رسالة إلى زائر الفجر “أسامة ومنار في يوتوبيا الأحلام”
ردا على رسالة الأسير ” أسامة الأشقر ” : ( عاشقان من بلد الغيم ) .
عزيزي البطل أسامة الأشقر ..
صباح الشفق الأبيض يا زائر الفجر ، صباح الفجر الطلق في صومعة الأسير أيها العالمُ المحاصر بالعزلة وشيزوفرينيا الظل التي تَسِمُ نُسّاكَ ما بعد الحداثة …
صباح المُشتهى من الأحلام ، على بوابة الفراشات المتثائبة فوق قوس المُنحنى حين يخمل الأداء الكهربائي للدماغ ، وينشط التدفق الكهرومغناطيسي للنعاس ، بما يحفز معدل التسارع المَحْجَرِيّ لاقتفاء أثر التداعي الصوري في عالم الرؤى، يردفه تباطؤ بموجات الجهاز العصبي ،يسرق الأسير من ملكوت اليقظة ، ليلج به إلى دار الإمتاع والمؤانسة : جمهورية الأحلام !
***
عزيزي أسامة …
لقد كُتِبَ على ابن القلم أن يتحقق وجوديا عبر مسالك مجازية ، هي الطرق الوحيدة التي يصل بها إلى واقع مفقود ومنشود ،تغدو فيه المخيلة سيدة المجاز ، و الأم العذراء للأحلام المُحرمة ، فإن كانت القضبان لم ترضخ بعد لهذا التحليق الصوفي المسحور ، فليس مهما ، طالما أن الانعتاق لا يحتاج إلى أجنحة ولا إلى عراء رحب……. كل ما هنالك لحظة إنسانية خاصة ، تحت مشكاة لا شرقية ولا غربية – لفجر سري ينثال من آنية الحنين ، المنصوبة كحديقة الأحلام في مشهد الشرفة التي تطل كقُبلة مدلاة من أصيص موسيقي باذخ !
ليس بمقدور أحد سوانا أن يرى أحلامنا، ولأن الأحلام لا تقبل القسمة إلا على نائم وحيد، فليس من الطبيعي إذن أن يرى شخصان نفس الحلم في نفس اللحظة ، لأن لكل امرئ منامه، ولكل امرئ أطروحته البيوكيميائية ، التي تتراءى له في أحلامه كنبوءة أو فكرة أو تحليل أو حَل .
نعم الأحلام هي أيضا حلول استنتاجية لا منطقية ، وهي التعويض الأجمل عن الواقع المرير، لأن الحلم مساحة مفتوحة على مغامرات قد لا يستوعب الواقع مسافاتها الزمنية أو مقاماتها وآفاقها الانتقالية !
مع المنار ، يتسع الحيز الامتدادي والتفاعلي للحلم ، الذي يتشاركه عاشقان في وسادة واحدة، لتصبح الرؤى هي حاصل القسمة على إغماضتين :
منام الحبيب و حبيبة المنام !
***
يا أيها العاشق …
منارك هي الحقل البكر لحلم مختمر، يمارس انصهاره بثمالة الالتحام بين طيف و طيف، لا يتراءان سوى لمن يراهما في حلم يقظة، ومن قال أن الكاميرات بوسعها أن تلتقط صورا للأحلام؟
طيف المنار، تيار لا مرئي لعصائب إشعاعية، تخترق عدسة القُمرة أو الغرفة المظلمة ” الكاميرا “، لأن الآلة البصرية لا تتمتع بحس إدراكي يكفي لاختزال انبساط قوس المطر فوق زجاج الماء البئري ..
كم يغدو طيف المنار كريستاليا في أحلامك يا زائر الفجر!
من يجرؤ على اختراق الأحلام؟
كل كاميرات العالم وقدراتها التكنولوجية لن تستطيع أن تلتقط ولو صورة واحدة لتشكل كرة الطيف البلوري التي تتصبب من فرن الروح ؟؟؟؟؟
***
الله يا زائر الفجر …
كيف يستطيع السجان القبض على الحب؟ وأنت الذي ما همك لو تعطلتْ الكاميرات أم لم تتعطل، مادامت أنفاس العشق غير قابلة للتغليف أو الحجر الاجتماعي الذي تفرضه التابوهات القبلية، أو الأعراف العمياء، أو حراس الظلمات، ومن قال إن للظلمات قلب يا صاح!
لا غرابة أن يأتيك الحب بلا موعد ولا استئذان، ولا تصريح بالزيارة، فالحب كائن أسطوري، يستطيع أن يمارس فنون الاختباء والتخفي، بكامل حضوره الذي يلغي الحدود ويكسر القيود ويتجاوز القضبان، ويراوغ السجان.
في بلاد الغيم – اليوتوبيا السابحة فوق سماء السماء ، يتصاعد الأثير على جناحي الوسائد الوثيرة بالأحلام الطازجة ، كخبز الجنة الذي تأكل منه عصافير الخلود ، و طيور الأبدية …. أنهار مقدسة تتدفق من عربات الفجر اللذيذ، وأمطار الحب المعتقة، كرياح بحرية ترطب حرير النوم، وملاءات الغيم ..
أية منار هذه التي تتنقل بين مدينة الآلهة وجزيرة التفاح ، وبحيرة الحوريات ، وصولا إلى يوتوبيا الكريستال ؟؟؟؟
أية منار هذه التي تزور زائر الفجر ، قادمة من أقصى شمال الأحلام ، كإكسير الحياة ، و عقار الذهب المقدس ، تخطف الأسير من زنزانته ، مسافرة عبر بوابات الجحيم ، لتمسك بيد عاشقها ملك الخواتم السحرية الخبيئة في ينبوع الشباب الدائم ، وخزنة الشمس الوردية بين يبوس و ممالك الأبدية ؟
***
يا زائر الفجر ..
في هذا العالم المادي الرخيص، يتبادلون الأموال، و العملات والمصالح والغنائم، ولا من أحد يتبادل الأحلام، سوى عاشقين من بلد الغيم، يتفاعلان بالإيحاء ، و يلتقيان بالحنين ، و يندمجان بالطيوف ، و ينصهران بحجر الماء .. الله ما أعذب الانتماء بالانضواء، وما أرق التموُهَ بالتماهي ، والتجلي بالاحتواء !