ردا على “رؤية” عريقات…الترقيع والإنكار ليس حلا لأزمة العمل الوطني الفلسطيني


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

بعد النكبة ولسنوات طويلة، شهدت بعضها وانا طفل، كانت سيدات البيوت النشيطات تلجأن إلى عملية “الترقيع”، كجزء من المجهود المالي لتوفير ميزانية اساسية لحياة العائلة الفلسطينية ودعما للميزانية المتواضعة التي يأتي بها رب العائلة من عملة في بساتين اليهود بعد ن تم السطو على اراض اللاجئين واراضي فلسطينيي 48، او في ورشات البناء في المجتمع الإسرائيلي، فكن يرقعن السروال أو الجاكيت لأفراد العائلة او تجمع بقايا الملابس الرثة لتوصلها مع بعض وتصنع “طراحة” او حتى “لحاف” – كفرشة او غطاء للنوم.

الامور تطورت جديا، بحيث اصبحت عملية الترقيع نهجا سياسيا مركزيا للمتنفذين في السياسة الفلسطينية. فقبل شهرين طلعت علينا الفصائل بعد اجتماع “رام الله-بيروت” ببيان الفصائل كجزء من مواجهة صفقة القرن، والمعروفة بخطة القرن، والتطبيع الإماراتي-البحريني مع إسرائيل. وقبل يومين نشر عريقات “رؤيته الجديدة” لمواجهة صفقة القرن.

على نفس نهج مبادرات سابقة، وخصوصا اتفاق القاهرة، دعت قيادات فصائلية الى الرد على مبادرة “صفقة القرن” وما تلاها من اتفاق بين الإمارات واسرائيل على التطبيع بينهما، وبعدها اتفاق البحرين واسرائيل، من خلال اتفاق فصائلي فلسطيني لرد منهجي على هذا التطورات من خلال اتفاق على اعادة الاعتبار “للعمل الوحدوي”. وقد تم التعبير عن هذا التوجه من خلال بيان “مؤتمر رام الله-بيروت” (2/9). فقد تداعت الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك بحضور رئيس لجنة المتابعة العليا لقضايا المواطنين العرب في إسرائيل (محمد بركة)، الى لقاء للتداول في توحيد الصف الفلسطيني على خلفية تحدي صفقة القرن والتطبيع بين الامارات واسرائيل. وقد تكلل اللقاء ببيان وحدوي، حسبه قررت الفصائل المجتمعة “رفضها المطلق لجميع المشاريع الهادفة إلى تصفية قضيتنا الوطنية، وتجاوز حقوقنا المشروعة، كما تؤكد رفضها لأي مساسٍ بالقدس ومقدساتها المسيحية والإسلامية…وتدين كل مظاهر التطبيع مع الاحتلال، وتعتبر ذلك طعنةً في ظهر الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية”، مع التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في النضال بالطرق المشروعة ضد الاحتلال ولأجل تحقيق تقرير المصير المتمثل بإقامه دولة مستقلة كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، والقدس المحتلة عاصمتها، كما انهاء الانقسام بين حماس وفتح، أو بين سلطتي الضفة وغزة، واقامة لجنة “من شخصيات وطنية وازنة، تحظى بثقتنا جميعا، تقدم رؤية استراتيجية لتحقيق إنهاء الانقسام والمصالحة والشراكة في إطار م. ت. ف الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني”.

لا اعتقد بان هنالك حاجة للاجتهاد كثيرا لأجل تبيان ان هذا البيان لا يختلف جوهريا عن عشرات البيانان السابقة التي تناولت، بأشكال مختلفة، نفس المضامين، ولم يتعامل جديا مع الوضع الفلسطيني المتردي، والذي وصل منذ زمن الى الفشل التام في تحقيق اي من المطالب الوطنية، كما لم يتعامل مع اي من الاعطاب الجدية التي لحقت بالقضية الفلسطينية، وهو اقرب الى نص انشائي فوري، كان من الممكن ان يصدر عن اي لقاء بين ممثلي فصيلين فلسطينيين او اكثر، ويتجاهل المطالب التي تم التعبير عنها في عشرات الورشات والندوات والمقالات والمطالبات التي تطفو على منصات التواصل الاجتماعي خاصة، والاعلام عامة. فمثلا، لا توجد مناقشة لحقيقة تردي وضع منظمة التحرير، وحقيقة عدم اجتماع المجلس الوطني بشكل فعلي وحقيقي منذ أوسلو، وتضخم أعضاؤه –بالإضافة لوفاة بعضهم وتقدم بعضهم بالسن بشكل لم يعودوا قادرين على القيام بدورهم، كما موضوع استثناء قطاعات ومجموعات فلسطينية جدية –اهمها الفلسطينيون من مواطني اسرائيل- من التمثيل فيه وبشكل أفقد المجلس والمنظمة القدرة الحقيقية على العمل كممثل لعموم الفلسطينيين.

اساسا لم تتم مناقشة ما يسمى المطلب الوطني بإقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع –وهو نفس النهج الذي اوصل الفلسطينيين الى هذا المشروع واعتباره “المشروع الوطني”- وهو مشروع توجد عشرات الدلائل على عدم امكانية تحقيقه، عدا انه يستثني اجزاء مهمة من الشعب الفلسطيني من الحل لما يسمى “القضية الفلسطينية”. ولم تتم مناقشة جدية للأخطاء الخاصة بالفلسطينيين أنفسهم، والتي ساهمت في وصولهم الى حالة التردي والضياع، وعلى راسها الاتفاقات مع اسرائيل منذ اوسلو (1993)، وخصوصا ان من يقف الان على راس المنظمة والسلطة هو محمود عباس، الذي وقع بنفسه على اتفاق أوسلو (1993) أي منذ 27 عاما، وأشرف على الاتفاقات التي تلته، وجميعها معطوبة ومجحفة بالحق الفلسطيني، كما تصوره وسوقه نفس الشخص في مناسبات كثيرة[1]. كما لم تتم مناقشة ما نجم عن ذلك من تبعية اقتصادية وامنية رسمية لفلسطينيي الضفة والقطاع، لإسرائيل –برغم قرار وقف التنسيق الامني، لم يتم وقفه وهو مستمر حتى الان- ولم تم مراجعة الاهمال المتعمد من قبل قيادة السلطة والمنظمة للقدس ولأهلها، كما لقضايا اللاجئين، والتراجع في الحضور الشعبي والرسمي في دول ومجتمعات كانت حتى اوسلو تقف اجمالا مع الحق الفلسطيني، ولم تتم مناقشة الفساد وإدارة المال العام من قبل مكتب الرئيس وكانه ملك شخصي، بدون شفافية ولا كشوفات صرف لائقة بسلطة تريد ان تتحول لدولة، والاهمال والاعتداء على نشطاء ومتظاهرين فلسطينيين، وخصوصا عند محاولتهم التصدي لأشكال الاحتلال. وادهى شيء برايي، هو انه عموما، نفس الاشخاص الذين اوصلوا الشعب الفلسطيني الى هذه الاخفاقات وغيرها مما لا يتسع المقام لها هنا، بما في ذلك المشاركة الفعالة في احداث الانقسام والتفتت الداخلي –هنا من الممكن الرجوع عينيا للصور والاحداث التي رافقت عملية الانقلاب المتبادل عام 2007، للتأكد من ضلوع نفس الاشخاص بدور مركزي في الاحداث آنذاك، وهم الان يحاولون اصلاح ذات الخلل!

قبل يومين أصدر “منتدى التفكير العربي بلندن” كراسة لـ صائب عريقات امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية (وكبير المفاوضين الفلسطينيين)، وهو نفسه الذي اعترف ضمنيا بتورطه في مواقف ومفاوضات منافية للحق الفلسطيني، بعدما كشفت الجزيرة وثائق المفاوضات السرية واستقالته من رئاسة لجنة المفاوضات، لتتم ترقيته الى منصب اهم كأمين سر اللجنة التنفيذية. واستمر في موقعة المتنفذ في قيادة التفكير والعمل الفلسطيني مع زملائه، مما أوصلنا الى ما نحن فيه من ضياع وتيه.

قرأت رؤية عريقات بتمعن، ولم اجد اي رؤية ولا حتى فكرة جديدة، بل ترقيع” لأفكار ثبت فشلها التام ومساهمتها في الضياع. لم يجد عريقات في كتيبه الجديد فرصة للاعتراف بفشل نهجه تحديدا، ونهج السلطة عموما، لم يتطرق لحقيقة دوره في كل مفاصل التراجعات والاخفاقات خلال ثلاثة عقود كاملة، مع حفظ دورة في أمور أخرى قد تكون مفيدة. لا يوجد في الكراس أي حيز لدعمه مشروع اوسلو، ولا لتفاصيل المفاوضات التي اديرت بأسوأ نهج ممكن، ولا بسوء اقامة المؤسسات في السلطة ولا الفساد الاداري والمالي ولا اعتقال النشطاء الفلسطينيين الذي استمروا في العمل الشعبي ضد الاختلال وضد سياسات السلطة تجاههم، ولا بتفاصيل الفشل الفلسطيني، داخليا وعربيا ودوليا، ولا بدوره في مساندة الانقلاب على الخيار الديمقراطي لفلسطينيي الضفة والقطاع في انتخابات 2006.

اعاد عريقات تدوير افكار لم تؤد ولن تؤدي الى شيء، سوى ابقاء الفلسطينيين في نفس دائرة  الفشل. واسوأ اقتراح لعريقات في “رؤيته الجديدة”، هو نقل السلطة الى دولة، وهو مشروع اعلن عنه قبل سنوات وتم التعبير عنه في قبول فلسطين عضوا مراقبا في الامم المتحدة.  اي قلب الوضع الحالي لدولة، وهو تماما ما أعلن عن رغبته به كل من نتنياهو ويعلون جهارا عندما قال “فليعلنوا الفلسطينيون دولة او امبراطورية، المهم من خلال الوضع القائم” مما يتيح للإسرائيل الادعاء بأن الدولة قائمة وان تقرير المصير للفلسطينيين قد انجز. قد يقول عريقات ومن يؤيده بأنه يتصور دولة اخرى وحق تقرير مصير اشمل، لكن اليست السياسة هي في إطار الممكن كما أعلن عريقات في نفس الرؤية؟ ام انه يتوقع ترجمة الاعتراف العربي والدولي بدولته المعلنة بإنزال قوات في تل ابيب واجبارها على قبول رؤية عريقات؟ هل هنالك استهانة بالحق الفلسطيني أكثر من هذا؟

باختصار بيانات انشائية، بعد اجتماع استعراضي او من خلال اعادة تدوير فشل شخصي، هدفه المحافظة على نفس الاشخاص كمتصدرين لمشهد قاموا هم انفسهم بالتحضير له والمساهمة به. وادهى الامور التي تبعت ذلك، هو بيان “ترجمة” لقرارات القيادة، بالبدء في انتفاضة فلسطينية ضد الاحتلال وعموم الوضع المتردي، باختصار، من عمل جاهدا على هدم المجتمع المدني الفلسطيني، بكافة تجلياته، وهو الذي حضر الارضية للانتفاضة الاولى (1987-1991)، كما تسبب في “الابتعاد عن السياسة” وافسد الحالة الفلسطينية عموما، كما قمع بشكل مباشر عمليات الاحتجاج ضد ممارسات الاحتلال، يريد الان ان يتصدر المشهد ببيانات، ويبدو ان من يترجم قرارات القيادة بهذه البيانات، لا يدرك ان الانتفاضة هي عمل شعبي عام يتجند له ابناء الشعب تلقائيا، ولا تتم الدعوة له ببيانات، بل تأتي البيانات بعد ذلك، لتنظيم العمل الشعبي او لوضع مطالب الثوار على الاجندة. غريب امر القيادة الفلسطينية، الى درجة السذاجة، او بالأحرى التطلع للاستفادة من كل الاوضاع والسيناريوهات المحتملة!

ضمنيا، اتفاق القاهرة وبيان بيروت-رام الله، وعشرات البيانات الاخرى وعلى رأسها “رؤية عريقات” تتجاهل الاشكالات الجدية التي اوقعت بها الحركة الوطنية الفلسطينية، وتسعى هذه المبادرات والبيانات للحفاظ على الموجود واعادة استنساخه، واهم شيء انها تحاول انتهاج حلول تقنية مثل “شراكة في منظمة التحرير” او “حكومة وحدة أو طوارئ” أو “حكومة تكنوقراط”، او حتى تقسيم “كعكة السلطة” كما حاول الجانبان في مفاوضات القاهرة والدوحة، هذه المبادرات ليست الحل لأنّها تتباين مع الحركة الوطنية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، على مستوى السلطة الوطنية الفلسطينية وفي الضفة الغربية وقطاع غزة. فالأزمة عميقة واسعة الانتشار، وتتصل بالعديد من دوائر الحياة.

اي نهج جدي للمستقبل يتطلّب تحولا جذريا في العقلية التي تحكم العمل السياسي الفلسطيني، وعودة الى الشعب الفلسطيني كمرجعية وحيدة لإعادة اقامة حركته الوطنية الواحدة، وذلك يكون فقط من خلال  تحوّلات جوهرية داخل النظام الفلسطيني ورغبة في اعتماد المبادئ الديمقراطية بأكملها، لا عندما تكون مناسبة لمن يتولّون زمام السلطة. واهم ما يمكن ان يقوم به الفلسطينيون لأجل الخروج من المأزق الحالي هو اجراء انتخابات فلسطينية عامة، لعموم ابناء الشعب الفلسطيني، وذلك ممكن جدا في ظل الوسائل المتاحة من خلال استعمال التقنيات الالكترونية الحديثة، في هذا المضمار. مما قد يفتح المجال لإحراء تغيير شخصي جدي يبعث المتنفذين، على راسهم محمد عباس وعريقات وغيرهم لبيوتهم وايقاف فشلهم عند الحد الذي اوصلونا اليه، وبعدها فتح المجال لرؤيا فلسطينية جديدة وجديرة وحقيقية، وليست نتاج عملية ترقيع.

 

[1] هنا مهم التنويه الى ان الاشخاص الذين وقعوا وخططوا من الجانب الاسرائيلي لنفس الاتفاق، ورغم إنجازاتهم التاريخية في إخضاع الشعب الفلسطيني للإرادة الإسرائيلية، جميعهم اجبروا على ترك مواقعهم، واختفوا نهائيا عن الساحة. اذكر منهم على سبيل المثال: بيلين، سافير، زينغر، وعشرات الاسماء الاخرى التي اختفت عن الساحة تماما، كما تم اقصاء شمعون بيرس نفسه من مناصب تنفيذية قبل وفاته، رغم انه غير موقفه والتحق بموقف شارون في الاعوام 2001-2006، من ناحية ثانية طبعا معروف ان رابين قد اغتيل من قبل معارض يميني متطرف. هذا يشير الى ان الفشل معناه التنحي وفتح الباب لأخرين، وهذا ما حدث إسرائيليا، ولم يلب الطرف الفلسطيني  ابسط انواع تحمل المسؤولية والتنحي في حالة الفشل، وهو مؤكد وواضح.

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

مؤلف: أسعد غانم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *