خطة الضمّ والتوسع الإسرائيلية والسناريوهات المتوقعة

منصور أبو كريم- خاص ملتقى فلسطين

على الرغم أن مشروع الضمّ والتوسع لا يشكل استراتيجية جديدة بالنسبة للسياسة الإسرائيلية القائمة على فكرة التوسع وضم أراضي الغير بالقوة كما حدث في عام 1967 في إطار خطة تثبيت حقائق جديدة على الأرض، إلا الحديث داخل إسرائيل عن ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية جاء في سياق أهداف تتعلق بالحملات الانتخابية في سياق الصراع القائم بين التيار الديني الحاكم في إسرائيل وبين التيار القومي، الذي يمثله القادة السابقون في الجيش الإسرائيلي حول هوية الدولة الإسرائيلية والصراع المحتدم بين التيارين بين “الديني والمدني”، والرؤية التي طرحتها إدارة ترامب فيما يعرف بـ”صفقة القرن”، التي تحدثت عن ضم إسرائيل 30 % من أراضي الضفة الغربية في إطار التسوية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين زيادة من حدة الطرح الإسرائيلي في محاولة من نتنياهو وجزب الليكود إلى تنفيذ الضمّ قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في شهر نوفمبر القادم. في هذا المقال سوف نناقش فكرة الضمّ وأهدافه، ومآلات الخطوة في ضوء التحديات الداخلية الإسرائيلية والأمريكية والموقف العربي والدولي الرافض.

معني الضمّ والتوسع
الضمّ هو توسيع وزيادة مساحة “إسرائيل” على حساب الأرض والحقوق الفلسطينية بشكل يخالف القانون الدولي والمواثيق الدولية واتفاقيات جنيف الأربعة، ويخالف أيضًا الاتفاقيات الموقعة، بما يزيد من مساحة إسرائيل لكي تصبح أكثر من 78 % من مساحة فلسطين التاريخية، بمعني اقتطاع أجزاء جديدة من 22 % – أراضي 67- المتبقية من أرض فلسطين التاريخية التي تمثل الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية وضمها لإسرائيل بناء على خطة إدارة ترامب التي تسمى “صفقة القرن” بناءً على هذه الزيادة قد تصل مساحة إسرائيل إلى 90 % من أرض فلسطين التاريخية التي تقدر بحوالي 27 ألف ك 2، كجزء من المشروع الاستيطاني التوسعي.
هذا الزيادة تخالف قرار التقسيم الذي بموجبه نشأة إسرائيل، كون أنّ قرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، قد حدد مساحة إسرائيل بحوالي 5,700 ميل مربع (15,000 كـم2) ما يمثل 57.7% من فلسطين وتقع على السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب تل أبيب، والجليل الشرقي بما في ذلك بحيرة طبريا وإصبع الجليل، والنقب بما في ذلك أم الرشراش أو ما يعرف بإيلات حالياً.
وكانت معظم هذه الأراضي تقع في الشمال، وهي أراضي خصبة وصالحة للزراعة والاستخدام الأدمي، بينما بلغت الأراضي المخصصة للدولة العربية (فلسطين) حسب قرار التقسيم حوالي 4,300 ميل مربع (11,000 كـم2) ما يمثل 42.3% من فلسطين وتقع على الجليل الغربي، ومدينة عكا، والضفة الغربية، والساحل الجنوبي الممتد من شمال مدينة أسدود وجنوباً حتى رفح، مع جزء من الصحراء على طول الشريط الحدودي مع مصر. وضع القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة، تحت وصاية دولية.
بعد حرب عام 48 زادت إسرائيل من مساحة دولتها على حساب الأرض المخصصة للدولة العربية، وأصبحت تقدر 78%، إلا أنها لم تكفتي بذلك وسيطرت أيضَا على معظم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد هزيمة العرب في حرب عام 1967، لكن العالم لم يتعرف لها بالسيادة على هذه الأرضي بناء على قرار 242 الذي رفض السيطرة على أراضي الغير بالقوة.
بشكل عام الضمّ والتوسع ليست سياسة إسرائيلية وليدة الحظة، بل هو مشروع استراتيجي إسرائيلي بدأ التفكير فيه منذ اللحظة الأولى لاحتلال إسرائيل الأرض الفلسطينية عقب نكسة العام 1967، من خلال مشروع ألون الذي رسم الملامح الرئيسية لمشروع الضمّ والتوسع الإحلالي، وتعزز من خلال سياسة الاستيطان ومصادرة الأراضي، وتهويد القدس، وترحيل سكانها. ويهدف مشروع الضمّ إلى تعديل مسار الحدود الفلسطينية الإسرائيلية، وفصل الكتلة الديمغرافية العربية بين شرق النهر وغربه، وتفتيت الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية، وعزلها لسهولة السيطرة عليها وتسخيرها كجزء من المشروع الاستعماري الصهيوني، القائم على أساس الاستفادة من الأيدي العاملة الفلسطينية وتوظيف الموارد الطبيعية لتحقيق الرفاهية للمواطن الإسرائيلي، كجزء من الرواية التوراتية التي ترى في أرضي الضفة الغربية جزء من الوطن القومي الديني لليهود في العالم.
تحديات الضمّ
على الرغم من الدعم الأمريكي الكبير لمشروع الضمّ الذي عبرت عنه إدارة ترامب عبر خطوات صفقة القرن، التي بدأت مع نقل السفارة الأمريكية والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، مرورًا بوقف تمويل الأونروا واغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، واعتبار الاستيطان ليس مخالف للقانون والدولي ولا يمثل عقبة في طريق السلام؛ إلا أن مشروع الضمّ والتوسع الإسرائيلي يواجه العديد من التحديات سواء المتعلقة بتحديات الوضع الداخلي الأمريكي لإدارة ترامب في ظل تراجع حظوظ ترامب في التجديد لولاية ثانية في ضوء فشل هذه الإدارة للتعامل مع جائحة كورونا والتظاهرات الشعبية في الداخل الأمريكي التي اندلعت عقب مقتل المواطن الأمريكي من أصول أفريقية “جورج فلويد”، والتي زادت من تحديات الوضع الانتخابي لحملة ترامب، كما أن الموقف الدولي الرافض لهذه الخطوة باعتبارها مخالفة للقانون الدولي وأسس التسوية السياسية يضع مزيد من العقبات أمام تحقيق حلم نتنياهو، حيث يشكل مواقف أوروبا والاتحاد الروسي والأمم المتحدة الذي ظهر خلال كلمات القوى الدولية والإقليمية في مظاهرة أريحا الرافضة لقرار الضمّ ضغوط إضافية في سبيل تنفيذ خطوة الضمّ، سواء في صورته الموسعة بضم أكثر من 30 % من أراضي الضفة الغربية أو ضم الكتل الاستيطانية الكبرى كخطوة رمزية، كما أن الموقف العربي الرافض وخاصة الموقف الأردني الذي عبر عنه السفير الأردني لدي السلطة الفلسطينية خلال تظاهرة أريحا أصبح يشكل عقبة كبيرة في ظل تلويح الأردن بإمكانية سحب السفير الأردني من تل أبيب وتجميد العمل باتفاقية وادي عربة، ناهيك عن الموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي الرافض لهذه الخطوة باعتبارها تمثل نهاية لمسار التسوية الفلسطيني الإسرائيلي، وتهديدات السلطة الفلسطينية بحسب الاعتراف بإسرائيل.

سيناريوهات الضمّ
رغم التحديات الكبيرة التي تواجه مسار الضمّ على المستويات الداخلية والخارجية؛ إلا أن كل الاحتمالات تظل قائمة وقابلة للتحقق، وهي تنحسر في ثلاثة سيناريوهات قابلة للتحقق وتستند جميعها على الخريطة المفاهيمية التي تضمنتها خطة ترامب للسلام التي أُعلنت في وقت سابق من هذا العام.
الخيار الأول: ضم كامل
في إطار هذا السيناريو، قد تضم إسرائيل كافة المستوطنات البالغ عددها 130 مستوطنة في الضفة الغربية على النحو المتوخى في خطة ترامب. ولا بدّ من الإشارة إلى أن 15 مستوطنة منها (تُدعى “جيوب” في الخطة) قد تقع في الدولة الفلسطينية المستقبلية لكنها ستخضع لسيطرة إسرائيل الكاملة. مع ضم كامل لمنطقة الأغوار التي تبلغ حوالي 28% من مساحة الضفة الغربية، بما يؤدي إلى ضم أكثر من 30% من الضفة، كمرحلة أولى في إطار المشروع الاستيطاني الإسرائيلي.

الخيار الثاني: جميع الكتل الاستيطانية داخل (الجدار)
من شأن هذا السيناريو في حلة تطبيقه أن تضمّ إسرائيل الكتل الاستيطانية الكبيرة والمكتظة بالسكان الواقعة داخل الجدار الأمني فقط. ويقطن في هذه الكتل الاستيطانية البالغ عددها 52 كتلة، غالبية المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، حيث يصل عددهم ما بين (358,405) مستوطناً، وتبلغ نسبتهم حوالي 77 % من العدد الإجمالي للمستوطنين في الضفة.

الخيار الثالث: ضم محدود
قد تلجئ إسرائيل للإعلان عن ضم محدود يشمل مستوطنات محددة أو كتلة استيطانية واحدة كبيرة، مثل”غوش عتصيون” (الواقعة جنوب القدس) و/أو “معاليه أدوميم” (شرقي القدس). ويمكن أن يشمل السيناريو أيضاً عدداً قليلاً من المستوطنات الأخرى على مقربة من الخط الأخضر لعام 1967. وتضمّ “معاليه أدوميم” 41,223 نسمة (9 ٪ من إجمالي عدد المستوطنين). ويبلغ عدد سكان “غوش عتصيون” (المحددة في “خطة دروبلز” لعام 1979) 96,378 نسمة (21 ٪ من إجمالي عدد المستوطنين) وتضمّ 12 مستوطنة (1.0 داخل الجدار و2 خارجه).
في ضوء السيناريوهات السابقة والرفض الفلسطيني والعربي والدولي لخطوة الضمّ وتردد إدارة ترامب في منح نتنياهو الضوء الأخضر لتنفيذ الضمّ، والخلافات الإسرائيلية الداخلية بين نتنياهو وحزب الليكود من جانب وحزب أزرق أبيض بزعامة بني غاينس حول توقيت الضمّ ومساحته، والرؤية التي يجب أن يأتي في سياقها عملية الضمّ؛ أصبح سيناريوهات تنفيذ الضمّ تنحسر في أمرين، إما اقدام نتنياهو على اتخاذ خطوة رمزية لتنفيذ ضم محدود جدا (ضم الكتل الاستيطانية الكبرى، أو عدد محدود منها التي تقع داخل الجدار) أو تأجيل الضمّ إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية.
بشكل محدد مستقبل الضمّ بغض النظر على اتخاذ نتنياهو هذه الخطوة أو تأجيلها، يتوقف على أمرين، الأمر الأول: نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبقاء ترامب في البيت الأبيض من عدمه، فحتي لو أعلن نتنياهو تنفيذ الضمّ فإن حدوث تغير في البيت الأبيض سوف ينهى أي أثار لهذه الخطوة في حالة اتخاذها في ظل المواقف الرافضة لخطوة الضمّ من قبل المرشح الديمقراطي “جو بايدن”، أما بقاء ترامب في البيت الأبيض يعني ضوء أخضر لتنفيذ الضمّ بصوره المختلفة خلال الولاية الثانية.
الأمر الثاني: التحرك الشعبي الفلسطيني والعربي الرافض والمندد بهذه الخطوة، أي أن أي تصعيد شعبي تجاه إسرائيل والولايات المتحدة سواء في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة أو خارجها سوف يضع مزيد من العقبات أمام إسرائيل والولايات المتحدة في تنفيذ الضمّ.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *