رسائل أسامة …كسرت القيد والصمت
في هذا الزمن الفلسطيني المشوه قدّم الشهيد الأسير خضر عدنان درسا في الحرية والكرامة، أكد أن الحفاظ على الكرامة اثمن ما في الوجود، وأن الارادة والعزيمة والتمسك بالحق وقوة الحق جديرة بالدفاع عنها حتى ولو كان الثمن هو الموت جوعا وعطشا…رحمك الله أيها الشيخ والمناضل.. فأنت الآن حرٌ وحرُّ وحرُّ..
وفي السياق ذاته يمكن القول أن المعجزة ولا غيرها، هي جمعت قلبين يباعدهما سجان ظالم، ومحتل إسرائيلي سرق أرضنا، ولم يستطع أن يسرق أحلامنا…نعم هي المعجزة ولا شيء يمكن أن نسميها…قلبان يجتمعان، وروحان تأتلفان دون أن تلتقيا…
أسامة الأشقر الأسير المحكوم بالسجن ثماني مؤبدات وخمسين عاما، كسر سطوة السجان، ألم يقل أسامة واصفا لحظة اللقاء بقوله: قلبان يتخاطبان في لحظة حنين لم ينجُوَا من نظرات الاستهجان، قلبان يتهامسان في حضرة الغازي لسيادة الوطن والتراب وأنفاس العشاق، قلبان يتغازلان على الرغم من الساعة والوقت المترنّح وآلات التفتيش وخشونة الأصفاد، قلبان يطاردان الحلم في البساتين وبين شلالات الحياة وسط الصحراء وبين أنياب الأفاعي.
وتكتب منار لأسامة : سأنتظره قبل موعده وبعد موعده، وأنتظره فلن أجفل من ثقل الزمن فوق جدائلي، سأبقى بكامل زينتي وصبري وأنتظره، سألمع خاتمي كل سنة، وأنتظره إلى ان يرحل الليل والسجان وينكسر القيد، سأنتظره حتى يعلن الوقت أنه لم يبق غيرنا الان وفي الغد.
وها هو أسامة يصر على كسر سطوة السجان، ويتحداه من داخل المعتقل، يكتب رسائله إلى حبيبته منار، رسائل تفيض بقوة الإرادة، وحلم لا ينكسر…يمضي أسامة في رسائله التي كسرت قيد المحتل، وهشمت سطوة دولة الأبارتهيد الإسرائيلي ليخوض منولوج داخلي مع البحر والسنبلة والشمس، ليحاور شكبير ونزار قباني وحاتم الطائي وجابوتنسكي وجورج أورويل وغيرهم، ليحاور القدر، والحرية… لربما نحن الذين نستمتع بالحياة لا نعلم ماذا يعني أن يحاور أسير كل ذلك… إنه الإصرار على الحياة، إنه كما قال شاعر الإنسانية محمود درويش: نحن أحياء وباقون وللحلم بقية… أسامة يمارس في رسائله التي كسرت القيد والصمت فعل البقاء، واستمرار الحلم والتمسك به…
من يقرأ رسائك كسرت القيد، تصيبه الدهشة، دهشة إصرار أسير على كسر قيد المحتل، وهو الأسير الذي نظن أن لا حول له ولا قوة، بل جعلنا نشعر بأننا نحن أسرى أمكنتنا ، وأسرى واقعنا السياسي المتهالك، وأسرى عدم الفعل والمبادرة…دهشة أصابتني بحجم التعاطي الإيجابي مع رسائله، تعاطي يبرز حجم قضية الأسرى في الوجدان العربي عموما، وفي وجدان المثقفين والناشطين العرب والفلسطينيين خصوصا.
أسامة جعلنا في كتابه: رسائل كسرت القيد ندرك تماما أن القضية الفلسطينية،باعتبارها القضية الاستعمارية الوحيدة في العالم التي لم تحل بعد، ولم يتم تفكيك النظام الاستعماري الاحلالي فيها، جعلنا ندرك من خلال رسائله أن رغم وضوح القضية إلا أن هذا الوضوح بحاجة دائما إلى مدافعين جيدين عنه.. جعلنا ندرك أن فكرة الوضوح، لا يمكن أن نأخذها في إطارها المجرد، دون أن تشكل طريقا للنضال لكي يصبح الوضوح أكثر وضوحا وأقرب تحقيقا للحلم الفلسطيني بأننا أصحاب قضية واحدة ومصير واحد وشعب واحد وسردية واحدة.