دعوة إلى طي صفحة “المثقف الملتزم”

في مجتمعنا فائض كبير من “المثقفين الملتزمين”، وأقصد الكثير ممن نراهم في الأحزاب والحركات السياسية والأيديولوجية. هناك فائض منهم حدّ التُخمة،
مثقفون ملتزمون حتى النُخاع بقضايا شعبهم منخرطون في “نضالاته” منتشرون على مدار الساعة والحيّز. ستراهم أينما ذهبت. كلّهم يُعلنون أنهم معنيون بتغيير أوضاع مجتمعهم وواقعهم ويتخذون هيئة الحداثة أو ما بعدها. ستعجب بخطابهم وتنبهر. وستبحث عنهم في الميدان فماذا تجد؟
قسم منهم يتحرّك بحذر السائر على الزجاج لا يريد أن يُزعِل أحدا حدّ الالتغاء نهائيا دون أثر.
قسم آخر يرقص على إيقاع القبيلة الحزبية أو الدينية أو الإيديولوجية أو الهويتيّة بحجة الالتزام بقضايا جماعة الانتماء.
مثقّف يقدّس الهوية كأنها دين أو إله، ويكفّ عن السؤال ويجمد في مكانه صنمًا أو دمية ضاحكة!
قسم منهم “يحبّ” بلده فيلتصق بقفا كل رئيس مجلس ويستظلّ بسخافاته وخوائه ـ لكنه سيأتي إليك في نهاية الأسبوع بقصيدة مليئة بالكرامة أو الأخلاق أو نقد الرذيلة.
لدينا ما يكفي من مثقفين ملتزمين حدّ التدجين والترويض والانصياع والامتثال لصوت جماعة الانتماء. وهم جميعا جزء من الأزمة الراهنة وتكريس التهافت والتردّي وهدر الإمكانات.
فهل نطوي صفحة “الالتزام” الذي آل إلى تجربة رديئة وضحلة وكسولة، ونفتح صفحة الاستنارة القائمة على نقد الذات ونقد النقد. لقد أهدرنا ما يكفي من وقت ومن موارد وفُرص.