خطر العودة إلى القتال: هذا هو الوقت للحسم السياسي

بالضبط على خلفية البشائر الواردة من واشنطن، لا بد من إجراء نقد ذاتي . ومن المهم أن نجرؤ على القول بأنه : لا بوجد أي أمل لنجاح خطة ترامب ، وذلك لأن مصر والأردن تنظران إلى القضية الفلسطينية على أنها مسألة خطر على الأمن القومي من الدرجة الأولى .
المملكة الأردنية الهاشمية، التي تشكل بالنسبة لإسرائيل عمقاً استراتيجياً ومنطقة أمنية أساسية ، ليست مستعدة في أي حال من الأحوال لاستيعاب فلسطينيين، وخاصة أولئك الذين أصلهم من غزة. فمن وجهة نظر الأردن، فإن هذا النوع من خطط ترامب هو جزء من مؤامرة لإقامة دولة فلسطينية بديلة على حسابها – ومثل هذا السيناريو، إذا تحقق، سيشكل تهديدًا حقيقيًا على إسرائيل . ويمكن رؤية براعم هذا السيناريو الآن، حيث يواجه الجيش الإسرائيلي والشاباك عمليات تخريبية عدائية واسعة النطاق في الضفة الغربية ، تستند على عمليات تهريب وسائط قتالية من الأردن.
ومن جانبهم ينظر المصريون، طوال السنوات الماضية منذ توقيع اتفاق السلام إلى القضية الفلسطينية كقضية مركزية، وليسوا مستعدين في أي شكل من الأشكال استيعاب فلسطينيين من غزة – وبالتأكيد عدم القيام بذلك من خلال خطة ترامب التي تسعى إلى إفراغ غزة من سكانها . ربما أن هذا يشكل حلماً رائعاً، لكنه لن يتحقق ، حتى لو عرضت على مصر مبالغ كبيرة كوسيلة للإقناع .
في هذه الأثناء، يمكن تشخيص رياح عاتية بدأت تهب في الأردن ومصر، وكذلك مقاومة متصاعدة للتطبيع في المملكة العربية السعودية – ويرجع ذلك أساساً إلى الطريقة الحماسية التي تبنى بها رئيس الحكومة وأوساط سياسية في إسرائيل خطة ترامب. ولو كان هناك احتمال معقول بأن تتحقق هذه الخطوة، فسيكون هناك بالتأكيد مجال للانفعال بها، ولكن ذلك لن يحدث – ترامب نفسه تراجع بالفعل عن بعض الخطوات التنفيذية في خطته – وهناك خوف شديد في أن يحمل الانخراط فيها مخاطرة كبيرة . لذا، فإنه يجب النظر بقلق إلى الاجتماع الطارئ للدول العربية في نهاية الشهر الجاري، عشية شهر رمضان – هذه الفترة التي تشتعل فيها المشاعر المعادية لإسرائيل . ولإسرائيل مصلحة واضحة في الحفاظ على اتفاقيات السلام مع الدول العربية، بل وحتى توسيعها لتشمل اتفاق مع السعودية . فالمحور الإقليمي المبني على الدول العربية السُنّية يشكل ضرورة أساسية لإسرائيل ومستقبلها، وقد يشكل ـ تحت قيادة الولايات المتحدة ـ جزءاً من الرد الاستراتيجي الشامل على التهديد الإيراني .
وجه الجيش الإسرائيلي ضربات مذهلة لإيران ووكلائها في لبنان وغزة، لكن الإنجازات العسكرية لا يمكن أن تقف بمفردها، ويجب أن تشكل أساسا للعمل السياسي .
تخلت إسرائيل عن المخطوفين في السابع من تشرين الأول الماضي، وهي ملزمة من كافة النواحي – الأخلاقية والسياسية والعسكرية – بإعادتهم أحياء . ومشاهد الرعب التي شهدناها في أخر إفراج عن مخطوفين دليل آخر على ذلك . لا يوجد حالياً بديل لعودتهم من خلال المفاوضات، و فقط بعد ذلك سيكون بالامكان رسم استراتيجية لمواجهة حماس حتى القضاء النهائي عليها .
يمثل التهديد الإيراني التهديد الرئيسي على إسرائيل والشرق الأوسط بكامله ، بعد تحول إيران إلى دولة عتبة نووية، واستناداً إلى حزام النار الذي أقامته حول إسرائيل محظور بأي شكل من الأشكال أن تتسلح إيران بأسلحة نووية، من شأنها أن تهدد إسرائيل ويمكن أن تؤدي أيضاً إلى سباق تسلح نووي يشكل تهديدا على الشرق الأوسط . ولذلك، استناداً إلى الإنجازات الرائعة التي حققها الجيش الإسرائيلي على سبع جبهات، من المناسب بلورة استراتيجية سياسية من شأنها أن تحول الإنجازات المذهلة التي حققها الجيش الإسرائيلي إلى عمل سياسي – يمنح إسرائيل الاستقرار والأمن . فضلاً عن منحها ضمانات لأمنها لسنوات طويلة قادمة .
أطلق نتنياهو وشركاؤه أمس تهديدات بشأن العودة إلى حرب الإبادة ضد حماس، وفي الوقت نفسه حاولوا الحفاظ على الوضع الراهن وعدم نسف الصفقة . وحتى أمام هذه التصريحات ، من المهم أن نتذكر أن تجدد الحرب في ظل الظروف الحالية قد يعرض حياة المخطوفين للخطر . هذا، إلى جانب ضرورة التوصل إلى تسويات أمنية على الجبهة الشمالية أيضاً: تعرض حزب الله لضربة ساحقة، لكنه لم يهزم بشكل كامل ، لذا يجب الوصول إلى تنسيق مع الولايات المتحدة وفي موازاة ذلك الاستعداد لمواجهة التحديات القادمة من اتجاه سوريا .
هذا هو الوقت المناسب للعمل السياسي في مجال الأمن القومي، إلى جانب تعزيز المناعة الوطنية٠ – أولاً وقبل كل شيء بمساعدة منع قانون التهرب من الخدمة الذي يمكن أن يضر بالجيش الإسرائيلي وبمناعة إسرائيل.
يديعوت أحرونوت