دولة بلا استراتيجية

على مدى السنوات الثلاثين الماضية تعلمت كمستثمر أن الشركات الأكثر نجاحا يديرها رؤساء تنفيذيون يتمتعون برؤية واضحة، واستراتيجية واضحة، وقدرة على تنفيذ تلك الاستراتيجية، ويبدو أن هذه القاعدة تنطبق ايضا على البلدان .
يوجد لإيران رؤية واضحة: إنها تريد تدمير دولة إسرائيل. كما أنه يوجد لديها لديها استراتيجية واضحة: إحاطتنا بوكلاء مسلحين يهاجمون عند الطلب، وتمويل جهود ومساعي على وسائل التواصل الاجتماعي لتقويض شرعية إسرائيل في جميع أنحاء العالم، وبناء كتلة سياسية واقتصادية بديلة مع الصين وروسيا تحاول عزل إسرائيل دبلوماسيا. وتحول ايران إلى دولة عتبة نووية.
تنفيذ إيران لهذه الإستراتيجية يبدو شبه كامل .
فعلى الرغم من قرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي يقضي بحل المجموعات المسلحة في لبنان، بما في ذلك حزب الله نفسه ، فقد سمحت إيران لحزب الله خلال السنوات العشرين الماضية بتطوير قوة ردع استراتيجية ضد إسرائيل، حين قامت بتسليحه بمئات الآلاف من الصواريخ .
و ماذا فعلنا نحن من جانبنا : لقد اخترنا من الناحية التكتيكية مهاجمة بعض شحنات الصواريخ الموجهة إلى حزب الله عبر سوريا، لكننا لم نقم ابدا ببناء استراتيجية من شأنها أن تضمن التزام لبنان بالقرار 1701، سواء من الناحية الدبلوماسية أو العسكرية .
ثانياً، طورت إيران وشركاؤها أيضاً استراتيجية إعلامية تهدف الى تحويل شباب الغرب إلى معارضين لإسرائيل. وحسب تقارير وكالات الاستخبارات الأمريكية فإن إيران تمول العديد من الاحتجاجات الطلابية في الجامعات حول العالم، وحتى قبل ذلك بوقت طويل أدركت إيران وقطر وحلفاء آخرون أن معظم الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا يحصلون على أخبارهم بشكل رئيسي من شبكات التواصل الاجتماعي، وقد قام الايرانيون باستغلال ذلك وطوروا ونفذوا استراتيجية استخدام الروبوتات والحسابات الوهمية لنشر “أخبار كاذبة” عن إسرائيل.
لم يكن لدى إسرائيل ابدا استراتيجية إعلامية متماسكة و فعالة. وقام رئيس الحكومة بتعيين جاليت ديستل اتباريان في منصب وزيرة للإعلام، ولكنها استبدلت ثلاثة مدراء عامين خلال أقل من عام واستقالت بعد أيام قليلة من هجوم 7 أكتوبر ، وبرز تأثير هذا الفشل في استطلاع نشرته قبل أيام قليلة مجلة “جويش كرو نيكل “. اللندنية التي وجدت أن 64٪ من الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عامًا يعتقدون أنه يجب “استبدال” إسرائيل بفلسطين.
ثالثاً، استغل الإيرانيون الحرب الروسية مع أوكرانيا والتوترات بين الولايات المتحدة والصين فيما يتعلق بالتجارة وتايوان، وساعدوا في الدفع لتحالف بديل للتعامل سياسياً ودبلوماسياً مع الغرب وخاصة مع إسرائيل وينشط هذا التحالف في أمريكا الجنوبية وأفريقيا، ويساعد في تعزيز وتمويل المبادرات المناهضة لإسرائيل في البرازيل وجنوب أفريقيا . ومرة أخرى، لم تتمكن وزارة خارجيتنا، التي تعاني من نقص حاد في الميزانيات، من مواجهة هذا التحدي. علاوة على ذلك، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية رفضت الجواب الاستراتيجي الوحيد – إقامة تحالف دفاعي اقليميي مع السعودية . وقد بذل الرئيس الأمريكي جهد كبير في سنة انتخابية ليوافق على إقامة مظلة دفاعية للمنطقة، فقط ليرى كيف تم تفويت هذه الفرصة لتعزيز الأمن السياسي والاقتصادي لإسرائيل على المدى البعيد . وفي لقاء عقد مؤخراً، أشار السفير الأميركي لدى إسرائيل، جاكوب لوي، إلى أن إسرائيل لم تكن ملزمة بالاعتراف بدولة فلسطينية من أجل التوصل إلى هذا الاتفاق مع العربية السعودية وكان لزاما عليها فقط أن تتعهد باجراء مفاوضات حول مستقبل المناطق.
رابعاً، مع غمزة ماكرة وابتسامة عريضة، أراد سياسيون إسرائيليون أن تتحدث وسائل الإعلام عن مدى ذكائنا في قتل علماء نوويين إيرانيين وكيف أخرجنا ملفات الوثائق النووية الإيرانية من إيران. لكن ماذا استفدنا من تلك “الانتصارات” التكتيكية ؟ أعلن وزير الخارجية الامريكي لينكولن قبل بضعة أسابيع أن إيران على بعد أسبوعين من الحصول على المادة اللازمة لصنع قنبلة نووية . ورغم كل تفاخرنا، لم تكن لدينا استراتيجية واضحة لمنع تحول إيران إلى دولة عتبة نووية .
ومن المؤسف أيضا أننا نرى عدم وجود استراتيجية واضحة في إدارة الحرب الحالية أيضاً. لقد دمرت إسرائيل قطاع غزة إلى حد كبير، لكن ليس لديها استراتيجية واضحة أو واقعية لإدارة غزة في المستقبل أو ضمان عدم إعادة بناء حماس. أفضل ابنائنا “أمضوا” عشرة أشهر في محاربة حماس . ما الذي تم إنجازه ؟ المخطوفون مازالو هناك ولا تبدو نهاية واضحة للعملية . كيف يمكن إزاحة حماس إذا لم يتم إيجاد بديل لإدارة غزة بدلاً من حماس؟
وفي الأسبوع الماضي، نفذت الحكومة مرة أخرى عمليات تكتيكية دون استراتيجية واضحة. لقد أثار اغتيال اسماعيل هنية و فؤاد شكر ذعراً أولياً بين الإيرانيين وحزب الله، ولكن ماالذي يفعلونه لمصلحتنا استراتيجياً ؟ من المفترض أن هذه الهجمات زادت من قوة الردع لدينا. كيف ؟ بمقدور الإيرانيين أن يتسببوا في أضرار جسيمة للاقتصاد الإسرائيلي بمجرد الاستمرار فقط في التهديد بمهاجمة إسرائيل، دون مهاجمتها فعلياً . وطالما استمر التهديد، لن تحلق شركات الطيران الأجنبية هنا، ولن يستثمر المستثمرون الأجانب هنا، وسيبقى جنودنا الاحتياطيون في الميدان وليس في أماكن عملهم. من المستحيل أن يكون هناك صناعة سياحة بدون سياح، ومعظم المستثمرين لن يستثمروا في مكان يخشون زيارته، ومعظم الشركات لا تستطيع العمل بدون موظفين. إذن، ما هي استراتيجية الحكومة إذا استمر الإيرانيون في التهديد بالهجوم دون الهجوم فعلياً ؟
لقد حان الوقت للقيام بما ستفعله أي منظمة تواجه تحديات صعبة. لقد حان الوقت لتشكيل حكومة مكونة من أشخاص يتمتعون بالذكاء والخبرة والمزاج والقدرات اللازمة لإنقاذ البلاد ووضع استراتيجية محسوبة ومدروسة وقابلة للتنفيذ حتى لا ندمر الهدية الرائعة التي حصل عليها جيلنا، وهي بلد خاص بنا.
المصدر: موقع كلكليست العبري