تشكل كارثة مجدل شمس دليل دامغ على الفشل التام لسياسة الحكومة الاسرائيلية في الشمال، وعدم وجود استراتيجية للحرب منذ 8 تشرين الأول وحتى اليوم.

في 11 تشرين الأول/أكتوبر، بعد خمسة أيام من الهجوم الذي نفذته حماس وأربعة أيام بعد انضمام حزب الله إلى المعركة، وعندما كان واضحا أن هذه حرب متعددة الساحات، اقترح وزير الدفاع تنفيذ هجوم استراتيجي ضد حزب الله يهدف إلى شل حركة الحزب لمنعه من الدخول في حملة متزامنة مع حماس، وقبل كل شيء للحفاظ على بُعد التعددية الذي فرضته علينا إيران

  لم يوافق  رئيس الحكومة على الاقتراح ، ولأنه كان يخشى أيضاً  من الموافقة على المناورة البرية في غزة، فقد فضل وزير الدفاع إسقاط اقتراح الهجوم في الشمال والتركيز على المناورة في غزة التي بدأت في 27 تشرين الأول/أكتوبر، بعد أسابيع من  الإقناع بالمضي في ذلك.

وفي الوقت نفسه، قبلت إسرائيل إملاءات حزب الله بالموافقة، وقبلت بصمت إعلان حزب الله الحرب على إسرائيل – دون رد . ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، مرت عشرة أشهر على خضوع إسرائيل لنفس إملاءات نصر الله، وهي تتبادل اطلاق النار معه، بحيث أن مفتاح إنهاء الحرب موجود بين يديه. وبالاضافة الى ذلك أدخلت إسرائيل أيضاً الولايات المتحدة في معادلة نصر الله، وقبل الوسيط عاموس هوكشستاين موقف نصر الله القائل بأن حزب الله سوف يوقف إطلاق النار، بل ويدخل في مفاوضات بشأن انتشار قواته عندما تنتهي الحرب في غزة.

لقد كان واضحاً للكثيرين بأن حالة الاستنزاف القسرية التي يسيطر عليها حزب الله هي حالة مؤقتة وقصيرة الأمد للغاية، أي أنهم سينتهون من القضاء على حماس في غزة بأسرع وقت ممكن، وبعد ذلك سيتحركون للتعامل مع الشمال . على الرغم من إطالة أمد الحرب، فقد افترضت أنه في شهر يونيو تقريبًا، اي قبل حوالي شهرين، سيترافق تركيز الجهود ضد حزب الله مع ضربة قوية تتمثل في اجباره على دفع ضريبة بدء حرب ضدنا وإلحاق أضرار جسيمة بنا ، ومع مساعدة الأميركيين سيكون بالامكان التوصل إلى مفاوضات لوقف إطلاق النار على أساس القرار 1701. كان من الواضح أن مسار الضربة القوية التي يعقبها اتفاق لن يحل مشكلة تهديد حزب الله، لكنه سيمنح إسرائيل الوقت الحيوي اللازم لاعادة تنظيم نفسها لحرب واسعة النطاق، تستطيع فيها الوصول الى تفكيك حزب الله تمامًا مثل رفيقته حماس.

لكن ماذا حصل ، لقد تغيرت ادارة الحرب. ورغم أنها كانت بيانية واستغرقت وقتا طويلا، إلا أنه مع خروج غانتس من حكومة الحرب، أصبحت إدارتها وأهدافها خاضعة تماما لأجندة سياسية، بما في ذلك تغيير التعريفات والأهداف بطريقة عملية. فهدف الحرب الآن هو إطالة أمدها وليس تقصيرها كما يحددها المفهوم الأمني ​​الإسرائيلي. وذلك لخدمة بقاء الحكومة والذي يقف على راسها. التعريف الجديد لـ “النصر المطلق”، والذي لم يظهر بالطبع في أهداف الحرب، لأنه حينها كان سيتم تعريف ما هو النصر وتحت أي ظروف يتحقق، ولكن عندما يتعلق الأمر بشعار سياسي فإن رئيس الحكومة مهتم بعدم وجود تعريف بالتالي تصبح حرب لا نهاية لها. ولهذا السبب أيضاً فإن عودة المخطوفين تعرض أهدافه الشخصية للخطر، ولذلك فانه يبذل كل ما في وسعه من احل افشال الصفقة وإطالة أمد الحرب.

من لا يزال يدفع ثمن النزوة الشخصية وغياب الاستراتيجية، هم سكان الشمال، اليهود والدروز، جميعهم، لأن رئيس الوزراء غير معني بالحل في الشمال. وحتى يومنا هذا، لم يحدث أي نقاش استراتيجي ولم يتم الوصول في الحكومة الى اي قرار بشان سياسة اسرائيل وتحركاتها في الشمال
. حالة الحرب المستمرة ظلت مريحة له، حتى سقط الصاروخ بشكل مفاجئ في مجدل شمس وقتل 12 طفلاً بريئًا. والآن يستيقظ رئيس الوزراء مذعورا ويهدد بتوجيه ضربة قوية لحزب الله ردا على ذلك.

  يقول أحد الحكماء الصينيين إنه حيثما وجدت الحكمة مقدما، فإن الذكاء ليس مطلوبا للخروج من المشكلة.  لم تكن الحكمة موجودة هنا، لكن رد الفعل الغريزي الآن يمكن أن يكون غبيا بما يكفي لإشعال حرب إقليمية، ستؤدي فقط   إلى جعل النتيجة أسوأ. 

لدى إسرائيل الآن فرصة استراتيجية وشرعية أيضاً للفصل بين الساحات التي تتورط فيها ولا تجد مخرجاً منها. ولا يجوز بأي حال من الأحوال العودة إلى معادلة الاستنزاف القائمة منذ عشرة أشهر والتي تمثل إسرائيل الطرف الخاسر الرئيسي فيها.

يدرك نصرالله جيداً أنه ارتكب خطأً فادحاً وعليه أن يدفع ثمناً باهظاً مقابله ، ويجب على اسرائيل ان لاتسرع الى تضيع الفرصة بهجوم متسرع. بل على العكس من ذلك، على إسرائيل أن تنتظر بعض الوقت وتستعد جيداً، لأن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تصعيد واسع غير مرغوب فيه.

ويجب إحضار الوسيط عاموس هوشستين فورا إلى إسرائيل ، ليعلن من هنا، وليس من واشنطن، أن الولايات المتحدة لم تعد تعترف بمعادلة نصر الله وتؤيد حق إسرائيل في الرد بقسوة. وان يضيف – أنا هنا من اجل الوصول الى تسوية في حال رغبتم بذلك بعد رد الفعل الاسرائيلي ، وإذا عارض حزب الله التسوية بعد الرد، فإن الولايات المتحدة ستقف خلف إسرائيل.

العملية الإسرائيلية يجب أن تكون مؤلمة ، وأن ترمز الى ماهو متوقع فيما بعد . على سبيل المثال القرية التي أطلق منها الصاروخ، وايضا قرية أخرى تدعم حزب الله، يجب أن تتلقيا إنذاراً فورياً لإجلاء السكان ، وأن تتم معالجتهما على غرار معاملة بيت حانون: تسويتها بالأرض بالنار وجعلها غير صالحة للسكن . وستكون هذه إشارة إلى قرى المنطقة وإلى جميع اللبنانيين بأن القرية أو البلدة التي تستضيف حزب الله سيكون مصيرها التدمير.

وهناك كلمة للحكومة: بدلاً من التغريد والتهديد، وهو ما تقومون به بشكل ممتاز، اعقدوا اجتماعاً حكومياً غداً في مجدل شمس (ضعوا في اعتباركم أنه لم يكن هناك احد منذ عشرة أشهر) واتخذوا قرارات تقوي وتعزز إخواننا الدروز مثل اسقاط قانون القومية الذي يعتبر بمثابة سكين في الظهر بالنسبة لهم، وتوفير الحماية والموازنة التصحيحية للبني التحتية التي عمرها 50 عاما . ويمكن مساعدة الأطفال هناك من خلال تقديم برامج التعليم المتقدم التي يفتقرون اليها هناك . من فضلكم، افعلوا شيئاً مفيداً بدلاً من التصريحات المتوحشة التي تختبئ خلف الجيش الإسرائيلي. قد تكون هذه أيضاً فرصة لدعم البلدة بتحمل منعش للمسؤولية عن التقصير المستمر في الشمال.

عن موقع N12 العبري

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *