رؤية “ملتقى فلسطين” لإعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية وليس ردا على بيان الفصائل الـ14…

لم يأت اجتماع الفصائل الـ 14 (3/9)، على قدر التحديات والمخاطر التي يتعرض لها شعبنا وقضيته وحركته الوطنية، في هذه المرحلة، بل كان مخيبا للآمال، إذ تحول إلى مهرجان خطابي لفصائل معظمها لم يعد له مكانة في أوساط شعبنا في الداخل والخارج، ولا دور في الصراع ضد إسرائيل، ولا هوية فكرية أو سياسية مميزة، وهي فصائل تدين بوجودها لنظام الكوتا، أو لهذه الدولة أو تلك، أو لحال الاستقطاب بين فتح وحماس.

هكذا لم نشهد في ذلك الاجتماع أي نقاش جدي، ولم تطرح أية أسئلة، ولم نلحظ أية مراجعة لحال التدهور الذي وصلت إليه قضيتنا، وأحوال شعبنا، وحركتنا الوطنية، إذ بدا معظم الخطباء منفصمون عن الواقع، حريصون على تبادل المجاملات فيما بينهم، في حين جاء البيان الصادر عنهم على شكل إنشاءات عامة مكررة ومستهلكة، تدعو إلى المقاومة الشعبية، وإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة والشراكة الوطنية، والعيش في ظل نظام ديمقراطي وسلطة واحدة، كأنها ليست هي القيادة المسؤولة عن كل ذلك، وعن غياب أو تغييب كل تلك العناصر، وقد تم ترحيل كل شيء إلى لجنة ستحيل الأمر إلى المجلس المركزي، ما يذكر بقرارات سابقة، ضاعت فيها القضايا بين اللجان ولا مبالاة المعنيين.

فوق كل ذلك فإن تلك القيادات لم تهيئ ذاتها، ولا شعبها، لمواجهة الاستحقاقات والتحديات والمخاطر الكثيرة، من خطة ترامب (صفقة العصر) إلى خطة نتنياهو (ضم أجزاء من الضفة) إلى خطط التطبيع العربية مع إسرائيل، لذا فهي المسؤولة عن افتقادنا أوراق القوة اللازمة لتدعيم موقفنا، أو مكانتنا، في الصراع ضد إسرائيل، فمنظمة التحرير باتت مهمشة، لصالح سلطة تحت الاحتلال، والفلسطينيون في الخارج، أي اللاجئون، باتوا خارج المعادلات السياسية، بعد أن انتقل مركز الثقل إلى الداخل، وبعد أن أضحت المنظمة مجرّد فولكلور فلسطيني، أو مجرّد منبر للمناسبات. أما بخصوص السلطة فهي في أضعف حالاتها، بسبب الانقسام وبحكم أفول الشرعية وبواقع ضعف مبنى الحركة الوطنية الفلسطينية، سواء على صعيد المنظمة أو الفصائل، وبحكم الفجوة بين مجتمعات الفلسطينيين والقيادة في الداخل والخارج، وغياب، أو ضعف، حواضن العمل الوطني الفلسطيني العربية والإقليمية والدولية، في الظروف والمعطيات الراهنة.

ما الحل؟ أو ما البديل؟  جوابا على ذلك من المؤكد أن لا أحد يملك، في هذه الظروف، ترف التبجح بأنه يمتلك حلا جامعا مانعا، سيما أن الوضع في الساحة الفلسطينية بات في غاية الصعوبة والتعقيد، بحكم غياب القيادة الجماعية والعلاقات الديمقراطية وتهميش الأطر الوطنية وغياب الحراكات الداخلية، مع إدراكنا أن الأزمة الوطنية الفلسطينية هي من النوع الشامل، أي أزمة في نمط التفكير والكيانات والعلاقات وأشكال الكفاح. تأسيسا على ذلك فقد كان “ملتقى فلسطين” قدم منذ أكثر من عام، رؤية سياسية وطنية “توازن بين معطيات الواقع الراهن والطموح، بين الممكن والمرغوب؛ مع الأخذ بالاعتبار التحديات الجديدة، على المستويين الداخلي والخارجي، والردود اللازمة أو الواجبة”، وفقا للمبادئ الآتية:

1 ـ إن أي حل دائم لقضيتنا يجب أن يقوم على قيم ومبادئ العدالة والحرية وحقوق الإنسان وتقرير المصير والمواطنة الديمقراطية؛ وعلى التطابق بين الشعب والأرض والقضية؛ وتصحيح الظلم المتمثل بالنكبة (48) واحترام الهوية والرواية الوطنيتين.

2 ـ النضال للتخلص من الطابع الاقتلاعي/الاحلالي، والاحتلالي/ الاستيطاني/، والاقصائي/ العنصري لإسرائيل، بشكل يبرز من خلاله التفوق الأخلاقي/ الحقوقي لشعبنا، وفق الوسائل المشروعة بحسب القانون الدولي، وعلى راسها المقاومة الشعبية السلمية، مع التأكيد على الوجه الأخر لهذا النضال المتمثل بالعمل الجدي والدؤوب لتنمية وتمكين الفلسطينيين في مختلف أماكن وجودهم، كما يتمثل بإعادة بناء الأطر القيادية الفلسطينية الجامعة، وفي مقدمتها م.ت.ف.، على أسس قويمة، ديمقراطية وتشاركية وكفاحية، لتتمكن من قيادة النضال مجددا من اجل العودة وتقرير المصير والتحرر الوطني.

3- الفصل الوظيفي، الإداري والقانوني، بين السلطة و م.ت.ف. في الضفة، والسلطة وحماس في غزة، بحيث تتفرغ الأولى (أي السلطة)، وبعد إعادة شرعنتها بالانتخابات التشريعية والرئاسية، لتقديم الخدمات لشعبنا في كل من الضفة وغزة، وتنمية مؤسساته العامة وتعزيز صموده، بينما تستأنف الثانية (أي م.ت.ف.)، وبعد إعادة بنائها، دورها في قيادة النضال مجددا من اجل العودة والحرية والاستقلال، وذلك الى جانب رعاية شؤون الفلسطينيين والعمل على تعزيز وحدتهم وفي مختلف تجمعاتهم، خاصة في بلدان اللجوء والشتات. (النص كاملا في الرابط https://wp.me/pbemW1-AB)

لكن مساهمة “ملتقى فلسطين” لم تقتصر على تلك الرؤية السياسية، لإدراكه أن الحوامل أو الكيانات أو الفصائل القائمة غير قادرة على حمل مهمات سياسية، مهما كان مستواها، بسبب ترهلها وتكلسها وتقادمها، وعلى هذا الأساس طرح الملتقى رؤيته حول ضرورة، عدم انتاج الماضي، عبر إعادة بناء البيت الفلسطيني (منظمة التحرير) وفقا للمبادئ التالية:

1 ـ شعب فلسطين، في كافة أماكن وجوده، هو شعب واحد، مع الأخذ في الاعتبار الخصوصيات القانونية والسياسية لكل تجمع من تجمعاته، وباعتبار منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل لشعب فلسطين، وكيانه السياسي الجمعي، فإن ذلك يقتضي عدم استبعاد أي تجمع من التجمعات الفلسطينية، وضمنه فلسطينيي 48.

2 ـ تقوم إعادة البناء، للمنظمة، وللمجلس الوطني الفلسطيني، على قواعد وطنية وتشاركية، ووفق معايير ديمقراطية وكفاحية، تأخذُ بأسلوب الانتخابات، بعيداً عن منطق المحاصصة الفَصائلية (“الكوتا”)، وعن التوافقات الحزبيَّة المصلحيَّة، حيث أمكن.

3 ـ الفصل الوظيفي والإداري بين السلطة والمنظمة، فيما يتعلق بالقيادة والمؤسسات والموظفين، ومكانة الرئاسة في الكيانين، إذ لكل منهما وظائفه والتزاماته وأولوياته.

4 ـ تأكيد الطابع المؤسسي والتمثيلي والديمقراطي والتشاركي لمنظمة التحرير، وترسيخ القيادة الجماعية والشفافية والمحاسبة في نمط عملها وعلاقتها وإدارتها، على ضوء التجربة الماضية. (لمراجعة النص كاملا في الرابط https://wp.me/pbemW1-AB)

على ذلك فإن “ملتقى فلسطين” وهو يدرك حجم المخاطر والتحديات، الداخلية والخارجية، التي يتعرض لها شعبنا وقضيته وحركته الوطنية، في هذه المرحلة، يدرك أيضا أن كل ذلك لا يجب أن يكون دافعا لليأس والقنوط، أو دافعا للتمسك بأوهام حلول ناقصة ومجحفة، مع التأكيد بأن حجر الزاوية لاستعادة استنهاض شعبنا يفترض أن تتركز في إعادة بناء البيت الفلسطيني، على أساس من الفكرة المركزية المتمثلة باستعادة التطابق بين الأرض والشعب والقضية، في الرؤية السياسية وفي بناء الكيان السياسي الجمعي (منظمة التحرير الفلسطينية).

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *