدائي البطل، ، إذ سبقوا قوات الاحتلال في اقتحام وتفتيش البيت والتحقيق مع أفراد العائلة، ومهدوا لمجيء العدو .. قاموا بالواجب بخسة، تخجل اللغة من وصفها.
ليس غريباً على سلطة تقبل على نفسها الإيقاع بالمقاومين وتسليمهم للعدو، عندما يتفاخر رئيسها أمام مذيعة إسرائيلية بتاريخ 31-3-2016 ، قائلاً بلا خجل:
“الأمن عندنا يدخل المدارس، ويفتش حقائب التلاميذ إذا كانوا يحملون سكاكين أم لا.. في مدرسة واحدة وجدنا 70 تلميذا وتلميذة يحملون سكاكين أخبرناهم بأن هذا غلط، أنا لا أريدك أن تقتل وتموت، أنا أريدك أن تحيا ويحيا الآخر”!
بدل أن يحرص زعيم هذه السلطة على حماية شعبه ومطاردة المستوطنين الذين يقتلون شبابنا ونساءنا وأطفالنا ويعيثون في أرضنا وحقولنا وأشجارنا فساداً وتقطيعاً وحرقاً، نراه يفاخر أمام العدو بتفتيش المدارس و”تشليح” التلاميذ السكاكين، بينما جنود العدو ومستوطنوه مدججون بالسلاح والحقد والعنصرية والهمجية، وتقوم أجهزة سلطته بمطاردة المقاومين وتقديمهم لقمة سائغة للاحتلال.
كذلك، أمام القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، بتاريخ 1-11-2012، يقول محمود عباس البالغ من العمر 86 عاماً (15 تشرين الثاني نوفمبر 1935 ـــ ) ولا يريد أن يترك لشعبه وللتاريخ ما يستحق الثناء:
” أنا من صفد نعم. أريد أن أرى صفد لكن لا أن أعيش فيها. بالنسبة لي فلسطين هي حدود ألـ 67 وعاصمتها القدس الشرقية الآن وإلى الأبد، هذه هي فلسطين. أنا لاجىء لكنني أعيش في رام الله. غزة والضفة الغربية هي فلسطين والأجزاء الأخرى هي إسرائيل” ؟!
فهل يمكن لرئيس السلطة هذا، الذي هو أمام العالم رئيساً لدولة فلسطين، أن يؤتمن على الشعب والقضية وحق العودة والمقاومة، إذا كان لا يؤتمن على مسقط رأسه؟!
إن مفارقة: تنسيق أمني مع العدو، أنتجت مفارقة: قيادة شعب تحت الاحتلال لا تقاوم الاحتلال، بل تقاوم المقاومة!
هناك أسرى وشهداء فلسطينيون “في رقبة السلطة الفلسطينية”.
.. النذالة تنسجم مع ذاتها.
ثمة فرق جوهري بين زمن الأوغاد وزمن الفدائيين، هو الفرق بين الخسة والنبل.
هذه القيادة الأجيرة للاحتلال هي التي بترت الثورة ولم تجلب الدولة، وهي المسؤولة عن تراجع وعي “ثورة حتى النصر”، وتقدم هَمّ “انتظار الراتب آخر الشهر”.
حاملو بطاقات الـ V.I.P ( شخص مهم جداً!)، بينما الشعب يكابد الانتظار والإهانات على الحواجز في البرد والحر، المتنعمون هم وزوجاتهم وأولادهم ومرافقوهم بأموال التبعية والفساد والإفساد، بينما غالبية شعبنا تكابد العوز والفاقة، هؤلاء المنحازون لرواتبهم ورتبهم ومناصبهم وألقابهم، الذين يحرصون على هندامهم ومستوى نجوم فنادقهم ولا يحرصون على مستوى سلوكهم وتمثيلهم لشعبنا وقضيتنا، هؤلاء والقيادة التي تنجذب إلى الكرسي لا إلى زيتون البلاد، هم سبب خراب البيت الفلسطيني، وتدني مكانة قضيتنا على الصعيد الدولي.
.. فرق كبير بين القابضين على الجمر، والقابضين على الدولار.
.. إنه زمن الأوغاد!
والأوغاد هم الاحتلال الثاني!
أيقونات شعبنا أمثال منتصر الشلبي لا ترفع معنوياتنا وتهبّط معنويات الصهاينة فحسب، بل هي تأكيد على أن إسرائيل قابلة للهزيمة، و|أن شعبنا الفلسطيني قابل للانتصار ويستحق الحرية.
أمثال منتصر الشلبي هم درس عميق في التضحية والفداء، تُعبِّر عنه كلمات عبد الرحمن الكواكبي:
“أخشى ما يخشاه الطغاة أن تكون الحرية أثمن من الحياة”
في الانتفاضة الفلسطينية، كان الشعب بطلاً جماعياً، بعد اتفاقية أوسلو (1993) ومعطياتها وقيودها، وتكريس قيادة فلسطينية قامعة لشعبها بدل أن تكون حامية له، مخلصة للتنسيق الأمني مع العدو بدل أن تكون وفية للوطن والقضية ودماء الشهداء وعذابات الجرحى والأسرى، تراجعت صفة بطل جماعي وبرزت صفة أبطال فرديين .
بات من الضروري والمُلِح بلورة قيادة فلسطينية مطابقة لمعاني الحرية والتحرير وكرامة الإنسان.
على النخب السياسية الحرة والمعنيين بالأمر من شعبنا، معالجة هذه المفارقة السياسية والتاريخية:
لماذا لدينا شعب عظيم معطاء.. وقيادة تافهة مبدِّدة؟!
القيادة الفلسطينية المكرَّسة من أمريكا والاحتلال وأموال الإخضاع والإفساد وتلاقي المصلحة الذاتية مع مصلحة الاحتلال، هذه القيادة هي فضيحة، وعار، وعبء.
.. والعبء ينبغي رفعه والتخفف منه!
من المعيب، بعد كل ما حصل ويحصل، الاستمرار بقيادة فاشلة وفاسدة تمثل احتلالاً ثانياً رديفاً للاحتلال الصهيوني.
أهل القدس الميامين يتصدون بصدورهم للمحتلين الغزاة، وشعبنا الأبي يهب لنصرة الشيخ جراح ويسقط منه شهداء وجرحى، بينما القيادة الفلسطينية تكتفي بتصريحات وشكاوى جوفاء تقوم على الدجل والاستغباء، ما يجعل هذه القيادة تستحق الاحتقار والمحاكمة، لأن من تشكوه إلى العالم وإلى مجلس الأمن هو ذاته الذي تقيم معه التنسيق الأمني وتريد من شعبنا أن يكون أعزل، بلا رصاص ولا سكاكين ولا حجارة، أمام قوته الغاشمة.
من حق الأم الفلسطينية أن ترى يوماً تفرح فيه، ومن حق شعبنا إنهاء حياة التشرد واللجوء والعودة إلى وطنه فلسطين والتنعم بالحرية، وأن لا نبقى إلى الأبد سائرين على درب الآلام.
هذه متطلبات سياسية، تاريخية، وإنسانية تنطلق من الإقرار بأنه ليس لدى شعبنا قيادة بمستوى آلامه وآماله، بمستوى تعقيدات الصراع، وبمستوى عدوانية وحقد وهمجية وكفاءة العدو الصهيوني.
من حقنا أن تكون لدينا قيادة لا تأخذ “شهادة حسن سلوك” من عدوها بل من شعبها، قيادة لائقة وطنياً وسياسياً وأخلاقياً، توحد وتنظم وتفعِّل طاقات وكفاءات شعبنا في الوطن والشتات، قيادة لا تنجذب إلى الكرسي، بل إلى زيتون البلاد.
النتائج لها مقدمات، وكيفما نزرع نحصد..
الهزيمة والانتصار، كلاهما صناعة ثقيلة.