رأي محكمة العدل الدولية حول الاحتلال: العبرة في التفاصيل

أصدرت محكمة العدل الدولية رزمة مفصلة من الآراء القانونية يوم 19 يوليو في 83 صفحة، تتعلق بالاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية وآثاره على الشعب الفلسطيني، بناء على طلب من الجمعية العامة، التي اعتمدت قرارا بتاريخ 30 ديسمبر 2022 يطالب المحكمة بالإفتاء في مسألة شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، الذي تجاوز 55 سنة (آنذاك) وأثر ذلك الاحتلال على حق الشعب الفلسطيني في ممارسة حقه في تقرير المصير، والتزام الدول والمنظمات الدولية بالتعامل مع إسرائيل على هذا الأساس في حالة صدور رأي قانوني بعدم شرعية الاحتلال.
وكان القرار قد اعتمد بعد ضغوطات خرافية من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بغالبية 87 صوتا إيجابيا فقط و26 صوتا سلبيا وتصويت 53 دولة بـ»امتناع» وغياب 37 دولة. وهذا يشير بكل وضوح إلى أهمية القرار الذي فتح المجال واسعا لمحاكمة قانونية للاحتلال، الذي كما كانت تحلم إسرائيل، بأنه أصبح أمرا واقعا، وأن العالم في النهاية سيتعامل مع الكيان وكأنه لا يحتل أرضا ولا ينتهك قانونا مسوقة خرافات توراتية، تقر بحقهم في الأرض، معتقدين أن العالم سيتجرع تلك الخزعبلات عاجلا أم آجلا.

مسؤولية الأمم المتحدة الآن البحث عن وسائل لإنهاء الاحتلال ولا يجوز أن تبقى الأمم المتحدة تراوح في مكانها مكررة مقولة حل الدولتين.. المطلوب الآن إنهاء الاحتلال فورا

حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها القلائل أن يطعنوا أولا في اختصاص المحكمة، ثم ادعوا أن المحكمة تتدخل في سير المفاوضات بين الطرفين، وكأن هناك مفاوضات، وادعوا أن اتفاقيات أوسلو تجب ما قبلها وكلا الطرفين اتفقا على الدخول في مفاوضات لم تنته بعد وهذا ما رفضته المحكمة. لقد أقرت المحكمة أولا أنها ذات اختصاص، وتستطيع أن تتلقى حسب البندين 65 و96 من النظام الداخلي للمحكمة طلبا من الجمعية العامة لإبداء رأي قانوني في أي مسألة خلافية. كما أقرت أن المحكمة مؤهلة لإبداء رأي قانوني في المسألة قيد النظر، وبهذا سدت المنافذ على الجدل الإسروأمريكي حول عدم الاختصاص. أقرت المحكمة بعد ذلك:
– تحديد الأرض المحتلة: تعتبر الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة مناطق محتلة من قبل إسرائيل. وأن غزة خاضعة للتحكم المطلق من قبل إسرائيل ولذلك ينطبق عليها ما ينطبق على بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أهمية هذا الرأي القانوني أن غزة أرض محتلة، ولذلك لا ينطبق عليها قانون «حق الدفاع عن النفس»، الذي أثارته الدول الغربية جميعها، بما فيها الأمم المتحدة. إذ لا ينطبق البند 51 على أرض خاضعة أصلا لقوة الاحتلال. وهذا يثبت أن حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة منذ السابع من أكتوبر، لا ينطبق عليها قانون حق الدفاع عن النفس.
– لا شرعية للاحتلال: انطلاقا من مبدأ عدم جواز ضم الأرض عن طريق استخدام القوة المسلحة كمبدأ ثابت في القانون الدولي، أقرت المحكمة أن احتلال إسرائيل الطويل للأرض الفلسطينية منذ عام 1967 غير قانوني، ويجب على إسرائيل إنهاءه في أسرع وقت ممكن. وهذه فتوى تاريخية تساهم في نضال الشعب الفلسطيني الطويل من أجل العدالة والحرية والاستقلال في أرضه.
– الاستيطان: أفتت المحكمة، بأن على إسرائيل أن توقف فورا جميع الأنشطة الاستيطانية الجديدة، وأن تفكك جميع المستوطنات وتجلي جميع المستوطنين، وتقدم تعويضات عن الأضرار التي لحقت بجميع الأشخاص الطبيعيين، أو الإعتباريين المعنيين في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وجاء في الفتوى أن إسرائيل أنشأت المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وأقامت نظاما مرتبطا بها، وتعمل على الحفاظ عليها في انتهاك للقانون الدولي. إن سلوك دولة الاحتلال الذي يظهر نية ممارسة سيطرة دائمة على الأراضي المحتلة، قد يشير إلى عملية الضم لاسيما في القدس الشرقية والمنطقة (ج) في الضفة الغربية، وهي مصممة للبقاء في مكانها إلى أجل غير مسمى، وإحداث آثار لا رجعة فيها على الأرض. وهذا محظور بموجب حظر استخدام القوة والمبدأ الطبيعي المترتب عليه وهوعدم الاستيلاء على الأراضي بالقوة. واستندت المحكمة في هذا الرأي القانوني على قراراها المتعلق بالاستيطان والجدار العازل الذي صدر في 9 يوليو 2004 وطالب بوقف بناء الجدار، وتفكيك ما بني منه والتعويض على الفلسطينيين المتضررين. المحكمة تجاوزت الخطاب الرسمي حول حل الدولتين ولا شرعية الاستيطان، بالمطالبة بالتفكيك والإخلاء والتعويض.
– نظام الفصل العنصري: أقرت المحكمة أن القيود التي تفرضها إسرائيل على حركة الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة ترقى إلى مستوى التمييز المحظور. إن ممارسة إسرائيل المتمثلة في هدم الممتلكات الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بما في ذلك عمليات الهدم العقابية والهدم بسبب عدم وجود تصاريح بناء، ترقى إلى مستوى التمييز المحظور. إسرائيل تفرض تشريعات وتدابير تعمل على فصل شبه كامل في الضفة الغربية والقدس الشرقية بين المستوطنين والمجتمعات الفلسطينية، ما يشكل انتهاكا للمادة 3 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
– العواقب القانونية بالنسبة للدول الأخرى: أقرت المحكمة بأنه يجب على جميع الدول أن تتعاون مع الأمم المتحدة لوضع الأساليب المطلوبة موضع التنفيذ لضمان إنهاء الوجود الإسرائيلي غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإعمال الكامل لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشئ عن الوجود غير القانوني لإسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة، والالتزام بالتمييز في التعامل مع إسرائيل بين أرض إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة.
العواقب القانونية بالنسبة للأمم المتحدة: الالتزام بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشئ عن الوجود غير القانوني لإسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة والالتزام بالتمييز في التعامل مع إسرائيل بين أرض إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة، وعلى الأمم المتحدة أن تبحث عن الطرائق الدقيقة لإنهاء الوجود الإسرائيلي غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة، التي ستتعامل معها الجمعية العامة ومجلس الأمن. أي أن مسؤولية الأمم المتحدة الآن البحث عن وسائل لإنهاء الاحتلال ولا يجوز أن تبقى الأمم المتحدة تراوح في مكانها مكررة مقولة حل الدولتين. المطلوب الآن إنهاء الاحتلال فورا.
حق تقرير المصير: أقرت المحكمة أن آثار السياسات والممارسات الإسرائيلية قد أعاقت الشعب الفلسطيني عن ممارسة حقه في تقرير المصير. في حالات الاحتلال الأجنبي، يشكل الحق في تقرير المصير قاعدة قطعية من قواعد القانون الدولي. على السلطة القائمة بالاحتلال، عدم إعاقة الفلسطينيين عن ممارسة حقهم في تقرير المصير. وجاء بالنص: «إن سياسات إسرائيل وممارساتها تعرقل حق الشعب الفلسطيني في تقرير وضعه السياسي بحرية، وفي مواصلة تنميته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إن السياسات والممارسات الإسرائيلية غير القانونية تؤدي إلى تفاقم انتهاك حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير».
هناك تفاصيل كثيرة نتمنى مراجعة النص بالكامل. هذه الفتاوى تطور مهم جدا وخطوات كبرى بالنسبة لإحقاق السلام والعدالة.. من المؤسف أن الأمر استغرق حتى يوليو 2024 حتى تتمكن أعلى سلطة قانونية من تقديم هذه الفتاوى المصيرية. الان على العالم بأجمعه أن يلتزم بهذه الفتاوى ويضغط على إسرائيل للالتزام بالقانون الدولي، وإنهاء احتلال الضفة الغربية والقدس وغزة وسحب قطعان المستوطنين فورا، وتفكيك المستوطنات كي يمارس الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير. فهل سيستثمر الفلسطينيون هذه الفتاوى القانوية المهمة أم أنها ستوضع على الرف مثلما حدث مع فتوى الجدار عام 2004؟

عن القدس العربي

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *