رســـالة إلـــى صـــديـــق !

أين أنت يا بشار، صديقي الساخر البشوش، الذي كتبتَ في عمان: ” أنا شهوةُ أبي وأمي” ؟

أما زلتَ في هذا العالم، أم رحلتْ؟

.. انقطعتْ أخبارنا.

بالنسبة لي يا صديقي: ما زلتُ أعيش حالاً من اللاإستقرار.. وأيضاً الغثيان والتساؤل عن كل شيء.

يحزنني أن آكل خبزاً، وأشرب قهوة، وأحتسي نبيذاً أحمر بدونك.

ويحزنني أكثر، أنني لم أعد أرى التماعة عينيك وأنت تحمل زجاجة النبيذ الأحمر.

سـأجيب على سؤالك المعتاد، عن قدمي: ما زالت على وضعها، أفضل من الوضع السياسي!

لا تكترث بها يا صديقي، القدم للمشي فقط، المهم الرأس.

..أخبرك أنني كبرتُ كثيراً.

أحمل على كاهلي 69 عاماً، أتوكأ على عصا ليس لي فيها مآرب أخرى، فمي ما زال معوجَّاً قليلاً بفعل طلقة الحاكم العسكري الصهيوني أبراهام عوفر في الخليل في 5 حزيران 1969 عندما كان عمري 17 عاماً، وفي قدمي ما زالت هي هي: 60 شظية لا غير، من رصاص الأعداء، لا الأشقاء، الحمد لله!

لم أعد أراك ولم أستطع معرفة أخبارك، لأن “المخابرات الشقيقة” أبعدتني عنك وعن البلاد، منذ 9/ 9/ 1998.

لم يشفع لي عندها لا صفتي “مناضل” لم يقاتل سوى العدو الصهيوني، ولا صفتي “كاتب” عضو في رابطة الكتاب الأردنيين، ولا الفلسفة في رأسي، التي نهلتها من الشهيد ربحي حداد في سجن عسقلان عام 1970، قبل أن أنالها شهادة دكتوراة من بلغاريا عام 1991.

احتراماً لي، أبعدتني “المخابرات الشقيقة” من مقر المخابرات إلى حدود دولة شقيقة أخرى بسيارة “مرسيدس” خضراء. طوال الطريق، تصببتُ عرقاً من حر الصيف، ومن معصميَّ، من “الكلبشات” الجديدة اللامعة المكتوب عليها: MADE in U.S.A، تصببتْ الإهانة لي وللصناعة الوطنية.

على أية حال، أخبرك يا صديقي، إنني أعيش الآن خارج كل العواصم العربية، الطاردة لا الجاذبة.

أعيشُ، مثلك، على قليل من الامل.. وكثير من السخرية.

وأنت، بلا شك، كبرتَ وتغيرتْ ملامحك. لكنني واثق أن شيئاً واحداً لم يتغير فيك: التماعة عينيك وأنت تحمل زجاجة النبيذ الأحمر.

طبعاً، لقد حزنت أنت، مثلما حزنت أنا، لرحيل صديقنا جهاد هديب، الذي قال:

” إننا نعيش، لأنه ليس هناك خيارات أخرى متاحة “

أنت تعرف، كم هو قاسِ وموحش أن نكون بلا أصدقاء، أو نصير بلا أصدقاء، الأصدقاء الذين يساعدونا في عبور الحياة، وعواصم الغرب تقتل فينا أشياء كثيرة، لكنها لا تقتل الحنين، بل تغذيه، والنبيذ الأحمر يستدعي الغناء الحزين، مثل غناء العراقي، لكنه لا يجلب نعمة النسيان.

بالنسبة لي، ليكن واضحاً لك: ما زلتُ على قيد الحياة.

لكن، مرة أخرى: أين أنت يا بشار؟

وقبل كل شيء، أجبني:

في أي عالم أنت؟

هل رحلتَ؟

أم ما زلتَ مسجلاً في دفتر الحياة؟

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *