حول حماية الأخلاق العامة والاسرة الفلسطينة

من حق الناس التعبير عن رأيهم كما يشاؤون، وانا كغيري مع التوسع في حرية التعبير عن الرأي، وليس مع الشعارات التي يتم ترديدها من أن الحرية في فلسطين سقفها السماء، مع انها لم تصل لبناية من دور أرضي في مخيمات اللاجئين.
وليس مع الرأي الذي يردده البعض وأن الدول العربية ومنها طبعا فلسطين بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص أننا لسنا أوروبا، وأن قضايا حقوق الإنسان والحريات السياسية والعامة عليها مراعاة الخصوصية الثقافية، بوجود الاحتلال الاسرائيلي، ومحاولاته اختراق جبهتنا الداخلية والحاضنة الشعبية للمقاومة.
وذريعة أن تراعي الخصوصيات هي فكرة الانظمة الديكتاتورية والاستبدادية لتبرير شرعيتها، وما تقوم به من سلوك وممارسة انتهاك مجمل حقوق الناس، وصياغة قوانين وقرارات ولوائح وانظمة خدمة لتوجهات تلك الانظمة تشبه ادوات السيطرة التي تمارسها دولة الاحتلال لاخضاع الفلسطينيين وسلب حقوقهم وحريتهم، وبناء عليه تصبح قيم الكرامة والحرية غريبة عن شعب يسعى للحرية.
وعندما يتماهى النظام السياسي والسلطة التنفيذية وعدد من الوزارات ويقف احد ممثلي الوزارت للدفاع عن لجنة العمل الحكومي في غزة والقول ان الجمعيات والمؤسسات مرخصة وفقا للشريعة الاسلامية والقانون الفلسطيني وذلك امام الموتمر ‫الذي عقد نهاية الشهر الماضي تحت عنوان (المكائد الدولية لهدم الأسرة المسلمة.. سيداو نموذجاً)، الذي نظمته كل من رابطة علماء فلسطين بالشراكة مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وكليتي الشريعة الإسلامية والشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية، ومجلس القضاء الشرعي، وحزب التحرير.‬
‫وتناولت جلسات المؤتمر أوراق عمل، تضمنت عرض مواقف ورؤى واجتهادات للتحريض على اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وتشويه عمل المؤسسات النسوية التي تعمل على تطبيقها واحترام الالتزامات القانونية المترتبة على الانضمام لتلك الاتفاقية، باعتبارها المظلة القانونية لتمكين المرأة وحماية حقوقها وواجباتها المكفولة في التشريعات والقوانين الوطنية والدولية.‬
‫لست بصدد الدفاع عن سيداو، لكن ما تناولته أوراق العمل المقدمة في المؤتمر، وما تضمنته من مواقف صريحة وإشارات مباشرة، المؤسسات النسوية العاملة على المطالبة باحترام نصوصها وتطبيقها، قد تجاوزت الحق في حرية الرأي والتعبير، وحرية العقيدة المكفولة في القانون الأساسي الفلسطيني، وتجاوزت الحق والعلاقات الوطنية، واحترام مؤسسات المجتمع المدني خاصة المؤسسات النسوية لتشكل تحريضاً وتشويهاً مباشراً على أدوارها ونشاطاتها. وتاثير ذلك على عمل المؤسسات، والخطير في ذلك أن خطاب التحريض والكراهية والعنصرية يؤسس لتشكيل قاعدة مجتمعية لرفض المؤسسات، وتشكيل رأي داخل الحكومة والمجلس التشريعي لتقيد نشاطاتها وإعمالها، في مخالفة المعايير والضوابط القانونية.‬
‫اضافة الى ذلك وما خرج من توصيات وخطاب التحريض ضد المؤسسات النسوية في قطاع غزة، يشكل تهديداً لأمن المسؤولات والعاملات والعاملين فيها وسلامتهن/م الشخصية، وخاصة أنه تمت الإشارة المباشرة لأسماء عدد منهم.‬
‫والخشية من الضغط على صناع القرار استخدام تلك التوصيات لزيادة التقييد على حرية عمل المنظمات الأهلية.‬
‫هذه الانتهاكات التي تتعرض لها المؤسسات النسوية والتحريض والتشويه ضدها تأتي أيضاً في سياق فرض مزيد من القيود على المنظمات الاهلية والجمعيات العاملة في القطاع والحق في التجمع السلمي والاجتماعات العامة، والقيود المفروضة منذ فترة وتعمل وزارة الداخلية على تصديرها وتقويض عمل المؤسسات بذريعة تنظم الاجتماعات العامة ووضع لوائح جديدة لقانون الاجتماعات العامة المعمول به في فلسطين.‬
بحجة حماية المجتمع والاسرة الفلسطينية من التفكك، يتم التحريض ضد النساء واستباحة حقهن والتحريض عليهن وعدم النظر لذلك على انه انتهاك للحقوق ‫والحريات المكفولة والمصانة بالقانون، ودورهن في المجتمع الفلسطيني والنضال ضد الاحتلال في حماية الفلسطينيين وتعزيز صمودهم في مواجهة الاحتلال والحصار والجرائم اليومية التي يرتكبها الاحتلال.‬
صارت حياتنا مواجهات يومية في انتظار مزيد من القرارات والقيود، والجباية، وانتظار عدوان اجرامي اسرائيلي. وسنوات الحصار المستمر واثاره على جلود الناس الصابرين، سرق اعمارهم، وقضى على امالهم واحلامهم وحياتهم.
‏والانقسام المستمر والحرمان من الحق في المشاركة السياسية، وشباب اصبحوا شيوخا قبل اوانهم ولم يمارسوا اي حق من حقوقهم الاساسية سوى الصمت والانتظار. ونساء يتعرضن للعنف والظلم، والخوض في اعراضهم في برامج ليس لها أولوية سوى عدم الاحساس بحال الناس وازماتهم، والتحريض والتشويه.
والتحكم في مصير الناس وقوتهم اليومي، واجبار البعض على الرضوخ والرضى بما يمنحه السلطان من قرارات خدمة لمصالحه واهدافه.
‫كل ذلك لم يشفع للناس وصمودهم وصبرهم وتكيفهم مع الظلم والقهر وقلة الحيلة‬، وبحجة الارتقاء بالمجتمع وحمايته أخلاقه، يعقد مؤتمر التحريض والتشويه، والمجتمع الفلسطيني خاصة في القطاع غارق في ازمات وتحديات عميقة، من زيادة نسب ومعدلات الفقر والبطالة، والعنف والمخدرات والتسول، وشركات النصب والاحتيال، وازمة الانتحار التي تحصد الشباب الفلسطيني لاسباب اقتصادية وسياسية وغيرها من الأسباب، وازمة الكهرباء المستفحلة، ولم يعقد مؤتمر علمي لوضع حلول مستدامة لها، وتوصيات لاقامة مشاريع استراتيجية وبدائل للمشاريع الخاصة التي تجني ارباحا من قوت الفقراء.
ولم نسمع عن مؤتمر لحلول لازمة المياه غير الصالحة للاستخدام الآدمي، ويتم خصخصة مشاريع وشركات لمجتمع يعاني الاحتلال وغياب فرص العمل.
اضافة إلى الهجرة وتشرد الشباب وأسر باكملها في الغربة، وقوارب الموت التي تحصد الشباب والاطفال والنساء، واثارها على النسيج المجتمعي هروباً من الازمة السياسية، وانتهاكات لا تعد ولا تحصى. وبدل من عقد مؤتمرات تحاكي الواقع المأساوي وازمات لا تتوقف، ويتم البحث في هذه القضايا الشائكة ولا حلول لها في الافق القريب، وبدلا من ذلك يتم الهروب منها وصرف الانظار عن مواجهتها، وتمييع الاهتمام بالقضايا والأزمات الأساسية لصالح رواية حماية الأخلاق العامة والاسرة الفلسطينة.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *