زعزعة الاسطورة الصهيونية وعودة مركزية القضية

الاحتجاجات الفلسطينية كثيرة وردود الفعل الإسرائيلية عادة ما تكون عنيفه وتأخذ شكل القتل والتدمير الممنهج لقطاع غزة. ولكن ماهو الجديد في الجولة الأخيرة؟ هناك خمسة نقاط:

– حصلت انتفاضة فلسطينية لا تتعلق بمناطق الاحتلال فقط بل داخل إسرائيل أيضاً من أجل إنهاء الاستعمار الاستيطاني ونظام الأبرتايد. ما دفع الأمور لذلك هو التمييز الإسرائيلي الفادح ضد الشعب الفلسطيني وضد تجمعاتهم وخاصة في حي الشيخ الجرّاح. وكذلك الحرية الدينية (الوصول إلى المسجد الأقصى).

– من الناحية الاجتماعية، التوتر موجود منذ سنوات عديدة داخل إسرائيل. لقد اشتبك شباب فلسطينيو إسرائيل مع يهود إسرائيليين في جميع أنحاء البلاد. ندَّد الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، بأعمال الشغب في اللد، ووصفها بأنها مذبحة (pogrom) ضد اليهود. العواقب مهمة لدرجة أن هذه المرة لن تكون مثل الأوقات الأخرى. الشرخ الآن داخل الخط الأخضر بين يهود وعرب، ليضاف الى تفاقم الشرخ بين التيارات العلمانية والدينية الأرثوذكسية اليهودية.

– توحد الفلسطينيون مع لاجئي الشتات: مظاهرات حاشدة في مخيمات لبنان وفي الأردن.

– تظاهرات في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي تضامناً مع الفلسطينيين على الرغم من جائحة كورون، وإذا لم يكن ذلك في الفضاء السياسي ولكن على الشبكات الاجتماعية. أبرزها في المغرب واليمن وتونس.

– بعض الدول العربية غير مرتاحة بنفس القدر للانتفاضة والتضامن الواسع مع الشعب الفلسطيني، لأن تصعيد العنف أعاد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى جدول الأعمال الإقليمي. وقد أوضحت الانتفاضة أن الاتفاقات المختلفة في عام 2020 بين الإمارات والسودان والمغرب ستحرج قادتها. سعت هذه الاتفاقات إلى تجاوز الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وبطموح، وإلى حد ما بسذاجة، إلى تحقيق تقارب سياسي مع إسرائيل دون مراعاة مركزية القضية الفلسطينية. هذه المركزية التي أظهرتها كل استطلاعات الرأي (المؤشر العربي أو البارومتر العربي) على ذلك.

لماذا غاب عن أذهان البعض مركزية القضية الفلسطينية؟

لقد اعتبر الصراع العربي الإسرائيلي، في العقود الأخيرة، أنه ذو «شدة منخفضة»، استناداً إلى تصنيف، يأخذ في الحسبان دائماً عدد الإصابات. ويحيّر هذا الصراع، إذ إن قلة عدد الإصابات لا تعني بالضرورة ضعف الصراع؛ بالعكس، فإن ذلك يعني شدته. ومن المؤشرات الأخرى التي أثبتت أهميتها هنا، ما يتعلّق بالمجال المكاني والأرض: الاقتلاع والاحتلال والدمار للمجال المكاني، وهو ما أطلق عليه «التطهير المكاني» (Spacio cide) .

منذ ظهور الأسطورة الصهيونية «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، تمثّلت سياسة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتجاهل سكّانها. وترسّخت هذه الأسطورة ذات الصفة التأسيسية وظهرت في طراز حديث تجلّى في سياسة «أرض أوسع وسكان أقلّ». لقد غذّا هذا التجاهل الممأْسَس للشعب الفلسطيني الممارسات الاستعمارية اليومية لدولة إسرائيل.

كيف فهم فلسطينيو لبنان مركزية الصراع؟

أثار انتباهي بنات فلسطينيات في تظاهرة في قلب بيروت وقد كتبن على لوحة “أوقفوا الحرب على غزة وعلى مخيماتنا”. لماذا كتبن ذلك؟ لأنه بالنسبة لهن المركزية الأخلاقية للقضية الفلسطينية لا تتجلى فقط باستعادة القدس، ولكن بإعطاء اللاجئين الفلسطينيين الحد الأدنى من الحقوق الاجتماعية-الاقتصادية. هل يعتبر حصول الفلسطيني على حق العمل خطوة نحو التوطين؟ هل إمكانية تملك الفلسطيني بعد مكوثه إلى 4 أجيال هو انتهاك لحق العودة؟ طبعاً لا. من يستخدمون فزاعة التوطين هم الذين يبدأون دائماً بمقولات عن حبهم لفلسطين أو عدائهم للإمبريالية والصهيونية ووقوفهم مع تحرير كامل التراب العربي، ولا ننسى القدس طبعاً. وكأنهم يقولون لنا إن تحرير فلسطين يتم فقط عن طريق سحق فلسطينيي لبنان وتهجيرهم، وذلك بمنعهم من حق العمل والتملك.

أتمنى أن تكون الحرب على غزة فرصة للتفكير الأخلاقي بفداحة الظلم الذي يعانيه الفلسطينيون، ليس فقط في غزة، ولكن في كل مكان وخصوصاً في لبنان. لم يعد في الإمكان فصل عدالة القضية الفلسطينية عن العدالة الاجتماعية والتوق للديمقراطية في كل الدول العربية.

عن جسور

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *