النص الكامل: 

رسائل “لجنة المعرفة والحرية” (1)

ليس من السهل أن تكتب عن حالة نضالية وطنية رمزية، وفي نفس الوقت عن رفيق السلاح والخندق والكتائب، ورفيق القيد والزنزانة. وعندما تكتب عن الأخ والصديق ورفيق الدرب القائد الوطني الفتحاوي زكريا زبيدي، فإنك تستحضر سجلاً طويلاً وسيرة نضالية متميزة: فهو ليس نموذجاً نضالياً ورمزاً كفاحياً بذاته، بل أيضاً تجسد سيرته وسيرة أسرته نموذجاً فريداً من التضحية والفداء، فهو شقيق شهيدين كبيرين، وأمه شهيدة، وتعرّض جميع أفراد الأسرة طوال العقود الماضية للاعتقال والتعذيب، وقضوا سنوات طفولتهم وشبابهم الأول في الزنازين والسجون، حيث عاش معي عدة سنوات أشقاؤه يحيى وجبريل.

إن الأخ المناضل زكريا عبّر عن نموذج المناضل الذي يجسد الانتماء للوطن والقضية والشعب، فالانتماء ليس وظيفة، وإنما مهمة وطنية جوهرها التضحية والفداء، وزكريا نموذج منفرد: فهو القائد في الكتائب وقائدها في جنين، وهو المصاب والجريح، وهو المطارَد الذي كان عصياً على الاستعمار الصهيوني وأجهزته الاستخبارية، وهو الذي حُرم من التعليم، وعندما أُتيحت له الفرصة حصل على البكالوريوس وتقدّم للماجستير، وبذل جهداً فريداً في تطوير نفسه. والأهم بقي فدائياً شجاعاً، لم تُثنِه أو تغيره أية امتيازات، بل ظلت المقاومة للمستعمِر تسري في شرايين دمه، فحمل السلاح مرة أُخرى عندما كانت الغالبية الساحقة من الكوادر والقيادات تلهث وراء المصالح الذاتية والمكتسبات الصغيرة. وعندما اعتُقل زكريا مرة أُخرى، أظهر عزيمة وصموداً كبيرين. وفور دخوله السجن باشر في الإسهام في العملية الثقافية والتعليمية والنضالية، وأكد عزمه على إتمام مساقاته ورسالة الماجستير في جامعة بيرزيت رغم كل الظروف القاهرة، إلى أن جاءت عملية “نفق الحرية” التي عبّرت عن إرادة وشجاعة قلّ نظيرها من قِبَل الأخ زكريا وإخوانه الأبطال الذين رفضوا الاستسلام لواقع الأسر ونحتوا في الصخر وحفروا في التراب لبلوغ نور الحرية.

إن الأخ والصديق الحبيب، ورفيق الدرب والسلاح زكريا، نحت اسمه بين رموز الجيل الجديد ليكون الأبرز والأشجع، ليؤكد على مبدأ لطالما دعونا ولا زلنا ندعو له وهو مبدأ المقاومة الشاملة الذي يتقدم فيه القادة الشجعان الأوفياء الصفوف في معركة التحرر الوطني، ويرفضون العيش عبيداً لدى المستعمِرين ويُوفون بقسمهم لشعبهم ووطنهم. وأقول في هذه المناسبة، إن إرادة المقاومة للاستعمار الصهيوني تزداد قوة يوماً بعد يوم، وخصوصاً أننا نشهد أنه وبعد مئة عام ويزيد على الغزو الاستعماري الاستيطاني لبلادنا، أنه يعيش في قلب فلسطين من النهر إلى البحر سبعة ملايين من الفلسطينيين، وهم فاعل حضاري وثقافي وسياسي واقتصادي وإنساني، وليسوا رقماً إحصائياً أو كمّاً ديموغرافياً، مقابل سبعة ملايين من اليهود. مع الإشارة إلى أن هناك سبعة ملايين فلسطيني في الشتات والمهجر وبلاد الاغتراب لا زالت تعيش فلسطين حية نابضة في قلوبهم وعقولهم ووجدانهم.

مروان البرغوثي: معتقل في سجن “هداريم”، زنزانة رقم 28، فلسطين المحتلة

عن مجلة الدراسات الفلسطينية العدد 132

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *