رسالة مفتوحة لمحمد بن زايد – أسبوع تحت الاحتلال
متابعة لما قالته حنان عشراوي في بيانها بأنها لا تتمنى للأمير محمد بن زايد، أن يتعرض بلده للسرقة «وألا تشعر أبدا بألم العيش في الأسر تحت الاحتلال؛ آمل ألا تشهد أبدا هدم منزلك أو قتل أحبائك. وألا يتم بيعك أبدا من قبل أصدقائك».
ولذا أود أن آخذك في رحلة قصيرة لمدة لا تزيد عن «أسبوع احتلال» لتعيش التجربة، وتتذوق ما يعانيه الفلسطينيون صباح مساء، ويوما بعد يوم، وأسبوعا بعد أسبوع. لا أريد منك إلا أن تتابع أفعال هذا الكيان الغريب من نوعه، والمكون من لقطاء من كل العالم، جاؤوا إلى بلد عامر بالخيرات والموارد الطبيعية والمياه، ما ظهر منها وما غار في بطن الأرض، حباها الله مناخا جميلا على شاطئ المتوسط، ومدها بالأنهار والبحيرات والينابيع الرقراقة، والجبال الشاهقة، والسهول الغنية والوديان السحيقة، والبوادي الدافئة والآثار العظيمة، والمقدسات النادرة التي لا مثيل لها في الدنيا، لكن هذا ليس موضوعي وقد أعود إليك ثانية أحدثك فيها عن فلسطين التي وصفها الرب بأنها تفيض لبنا وعسلا.
حديثي اليوم عن المعاناة والوجع، والمواجهة، والظلم والقهر، والجرائم التي أتحدى أحدا في هذا الكون أن يأتينا بأفظع منها. هل سمعت بحجز جثامين الشهداء لمدة تزيد أحيانا عن ثلاثة أشهر، وإعادتها مثلجة بعد منتصف الليل، وإجبار أهل الفقيد على دفن الجثة فورا؟ وأنا أكتب هذا المقال وصل عدد الجثامين المحجوزة إلى 66 وعدد المدفونين من الشهداء في مقابر الأرقام 254. هل سمعت في التاريخ أن كيانا يجبر صاحب البيت، الذي قرروا هدمه بأن يهدم بيته بيديه؟ هل تعلم أن المستوطنين ينتظرون لساعة قطف الزيتون، عصب الاقتصاد الفلسطيني، فينزلون بسلاحهم ويجمعون الغلة، وكأنها من زراعة أيديهم، ثم يحرقون الشجر ويخرجون تحت حماية الجيش؟ هل سمعت ببلد يمارس هذه السادية في القهر مثل هذا الكيان المسخ؟ هل سمعت على مرّ التاريخ بمحكمة عسكرية تحاكم الأطفال دون سن السادسة عشرة؟ ودعنا نستعرض عينة فقط من معاناة الفلسطينيين من أبناء عرقك ودينك ولغتك وتاريخيك وحضارتك، وأنت تعرفهم جيدا لأنهم ساهموا في بناء بلدك، وعلموا تلاميذها، وعالجوا مرضاها وأناروا شوارعها وأداروا بنوكها وشركاتها.
الوضع في غزة
لنبدأ الجولة من غزة المحاصرة المجوّعة المدمرة، بعد أربع حروب وثلاث عشرة سنة من الحصار. وأريد أن أذكرك بأن حليفك الأول في المنطقة، الذي ساهمت في وضعه في السلطة، وموّلت انقلابه كاملا، الرئيس عبد الفتاح السيسي، قد أطبق فك الكماشة الآخر على القطاع، فاكتمل الحصار الخانق تماما منذ عام 2013. تقرير برنامج الأغذية العالمي الصادر هذا الأسبوع يقول إن 86% من أطفال القطاع دون سن الخامسة لا يحصلون على المواد الغذائية الضرورية لنمو طبيعي و28% من النساء المرضعات لديهن نقص في مادة الحديد، وأن معظم سكان القطاع اضطروا للتخفيف من كمية وأنواع الغذاء، للتعامل مع نقص المواد الغذائية. لقد ارتفعت نسبة الانتحار في غزة بشكل غير مسبوق، بسبب انسداد أبواب الأمل، فخلال الأسبوع الأول من شهر يوليو انتحر ثلاثة شبان، فقد أطلق الشاب سليمان العجوري (23 عاماً) الرصاص على رأسه، داخل منزله بمنطقة الأبراج، التي بناها والدكم المرحوم الشيخ زايد في بلدة بيت لاهيا وسميت باسمه، وألقى أيمن الغول من مخيم الشاطئ نفسه من الطابق الخامس، أما الشاب إبراهيم ياسين (21 عاما) فقد توفي متأثرا بجروح أصيب بها إثر إحراق نفسه في مخيم الشاطئ. كل هذا ناتج عن الحصار الظالم الذي تفرضه دولة الاحتلال.
ثم يصل وباء كورونا إلى قطاع غزة ليضاعف من مآسيه، فقد وصل معدل الإصابات اليومية نحو 70 حالة، ليصل مجموع الإصابات، وأنا أعد هذا المقال إلى 356 إصابة وأربع وفيات. وهذا رقم كبير بالنسبة لسجن بشري يتكدس فيه أكثر من مليونين، في 340 كيلومترا مربعا. الغارات الجوية من أصدقائك الجدد الذين تستقبلونهم في المطارات بالترحاب لا تتوقف. والإصابات التي تلحق بالمواطنين الأبرياء في تصاعد يومي، لقد قدّم قطاع غزة منذ انطلاق مسيرات العودة في 30 مارس 2018 إلى الآن على الأقل 265 شهيدا. وأتمنى عليك أن تراجع الطريقة التي أُعدمت فيها كل من الممرضة رزان النجار والصحافي ياسر مرتجى والطفلة الرضيعة ليلى الغندور البالغة من العمر ثمانية أشهر. حتى الصيادون لا ينجون من نيران أصدقائك، فخلال الأسبوع الماضي أطلقت النيران على خمسة صيادين، كما أطلقت النار 8 مرات من خلف السياج العازل على فلاحين يعملون في أراضيهم. ومع كل هذه المعاناة يخرج الغزيون يتظاهرون وينظمون المسيرات، ويتدربون على منازلة العدو، رغم انقطاع الكهرباء لمدة عشرين ساعة يوميا.
اقتحامات الأقصى
المسجد الأقصى «الذي باركنا حوله» حسب اتفاقية العار التي وقعتها، سيتحول إلى مكان عبادة لكافة الأديان، مخالفا بهذا قرار اليونسكو، الذي أكد أنه حصريا وقف إسلامي. صباح الاثنين الماضي قام 117 مستوطنا، بينهم 30 طالبا من طلاب المعاهد الدينية، باقتحام باحات المسجد الأقصى، وأدوا صلوات وطقوسا تلمودية في الفترة الصباحية. لقد أصبحت الاقتحامات شبه يومية، ولذلك نحذرك من الذهاب للصلاة في الأقصى، عندما تحل ضيفا على حلفائك، فقد تقع ضحية للمستوطنين، إذا نجوت من غضب الفلسطينيين. لقد وصل عدد المستوطنين الذين اقتحموا باحات المسجد الأقصى في شهر يوليو نحو 2764، وهو ضعف عدد المقتحمين في شهر يونيو، فهؤلاء مصممون على بناء الهيكل المزعوم على أنقاض الأقصى، بتشجيع من المسيحيين الصهاينة من جماعة ترامب وبومبيو اللذين زيّنا لك الرذيلة.
يوميات الضفة الغربية
دعني أراجع معك بعض ما جاء في تقارير الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان خلال الأسبوع الأخير: فقد استشهد طفل وأصيب 16 مدنيا في أنحاء الضفة الغربية. أصيب عشرة في رام الله، من بينهم طفلان أثناء المواجهات، وأصيب اثنان في كفر قدوم، واثنان في جنين، واثنان في طولكرم أثناء الاحتجاجات على مصادرة الأراضي. كما قام المستوطنون باقتلاع 259 شجرة زيتون. لقد قامت سلطات الاحتلال بـ111 عملية اقتحام في أرجاء الضفة الغربية، اعتقلت على أثرها 105 مواطنين من بينهم خمسة أطفال وسيدة. كما هدمت أربعة منازل من بينها، يا سيد بن زايد، ثلاثة بيوت أجبر أصحابها على هدمها، وبهذا الهدم يصل عدد البيوت المهدومة إلى 487، ما أدى إلى تشريد 612 مدنيا، ليضافوا إلى قائمة المقتلعين محليا.. وقد أقامت قوات الاحتلال 62 حاجزا عسكريا مؤقتا، إضافة إلى مئات الحواجز الثابتة التي تذيق الفلسطينيين كل أنواع الذل والهوان. في الخليل دهس مستوطن مساء الأحد قطيع أغنام لراع من بلدة يطا قرب الخليل اسمه عايد عبادة الشواهين، قُتل وجرح عدد منها. وفي يوم الأحد نفسه أطلق جنود الاحتلال قنابل غاز مسيل للدموع قرب مستشفى في الخليل، فاصيب على أثرها 25 شخصا من قسم الباطنية، وقسم مرضى كوفيد – 19 أخلوا من المستشفى لإجراء الإسعافات الأولية.. هذا غيض من فيض ممارسات أصدقائك.
شعب يدافع عن وطنه
نود أن نلفت انتباهكم إلى أن الخنجر الذي غرسته، أصاب الشعب الفلسطيني في الظهر، لا تقل لي قيادات وانحراف وانقسام، فهذا ليس من شأنك ولا يجوز أن يستخدم حجة للخيانة، فالشعب الفلسطيني قدّم منذ عام 2008 إلى اليوم 5585 شهيدا بمعدل 465 شهيدا في السنة، أي لا يمر يوم بدون أن يدفع هذا الشعب العنيد ثمن النضال. وقد بلغ عدد الضحايا من الفتيات 244 ومن النساء 564 ومن الأطفال دون سن الثامنة عشرة 1004، وقد وصل عدد الشهداء خلال العام الحالي ولغاية 31 أغسطس 27 فلسطينيا، أي بمعدل ثلاثة كل شهر. ودعني أذكر سيادتك بعدد الجرحى خلال عام 2019 فقط فقد بلغ 15369 من بينهم 42% احتاجوا لعلاج و13% أصيبوا برصاص حي. فهل تعتقد أيها الأمير أن هذا الشعب سيتخلى عن وطنه؟ إنه يعرف معنى الوطن والانتماء للوطن وقيمة الوطن، ولا يقبل بديلا عنه لو عرضت عليه كل مداخيل النفط والغاز الخليجي. ستبقى قضية فلسطين محرقة للخونة والمفرطين والمهرولين، بها تقاس الكرامة والحرية والشموخ والعزة، فمن انتصر لها رفعته الجماهير فوق رؤوسها، ومن فرط بها وخان داست عليه الجماهير وتابعت المسيرة.