حي الشيخ جراح …السجن الكبير
ترجمة لتقرير بعنوان ” الحياة في حي الشيخ جراح اصبحت “سجناً كبيراً” في ظل الحصارالإسرائيلي ” أعدته أسيل الجندي لموقع Middle East Eye ونشر في 6 يوليو 2021.
تقديم للترجمة
يكتسب التقرير الذي أعدته أسيل الجندي لموقع Middle East Eye ونشر بتاريخ6/7/2021 أهمية خاصة، لأنه يلقي الضوء على حياة سكان حي الشيخ جراح، كنموذج تتكرر وقائعه في سلوان وبطن الهوى وبيتا وجبل صبيح والخليل وبيت لحم ونابلس والاغوار ويافا وحيفا واللد والرملة والنقب والجليل، ناهيك عن الحروب التدميرية المتتابعة ضد قطاع غزة المحاصر الذي يعتبر أكبر سجن في التاريخ .
ولأنه يأتي في هذا التوقيت الأخطر الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، بفعل تنامي انفصال غالبية الطبقة السياسية الفلسطينية عن الواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني تحت استعمار استيطاني إجلائي – إحلالي، يستهدف الكل الفلسطيني بالاستئصال من الجغرافيا والتاريخ والديموغرافيا، ليكتمل مشروعه باستبدال فلسطين بإسرائيل، واستبدال شعبها الفلسطيني الأصيل بالمستوطنين الصهاينة .
يعكس هذا الانفصال اللافت للطبقة السياسية الفلسطينية عن الواقع داخل الوطن الفلسطيني المحتل، ظواهر غريبة غير مسبوقة في التاريخ الفلسطيني، وينذر استمرارها بتبديد كافة المنجزات المهمة التي حققها الشعب الفلسطيني بتضحيات أجياله المتتابعة على امتداد أكثر من قرن. وقدم من أجلها عشرات آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، وما يزال . وأهمها : الحفاظ على الهوية الوطنية الجامعة لعموم الشعب الفلسطيني داخل الوطن المحتل وفي المنافي. وصموده واحتفاظه بوجوده الوازن على أرض فلسطين الانتدابية. وحماية التماسك المجتمعي لمكوناته كافة. وتواصل نضاله التّحرُّري، واستعصائه على الاستسلام رغم كل محاولات الإبادة والتهميش والتغيب والتفتيت.
ويمكن ايجاز أخطر الظواهرالمستجدة في الساحة السياسية الفلسطينية بما يلي:
- الأولى: تغول سلطتي الحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتجاوزهما كل الخطوط الحمر في امتهان الحقوق الإنسانية الأساسية للشعب الفلسطيني كل في منطقة سيطرته.
- الثانية: تفاقم الصراع الإلغائي بين طرفي النظام السياسي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ، بما يحول الانقسام الى انفصال كامل يهدد وحدة الوطن والشعب حاضرا ومستقبلا .
- الثالثة: استقواء طرفي النظام السياسي الفلسطيني بالخارج المتربص بالمصير الوطني الفلسطيني لحسم الصراع الداخلي بينهما على النفوذ والاستحواذ على القرار الوطني. غافلين ان الشعب الفلسطيني هو وحده صاحب الحق الحصري في منح الشرعية المشروطة لمن يستحق تمثيله. وغالبيته العظمى باتت تشك بأهلية النظام السياسي الفصائلي الفلسطيني العاجز لمواصلة تمثيله.
- الرابعة: تصويت 7 فلسطينيين من الأحزاب الصهيونية، والقائمة العربية الموحدة / الحركة الإسلامية الجنوبية مناصفة بالموافقة والامتناع / في الكنيست الإسرائيلي لصالح تمديد قانون عنصري يمنع لم الشمل للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل .
فهل يسهم هذا التقرير – الذي يلقي الضوء على واقع حياة أهالي حي الشيخ جراح ويشكل نموذجا حياً لحياة عموم الشعب الفلسطيني داخل فلسطين الانتدابية – في صحوة فلسطينية قبل فوات الأوان، خصوصا وأن التضامن الدولي مع النضال العادل الذي يخوضه الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه في الحرية والعدالة وتقرير المصير قد بلغ مستويات غير مسبوقة في أعقاب الهبة الشعبية الفلسطينية الأخيرة؟!
عنوان التقرير ” الحياة في حي الشيخ جراح أصبحت “سجناً كبيراً” في ظل الحصارالإسرائيلي ”
أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي حي الشيخ جراح الفلسطيني منذ شهر مايو، ومنعت دخول الزوار إليه، وقيدت حركة سكانه الفلسطينيين.
يصف السكان الفلسطينيون في منطقة كرم الجاعوني المغلقة في حي الشيخ جراح الحياة في منازلهم تحت الرقابة الاسرائيلية المتواصلة، وتقييد الحركة، والتهديد الدائم بالطرد القسري، بأنها أشبه بالسجن.
تواجه الزوار عند اقترابهم من الحي الكتل الاسمنتية، حيث تمنع قوات الاحتلال الإسرائيلي دخول الحي لغيرسكانه. ولا يجد الذين يرغبون في دخول المنطقة سبيلا سوى التنقل بين أسطح المنازل، للوصول إلى قلب كرم الجاعوني ، حيث يتم تهديد العائلات بالترحيل من منازلهم، لإفساح المجال أمام المستوطنين الإسرائيليين للسكن مكانهم. فقد احتل المستوطنون منزل عائلة الغاوي منذ عام 2009، ويتأهبون أمام البؤرة الاستيطانية التي انشاؤها فيه على مدارالساعة للاعتداء على السكان الفلسطينين.
في الأثناء يحاول السكان الفلسطينيون الحصول على قسط من الراحة التي هم بأمس الحاجة إليها خلال النهار، تحسبا لجولات جديدة من الهجمات من قبل المستوطنين عند غروب الشمس .
قال صالح دياب أحد سكان الحي لموقع (Middle East Eye) : ” عمري 51 عامًا، لكن يبدوأنني عشت 1000 عام من القلق “. خلف بوابة منزله، تتناثر شظايا الزجاج والحجارة من مختلف الأحجام، يلقيها المستوطنون خلال الهجمات اليومية حول الساحة. وتستهدف القوات الإسرائيلية منزله بشكل متكرر بحجة قيام زوار متضامنين بالاعتداء على البؤرة الاستيطانية المقابلة. تاركين وراءهم مخلفات قنابل الصوت وقنابل الغاز المسيل للدموع. يشعر الأطفال الفلسطينيون “بأن العالم قد تخلى عنهم” بعد أن هدمت إسرائيل منازلهم .
يقول دياب : “منذ أن بلغت السابعة عشرة من عمري وأنا أعاني يوميا من إجراءات الاحتلال الإسرائيلي، فمنذ ذلك الحين تم اعتقالي نحو 20 مرة ، وطردت من الشيخ جراح خمس مرات “.
الإرهاق محفور على وجه صالح دياب ، حيث يحاط منزله بثلاث بؤر استيطانية:
الأولى تواجه منزله، أقيمت في منزل كان مملوكاً لعائلة الغاوي التي تم إجلاؤها بالقوة من قبل المستوطنين تحت حماية القوات الإسرائيلية .
والثانية ، تقع على يمين المنزل، في منزل عائلة الكرد، الذي احتل جزئياً من قبل المستوطنين .
والبؤرة الاستيطانية الثالثة التي تمثل المشكلة الأكبر للعائلة تقع خلف منزلهم مباشرة . ضريح شمعون الصديق (مؤسس قبيلة بني إسرائيل سمعان)، والذي يزوره العديد من اليهود لأداء الطقوس التلمودية.
يقول دياب أنه بعد أسبوع واحد من الإجلاء القسري لعائلة الغاوي من منزلها في عام 2009، تلقت ثماني عائلات أخرى في حي الشيخ جراح أوامر بالإخلاء لصالح المستوطنين . ويضيف “منذ ذلك اليوم ، نعيش في ظروف مأساوية تفتقر للأمن والاستقرار”. ” وأصعب شيء واجهته منذ ذلك الحين هو أسئلة أطفالي المتكررة حول مصيرنا بعد الإخلاء ، ومستقبلهم الأكاديمي ، وأسئلة أخرى لا يمكنني العثور على إجابات لها”.
في 16 مايو الماضي ، بعد حادث دهس مشتبه به، قامت الشرطة الإسرائيلية بوضع كتل إسمنتية في ثلاثة مواقع حول الحي، وأبقت على وجود دائم لقوات الشرطة العسكرية لحراسة المواقع. ومنذ ذلك الحين، يضطر صالح دياب إلى حمل بطاقة هويته الشخصية عند خروجه من المنزل، حتى عند الذهاب إلى محل البقالة عند مدخل الحي الذي يسكنه، فقد يحتاجها في نقاط التفتيش على الحواجز. ويضيف : “لقد حولت الحواجز الأمنية الدائمة حياتنا إلى جحيم”. لقد ” أصبحنا سجناء في منزلنا، فهم يمنعون غير المقيمين من دخول الحي، ويجبروننا على إبراز بطاقات الهوية الخاصة بنا، ويوجهون الأسئلة إلينا كلما احتجنا إلى المغادرة أو الدخول “. تماما ما في الاستجواب.
يقوم صالح دياب بحراسة منزله طوال الليل وحتى شروق الشمس ، ويتولى شقيقه الحراسة خلال النهار خوفاً من هجوم مفاجئ من قبل المستوطنين . ويقول ” أخشى تكرار ما حدث لعائلة الدوابشة عندما أحرق المستوطنون منزلهم في قرية دوما أثناء نومهم” في إشارة إلى هجوم المستوطنين على منزل العائلة وإحراقهم وهم نيام عام 2015، حيث قتل اثناء الهجوم زوجين فلسطينيين تركا خلفهما رضيعا يبلغ من العمر 18 شهراً ، وابنهما أحمد دوابشة البالغ من العمر أربع سنوات، وكان الطفلان قد أصيبا بحروق شديدة .
يذهب دياب بين الحين والآخر – بساقه التي كسرتها القوات الإسرائيلية خلال الهجمات في مايو الماضي – إلى البوابة الحديدية لتفقد الوضع في الشارع ، والتحدث مع الجيران قبل العودة إلى المنزل.
“في منزله يسكن 23 فرداً من عائلة دياب ، بينهم 11 طفلاً ، يعيشون حاضرا قاسيا وينتظرهم مستقبل قاتم”.
هذا منزلي
في منزل عائلة غوشة، تجلس ميسون غوشة وابنتاها مع ثلاثة رجال تمكنوا من التسلل إلى الحي للتضامن مع سكان الحي .
تقول ميسون ، التي تعيش في حي الشيخ جراح منذ العام 1990 ، لموقع Middle East Eye : إنه بعد طرد جارتها أم كامل الكرد من منزلها عام 2008 ، يعيش جميع السكان كابوس التهجير القسري. وتضيف بصوت يعتصره الألم ” كل يوم أبدأ صباحي بانتظار حدوث الأسوأ” . فقد ” منعت سلطات الاحتلال أسرتي من زيارتنا، وفي إحدى المرات التي حاولت فيها زيارتهم ، هاجمتنا مجندات إسرائيليات يحرسن أحد الحواجز الأمنية بعنف داخل سيارتنا”.
الحاجز العسكري الاسرائيلي يقترب من منزل ميسون يوما بعد يوم. ويتمركز جنديان إسرائيليان عند البوابة ، وبينما كان فريق ميدل إيست آي داخل المنزل، طلب الجنود رؤية بطاقة هوية ميسون ، التي رفضت إظهارها، قائلة بالعبرية: “هذا منزلي ، ولا يتعين علي أن أظهر لك أي دليل “.
تقول ميسون لموقع Middle East Eye ” إن الوضع كان صعب بشكل خاص على ابنتها الصغرى ميار، التي رفضت الذهاب إلى المدرسة لمدة أسبوعين خوفاً من عدم السماح لها بالعودة إلى منزلها.
وتضيف ” إن ابنتها البالغة من العمر 11 عاماً تم تحويلها مؤخراً إلى الأخصائية الاجتماعية بالمدرسة لأنها تعاني من مشاكل نفسية، بما في ذلك الأرق، بسبب التطورات في الحي .
تنظر ميار إلى والدتها، وتستدير، وتفتح البوابة الرئيسية ، وتلقي نظرة سريعة حولها وتهرع مرة أخرى وتختفي داخل المنزل.
تقول ميار إنها بعد أن أغلقت القوات الإسرائيلية منطقة الشيخ جراح، لجأت إلى شراء الحلويات والمشروبات الباردة لبيعها لسكان الحي. وتضيف: “دفعني الحصار إلى فتح محل بقالة صغير في منزلنا”.
طموح لامتهان الصحافة
تحلم ميار بأن تصبح صحفية لتنقل أزمة حي الشيخ جراح إلى العالم ، وهي ليست الوحيدة التي تحلم بذلك .
خارج منزل غوشة ، تتجول نفوذ حماد البالغة من العمر 14 عاما في الشوارع ومعها مفكرة وقلم، وتجمع شهادات شيوخ حي الشيخ جراح حول حياتهم الماضية والحالية في الحي.
وعلى الرغم من اعتقالها الشهر الماضي . تسير نفوذ حماد بثقة ودون خوف من المستوطنين المسلحين والقوات الإسرائيلية ، الذين يقومون بدوريات في الشوارع على مدار الساعة. قالت نفوذ حماد لموقع Middle East Eye: “إنني أدرك تماما أنه يمكن اعتقالي في أية لحظة، لأن تحركاتنا مقيدة ، حتى داخل الحي نفسه”. وتتساءل: ” هل هناك طفولة أقسى من طفولتنا؟”
اعتقلت حماد بعد أن تقدم مستوطن بشكوى ضدها بسبب رسم الأعلام الفلسطينية على وجوه أطفال الحي، والاستماع مع صديقاتها إلى أغنية عن القدس، ادعى المستوطن في شكواه بأن هذه الأغاني تلويث صوتي، وبأنه لا ينبغي السماح لنفوذ بتمجيد العلم الفلسطيني ، طالما كانت تعيش على أرض إسرائيل . وقد قامت شرطة الاحتلال باستجواب نفوذ حماد لعدة ساعات قبل إطلاق سراحها.
عائلة حماد تم تهجيرها قسرا من مدينة حيفا خلال النكبة عام 1948، وانتقلت العائلة إلى كرم الجاعوني عام 1956 كجزء من مبادرة من الأردن ووكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين لتوطين 28 عائلة في القدس مقابل تخليها عن وثائق اللجوء الممنوحة من الأونروا .
وقد تم تزويد العائلات المختارة بوحدات سكنية بنتها الحكومة الأردنية وبعد ثلاث سنوات تم نقل ملكية العقارات للسكان .
يقول عارف حماد جد نفوذ، وهو عضو لجنة الشيخ جراح للوحدات السكنية للاجئين. إن 160 ساكنًا تلقوا أوامر إخلاء في الأشهر الأخيرة، بينهم 46 طفلاً ينتمون إلى 12 عائلة مختلفة. وبحسب عارف ، هناك 28 عائلة لاجئة ممتدة ، مؤلفة من 500 فرد ، تعيش على مساحة 18 دونم في كرم الجاعوني.
بالعودة إلى منزل عائلة غوشة ، تتأمل ميار البالغة من العمر 11 عامًا في الأحداث الأخيرة والتأثير الرهيب لها عليها جسديا وعاطفياًWe hebben de ambitie om van het nieuwe centrum een cultureel centrum te maken. وتقول ” لقد انقلبت حياتي تماما خلال الأشهر القليلة الماضية. لقد أصبت عدة مرات في الهجمات اليومية لقوات الشرطة والمستوطنين ، ودمرت قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع نوافذ منازلنا . ” لقد تحملت اشياء كثيرة لا يفترض بي أن اختبرها كطفلة.”