عزيزي
سألتني: لماذا توقفت عن الكتابة؟ وأضفت أنا أحب كتابتك يا رجل. قلت لك توقفت بداعي القرف لا غير يا صاحبي، فأنا أشعر بعدم الجدوى، وأنّ ما نشهده أكبر من كل كتابة ممكنة، تبدو الكلمات عاجزة عن اللحاق بالأحداث اللاهثة. في زماننا نشاهد عرضا مباشر كيف تقتل الأحداث الكلمات. ولكني مثل كل المرات السابقة، أتراجع اليوم عن قراري لأكتب لك، فأنا أصلا لا أملك سوى الكلمات. هي أسلحتي للسخط والحب والحرب وللكتابة لك. أنت تعرف جيدا كم أعاني من التردد، وليس من الغريب أن تصفني بالمتردد، فأنا كذلك حتى عندما أبدو بمظهر الحاسم والحازم، هي صورة خارجية أصطنعها، أحاول من خلالها إخفاء هشاشتي الداخلية. فأنت أكثر من يعرفني يا صاحب عمري.
اشتقت لك يا صاحبي، واشتقت إلى حياتي هناك حيث أنت، لا أصدق أنني منذ أربع سنوات لم أراك، ولا أصدق، ولا أريد أن أصدق أنني ممكن أن لا أراك أبدا. هو الحلم ذهبنا وراءه، فكان أن شردتنا القذائف، و«نعفتنا» في كل مكان، لم أجد تعبيرا أفضل منه عن حالة شتاتنا المستمر والمتبدل يوميا. هل كان علينا أن نقبر الحلم ونكتفي بالكابوس؟! ألا يحق لنا أن نحلم، بأن نعيش كما يعيش البشر، حياة طبيعية عادية ومملة؟! هل كان علينا نعيش الخوف من المهد إلى اللحد؟! أليس من حقنا أن نختار الأغاني والوجوه التي نراها معلقة على جدران المدينة؟! كل هذا الدم كان من أجل أن نعيش مثل الآخرين؟!
كم كان الحلم بسيطا وكم كان مكلفا.
أعرف يا صديقي أن الصمت يقتلك، فأنت لا تملك حتى ترف الكلام أو الصراخ في وجه الجلاد، هذا الترف الذي نملكه نحن المنفيين، لنحتج دون جدوى على الدماء المحيطة بك وعلى قتل ودمار ذهبا بعيدا، ليخطفا الأجمل بيننا. كم هي الحياة ظالمة يا صاحبي، وكم هي مُفاجئة!
أريد أن أخبرك كل شيء، كما جلساتنا الحميمية، عندما كنا نحكي عن الحب والشعر والموت والله والديكتاتور والأدب الرديء… كم أحب تجليك في الكلام الصادر عن القلب مباشرة في ليل دمشق الذي يخفي قذارتها النهارية. كم كنت أحب إيقاع أقدامنا على أحجار المدينة في نهاية ليلها/ ليلنا الجميل، قبل أن نصحو في نهار آخر لنصطدم بقذارة المدينة من جديد.
لن أطيل عليك، سأكتب لك دائما، ولا أنتظر جوابا منك..
اعتن بنفسك. وعليك أن تعرف كم أحبك..
بكل محبة
سمير
(كتبت هذه الرسالة قبل خمس سنوات، واشعر انها ما زالت نازفة)