ربع سكّان غزّة مُهدّدون بالإبادة

تفيد دراسة صادرة عن مجلّة «ذا لانسيت» العلمية الطبّية إن عدد الشهداء في قطاع غزّة في خلال الأشهر التسعة الأولى من حرب الإبادة هو أعلى بنحو 41% من الأرقام التي تعلنها وزارة الصحة الفلسطينية. لا تعبّر هذه النتائج الصادمة عن فظاعة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزّة فحسب، بل تدحض أيضاً كلّ مزاعم الاحتلال التي شكّكت بأرقام وزارة الصحّة الفلسطينية واعتبرتها مُضخّمة في محاولة لتخفيف وطأة جرائمها، وتبيّن بوضوح المسار الإسرائيلي المُمنهج لإبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره وتطهيره عرقياً.

ربع سكّان غزّة مُهدّدين بالإبادة

بحلول 30 حزيران/يونيو 2024، أفادت وزارة الصحة الفلسطينية أن حصيلة شهداء الحرب وصلت إلى 37,877، لكن فريق الباحثين في مجلّة «ذا لانسيت» في كلّية لندن للصحّة والطبّ الإستوائي، تمكّنوا من تحديد 64,260 شهيداً وشهيدة في قطاع غزة لديهم هويات معروفة في خلال الفترة نفسها. ما يعني أنه بحلول نهاية حزيران/يونيو 2024، قتلت إسرائيل نحو 2.9% من عدد سكان قطاع غزّة قبل الحرب، أي فلسطينياً واحداً من أصل كل 35 فلسطينياً كانوا يقيمون هناك. كما يعني بحسب الدراسة نفسها أن عدد الوفيات ربّما تجاوز الآن 70 ألف شخصاً بالمقارنة مع نحو 46 ألف أعلنت عنهم وزارة الصحة الفلسطينية بحلول 8 كانون الثاني/يناير 2025.

استخدم الباحثون نهج «الالتقاط وإعادة الالتقاط» (Capture-Recapture)، الذي استُخدم سابقاً لتقدير عدد القتلى في حروب أخرى حول العالم. واستند التحليل إلى بيانات مُستخرجة من 3 قوائم مختلفة: القائمة الأولى وفّرتها وزارة الصحة في غزة للجثث التي تم التعرّف إليها في المستشفيات أو المشارح. وبُنيت القائمة الثانية بالاستناد إلى استطلاع أطلقته وزارة الصحة عبر الإنترنت ويبلّغ فيه فلسطينيون عن وفاة أقاربهم. أما القائمة الثالثة فقد استندت إلى بيانات النعي التي تنشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

وبعد تجميع القوائم، جرى التخلّص من البيانات المُتداخلة، ولم تحتسب الوفيات التي لم يكن لديها رقم بطاقة هوية وغير مُعرّف عنها باسم واضح، فيما أبقي على الهويات الواضحة فقط، وذلك لسدّ الفجوة في بيانات وزارة الصحة الفلسطينية التي تدهورت قدراتها على الاحتفاظ بسجلات إلكترونية للوفيات بسبب انقطاع الطاقة والاتصالات والاستهداف المباشر للمستشفيات أو عمليات المداهمة.

مع ذلك، يقتصر العدد المُعلن في الدراسة على الوفيات المباشرة الناجمة عن إصابات الحرب المباشرة، ولا يشمل الوفيات الناجمة عن عوامل أخرى تسبّبت بها الإبادة الجماعية للسكان والمكان والتدمير الممنهج للعمران والحصار المطبق للتجويع والتعطيش، والتي ستظل تحصل حتى بعد توقف القصف والغارات والقنص، مثل تداعيات نقص الرعاية الصحّية وقطع الغذاء والمياه والطاقة عن السكّان وتدمير البنية التحتية المدنية والصحية والطاقوية والمائية فيه. ففي دراسة سابقة نشرت في تموز/يوليو 2024 عن عدد الأشخاص الذين قد يموتون لأسباب غير مباشرة مرتبطة بالحرب العسكرية، قدّرت «ذا لانسيت» أنه في مقابل كلّ وفاة بسبب إصابة مباشرة بالحرب قد يموت 4 آخرين جراء عوامل أخرى افتعلها حرب الإبادة الإسرائيلية. وإذا احتسبنا هذه الفرضية فوق الضحايا المباشرين، فقد يرتفع عدد الضحايا المحتمل إلى 321,300 شهيداً وشهيدة بالاستناد الى تقديرات باحثو «ذا لانسيت» في حزيران/يونيو 2024، وصولاً إلى ما لا يقل عن 350 ألف شهيداً وشهيدة بحلول كانون الثاني/يناير 2025 فيما لو توقفت الحرب حالاً.

وأيضاً لا يشمل هذا العدد أكثر من 10 آلاف مفقود يقدّر أنهم مدفونين تحت الركام بحسب تقديرات مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ولا يشمل كذلك آلاف الأشخاص الذين عجزت الدراسة عن تحديد هوياتهم وبقيوا مجهولي الهوية.

ما يعني أننا نتحدّث عن ما لا يقل عن 440 ألف شخص قضوا أو سيقضون في الإبادة الجماعية على مدى الشهور والسنوات المقبلة. فبحسب دراسة لمشروع كلفة الحرب الذي يعدّه معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة في جامعة براون، فإن أكثر من 70% من ضحايا الحروب التي تورّطت فيها الولايات المتحدة الأميركية بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، لم يُقتلوا مباشرة بفعل العنف والصراع بل  نتيجة الجوع أو المرض أو التلوّث البيئي أو الانهيار الاقتصادي أو التعرّض لصدمات نفسية جراء الحرب. لقد حصدت الحروب الأميركية في أفغانستان والعراق وباكستان وليبيا والصومال وسوريا واليمن، حياة نحو 4.5 مليون شخص على الأقل، فيما لا يزال يعاني ملايين غيرهم من آثارها المدمِّرة على الرغم من مضي سنوات على انتهاء بعضها.

وإذا أضيف إلى عدد الشهداء في غزة، وعدد الشهداء المحتملين الذين قد يموتون جراء الآثار غير المباشرة للحرب، أولئك الذين غادروا القطاع منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ويقدّر جهاز الإحصاء الفلسطيني عددهم بنحو 100 ألف شخص، فهذا يعني أننا نتحدّث عن ما لا يقل عن 540 ألف شخص، أي 24.5% من مجمل سكان غزة، ربما تكون إسرائيل قد نجحت في التخلّص منهم في حرب الإبادة المستمرّة منذ 15 شهراً على التوالي، ونجحت بتحويل غزّة إلى مكان غير قابل للحياة بمشاركة أميركية وغربية مباشرة. 

عن موقع صفر

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *