تمكن د. ناصر القدوة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح من خلط أوراق الساحة الانتخابية، عبر إعلانه بأنه ذاهب مع مروان البرغوثي باتجاه تشكيل قائمة لخوض انتخابات المجلس التشريعي القادمة. بحسب المقطع المصور المنتشر له عبر اليوتيوب، يصرح القدوة “علينا أن نأخذ تنظيمنا إلى مصافه الطبيعي”، موضحاً قصده من عبارة مصافه الطبيعي “موقف سياسي محترم، مفهوم، مقبول من الشارع”. ومن بعد ذلك “الانفتاح على القوى الفلسطينية الحية…على مستقلين، على يسار سابق، على منظمات مجتمع مدني، على رجال أعمال وطنيين”. مخاطباً مروان البرغوثي بأنه يجب أن يكون جزء من هذه الحالة، ولا يجوز أن يكتفي بالقول أنه يدخر نفسه لسباق الرئاسة، معلناً موافقته ودعمه لترشح مروان للرئاسة. يستنتج من تصريحات القدوة بأنه ذاهب لممارسة دور إصلاحي من داخل النظام/حركة فتح، فهو لا يطرح نفسه كبديل لتنظيم فتح، وإنما كبديل للقيادة الحالية المتنفذة في فتح، بلغة أخرى هو “لا يعترض على المعزوفة وإنما على العازف”.
أمّا بالنسبة للعلاقة مع محمد دحلان وتياره الإصلاحي، فصرح: “هذه المجموعة لا تستطيع أن تشكل حالة سياسية مقبولة ومحترمة من الشارع الفلسطيني، بالرغم من المساعدات والناس الغلابة في غزة….هذا لا يترجم إلى موقف سياسي”….وبناء عليه إذا ذهب باتجاه قائمة مستقلة عن قائمة فتح الرسمية والممثلة للرئيس عباس “أنا لا أرى وجود لأي من الرموز (رموز تيار دحلان) في هذه المجموعة (المنوي تشكيلها لمنافسة قائمة عباس)”، أمّا الشباب والصبايا والمناضلين الذين يبحثوا عن الخلاص فرحب بانضمامهم للقائمة المنوي تشكيلها. وهذا يعني بأنه يتوجه في خطابه للساخطين (من أبناء فتح في قطاع غزة) على أداء الرئيس عباس، والذين يشعرون بالمظلومية والتخلي عنهم، بفعل الإجراءات العقابية التي اتخذت بحق قطاع غزة على يد الرئيس عباس. بحيث يوفر لهم خيار بديل عن خيار دحلان، الذي كان يعتبر سابقاً الخيار الوحيد للفتحاويين الذين يريدون معاقبة القيادة الحالية للتنظيم، وفي نفس الوقت لا يريدون أن تذهب أصواتهم لتصب في مصلحة خصومهم السياسيين وعلى رأسهم حماس.
لمح القدوة في خطابه إلى الشعار الجامع لحملته الانتخابية بقوله: “إذا ذهبنا بهذا الاتجاه لا يمكن أن نقبل فلس واحد من أي مصدر خليجي، لا إمارات ولا قطر…الأمر يجب أن يكون فلسطيني بحت من الألف إلى الياء”، وهذا يعني بان القدوة سيرفع شعار “القرار الفلسطيني المستقل” في مواجهة منافسيه من تيار دحلان وحتى حماس، ورغم “شاعرية” هذا الشعار وعدم واقعيته، إلا أنه يبقى جاذب لقطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني الطامحة لوقف التدخلات الخارجية في الشأن الفلسطيني.
الرابحون:
هنالك عدة جهات ستربح من تشكيل قائمة جديدة لفتح برئاسة القدوة ودعم البرغوثي، على رأسها تنظيم فتح نفسه، فهذه القائمة لم تعلن نفسها كمنشقة عن فتح وإنما إصلاح لمسارها، بمعنى أنها ستعود إلى حضن فتح بعد انقشاع غبار المعركة الانتخابية، وتحديد الأوزان الانتخابية للأطراف النافذة في فتح، وبالتالي إعادة ترتيب البيت الفتحاوي بناء على هذه الأوزان. لا يطرح القدوة نفسه كبديل عن فتح، وإنما كمنقذ لها، فهو متماهي مع الخطاب السياسي للقيادة الحالية، يؤمن بنموذج حل الدولتين، واستخدام المفاوضات واللجوء للقانون الدولي كأداة لتحقيق ذلك، لكنه يضيف لفتح “النفس” الذي افتقدته بوجود الرئيس عباس، وهو نفس احترام المقاومة وعدم تسخيفها واتهامها بالعبثية، كما يفعل الرئيس عباس. ويتمظهر ذلك بالحرص على التحرك ضمن مظلة البرغوثي الذي يعتبر ممثل للتيار المقاوم في داخل فتح، والذي تم تهميشه بعد انتهاء انتفاضة الأقصى على يد القيادة الحالية.
يتوقع أن تحصل قائمة القدوة على أصواتها من ثلاثة مصادر أساسية، الأولى: من الخزان التصويتي لحركة فتح، وبشكل أساسي غير الراضين عن أداء القيادة الحالية. والثانية: أصوات الراغبين بالتغيير، ومعاقبة الحزبين الكبيرين على أدائهما في الفترة السابقة. فأحد الدوافع لتشكيل القائمة والتي أعلن عنها القدوة، هو وجود اتفاق بين (العاروري والرجوب) على قائمة مشتركة لخوض الانتخابات، مع ترشيح عباس للرئاسة. والثالثة: جمهور الناخبين الذي يحترم المقاومة لكنه لا يرغب في التعرض للحصار الذي فرض على قطاع غزة، فانتخاب قائمة القدوة (التي يدعمها البرغوثي المقاوم) لن يعرضهم للعقوبات وقطع الرواتب، كما حدث بعد انتخاب حماس سنة 2006، فالقدوة لم يعلن عدم التزامه بشروط الرباعية (الاعتراف بإسرائيل، الالتزام بالاتفاقيات الموقعة، نبذ العنف) كما فعلت حماس، مما سيجنبه الحصار وقطع العائدات الضريبية (المصدر الأساسي للرواتب).
الخاسرون:
يمكننا الإدعاء بأن تيار الرئيس عباس في فتح سيخسر كثيراً إذا تشكلت قائمة القدوة، لأن القدوة سيأخذ من أصواته بشكل أساسي، وبالتالي في حال حصلت قائمة القدوة على نسبة أعلى من قائمة عباس، فسيلقي ذلك بظلاله على الانتخابات الرئاسية، وربما سيدفع ذلك الرئيس عباس لتأجيل الانتخابات الرئاسية.
ستخسر حماس انتخابياً بتشكيل القدوة لقائمته، لأنه سيأخذ جزء من أصوات جمهورها، لكنها ستكسب على المدى البعيد، ففي حال فاز القدوة فسيكون أسهل عليها التخلي له عن إدارة قطاع غزة، مع محافظتها على سلاحها، فالقدوة لم يبدي الرغبة في العمل على تجريدها من سلاحها، وحتى لو كان راغباً بذلك، فهو لا يملك “القوة” الكافية لتنفيذ ذلك، وسينشغل في حال فوزه، بتصفية مراكز القوة المحسوبة على تيار القيادة الحالية، حتى يتمكن من مسك خيوط القيادة، وهذا سيستهلك الكثير من الوقت والجهد. علاوة على ذلك لا يعتبر القدوة من رموز حالة الانقسام السابقة، وبالتالي سيسهل على الطرفين “التفاهم”، على ضوء عدم وجود بعد “شخصي” في الخلاف، كما هو الحال مع الرئيس عباس.
أمّا دحلان فيعتبر الخاسر الأكبر من تشكيل قائمة القدوة، كونها تسحب البساط من تحت قدميه وتجرده من المبرر الأساسي لوجود تياره، وهو الاحتجاج على الإدارة الحالية لتنظيم فتح والمتمثلة بعباس، ولا يملك دحلان الوقت الكافي ليشن حملة اعلامية مضادة لشيطنة القدوة كما فعل مع عباس، ويصعب أن ينجح بذلك في ظل تمتع القدوة بدعم البرغوثي الذي يكن له الكثيرين من مؤيدي دحلان مشاعر الاحترام.
أخيراً….سيخسر دعاة التيار الثالث أو “البديل” من اليسار وغيره، الذين كانوا يمنون نفسهم بتشكيل قائمة مشتركة لتطرح نفسها كبديل عن الحزبين الكبيرين، ولتكسب أصوات الناقمين على الحزبين، وأصوات المترددين والطامحين للتغيير. لكن تشكيل قائمة القدوة سيحطم آمالهم، فقد سبقهم إلى تشكيل ما يمكن أن يعتبره البعض “البديل”. وربما يكون حبل النجاة لهم بالانضمام لقائمة القدوة في حال فشلوا في التوحد بقائمة واحدة.