حول اغتيال القائد إسماعيل هنية… ملاحظات سريعة
حدود الساعة الثانية من صباح الأربعاء يوم 31 يوليو تم استهداف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، بمقذوف جوي في مقر إقامته في مكان معروف مخصص لكبار الضيوف والمحاربين القدماء في العاصمة الإيرانية، بعد المشاركة باحتفال تنصيب الرئيس الإيراني المنتخب حديثا مسعود بشكزيان، فاستشهد هو ومرافقه على الفور، كما جاء في البيان الإيراني. ولا بد أمام هذا الحدث الجلل من أن نقف قليلا لنقدم بعض الملاحظات:
– إن إيران مخترقة بشكل كبير، وإنها لم تتعلم من الأخطاء التي وقعت فيها الأجهزة الأمنية بعد عدد كبير من الاغتيالات، خاصة مهندسي البرنامج النووي الإيراني من عسكريين وعلماء. وأذكر باغتيال «أبو البرنامج النووي الإيراني» فخري محسن زادة في نوفمبر 2020، واغتيال حسن طهراني مقدم المعروف بلقب «أبو برنامج الصواريخ بعيدة المدى» عام 2011. كما اغتيل العقيد حسن صياد خدايي، الشخصية العسكرية البارزة، في 22 مايو 2022. وكان عضوا في فيلق القدس، والذراع العملياتي للحرس الثوري الإيراني خارج الحدود الإقليمية. قُتل خدايي بالرصاص خارج منزله في طهران من قبل مسلحين على دراجات نارية.. والقائمة طويلة. وأنا، مثل الملايين في العالمين العربي والإسلامي، غير مقتنع بأن إسقاط مروحية الرئيس الإيراني حسن رئيسي، يوم 20 مايو الماضي جاء نتيجة أحوال جوية أو عطل فني، بل كانت عملية مدبرة بعناية وتفاصيلها ستنكشف في مقبل الأيام. والسؤال هنا كيف لدولة مهمة ومستهدفة من قبل الأعداء، القريب منهم والبعيد لا تستطيع أن تؤمن قيادات المقاومة التي تزور الدولة؟ الوضع في إيران يجب أن يكون مختلفا عن دولة الإمارات، التي اغتيل فيها أحد قادة حماس، محمود المبحوح عام 2010، ويجب أن يكون مختلفا عن العراق الذي اغتيل فيه قائد فيلق القدس قاسم سليماني عام 2020 وأبو مهدي المهندس.
عملية مجدل شمس والضاحية الجنوبية وعملية الاغتيال في طهران مترابطة، وكلها لحرف الأنظار عن عجز جيش القتلة والإرهاب عن تحقيق نصر حاسم في غزة، وتصاعد المواجهات العسكرية في الضفة الغربية
– عملية استهداف أهالي مجدل شمس، وهم سوريون رفضوا حمل الجنسية الإسرائيلية، مرتبة ومقصودة، نحن لا نشك في أن ضربة مجدل شمس كانت مقدمة لاغتيال قيادات في حزب الله وحماس، بعد أن فشل نتنياهو في تقديم نصر مؤزر لمناصريه والمتعطشين إلى حمامات الدم. لقد تم تحميل حزب الله مسؤولية عملية مجدل شمس فورا ودون أدنى دليل أو تحقيق، علما أن الحزب نفى ذلك نفيا قاطعا. لقد نفى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط لقناة «الجزيرة» أي مسؤولية لحزب الله عن الحادث قائلا: «إن الادعاء الإسرائيلي بأن المقاومة أطلقت الصاروخ على مجدل شمس بهضبة الجولان المحتل كذب وافتراء»، لكن الآلة الغربية، التي لا تدق إلا على النغمات الإسرائيلية تقبلت الرواية الإسرائيلية فورا وراحت تكررها مثل الروايات الكاذبة عن قطع رؤوس الأطفال والاغتصاب، وتحول المستشفيات إلى مقرات قيادة العمليات العسكرية، وتورط أونروا في الإرهاب. جاءت عملية الضاحية الجنوبية الثلاثاء لاغتيال فؤاد علي شكر أحد القادة الميدانيين ومساعد الأمين العام حسن نصر الله. وعندما كانت كل الأنظار متجهة إلى لبنان، قام الكيان باغتيال قائد حركة حماس في طهران، باختصار نرى أن عملية مجدل شمس والضاحية الجنوبية وعملية الاغتيال في طهران مترابطة، وكلها لحرف الأنظار عن عجز جيش القتلة والإرهاب عن تحقيق نصر حاسم في غزة، وتصاعد المواجهات العسكرية في الضفة الغربية.
– لا نشك بأن مثل هذه العملية، التي تحتاج إلى عمليات معقدة من الاستخبارات وجمع المعلومات، وتتبع خطوات القيادات، يمكن أن تتم دون تعاون أمريكي، وهو ما أكده السفير الإيراني في جلسة مجلس الأمن مساء الأربعاء. وليس بعيدا عن الحادث، بل بالضرورة مرتبطا به، قيام القوات الأمريكية بعملية عسكرية ضد قوات الحشد الشعبي جنوب بغداد الأربعاء أدت إلى مقتل أربعة أفراد. القوات الأمريكية إذن في المعركة، حقيقة لا مجازا. قدمت للكيان الصهيوني أكثر من 28 ألف قنبلة خلال الحرب وأكثر من 26 مليار دولار وحركت أساطيلها، وتصدت هي وبريطانيا وبلدان عربيان للصواريخ الإيرانية المتجهة نحو الكيان الصهيوني في أبريل الماضي، ردا على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، وساهمت هي وبريطانيا في قصف مستودعات النفط في ميناء الحديدة باليمن. ليكن واضحا أن المعركة ليست فقط مع الكيان، إنه القاعدة المتقدمة للدول الاستعمارية والإمبريالية، قديمها وحديثها، فلا يظنن أحد أن الولايات المتحدة بريئة من اغتيال إسماعيل هنية، كما ادعى وزير الخارجية الأمريكي بلينكن.
– قدم إسماعيل هنية نموذجا مشرفا للتضحية من أجل شعبه ووطنه، وكان يتمتع باحترام الفصائل كافة والمستقلين وجميع أطياف الشعب الفلسطيني. لقد استشهد أولاده وأحفاده وشردوا وتقطعت بهم السبل في قطاع غزة، وهو ابن المخيم الذي كان يرى أرضه المسلوبة على الجانب الآخر من السياج. كان يقول بأن حركة حماس لن تقف ضد أي مجهود وحدوي. لقد شارك شخصيا، أو من خلال ممثيله في جميع اللقاءات التي جمعت الفصائل بحثا عن الوحدة، سواء في مكة أو الدوحة أو القاهرة أو الجزائر أو موسكو أو بكين. كان مسكونا بوحدة الشعب الفلسطيني على أرضية الصمود والمقاومة، وليس على أرضية الاتفاقيات المذلة التي فرطت بوحدة الأرض والشعب والحقوق. لكنه لم ييأس ولم يستسلم، حتى أصبحت الغالبية الساحقة من الشعب الفلسطيني مقتنعة بخطاب المقاومة، وليس بنهج «المفاوضات العبثية». إنه النموذج الرائع للقائد الوطني الواعي الواقعي النظيف والمتواضع. بمثل هؤلاء القادة يتحقق النصر.
– البيانات التي صدرت من بعض رموز السلطة لا تعني الكثير، خاصة أن هناك من تنصل وبسرعة من بيان بكين للوحدة الوطنية. كما أن قوات الأمن الفلسطيني في الوقت نفسه قامت بمحاصرة بعض رموز المقاومة في جنين. إن ذرف دموع التماسيح على هنية لا يخدع أحدا، بينما بعض رموز السلطة، لم يضيعوا فرصة لانتقاد المقاومة وتخوين رموزها إلا واستغلوها، ما شجع قنوات بعض الدول المطبعة والسائرة على طريق التطبيع مع الكيان أن تستضيفهم يوميا. إن شعبنا لا ينخدع بمثل هذه التأبينات المراسمية. فمن يريد أن يعبر حقا عن أسفه على استشهاد إسماعيل هنية عليه أن يتبع النموذج الذي مثله الشهيد، قولا وعملا، وتواضعا وتفانيا في خدمة القضية.
– وأخيرا نأمل أن تستفيد حركات المقاومة، خاصة حماس من هذه الكارثة، وقد سبقتها كارثة اغتيال صالح العاروري في الضاحية الجنوبية في بيروت في يناير الماضي. ليس هناك مجال للتهاون في مسألة الأمن الشخصي للقيادات.. وسلسة القيادات التي تم تصيدها وتصفيتها طويلة لا يتسع المجال لذكرها، لأنها تمثل كل الفصائل ووقعت في كل الأزمنة وكل الساحات واستخدمت في تنفيذها كل أنواع الخطط والحيل والتكنولوجيا والعملاء والمتعاونين. لا مجال للإهمال والتراخي، فالعدو يعتبر أنه في حرب وجودية متواصلة، والأولى بقيادات المقاومة أن تتبنى الذهنية نفسها. إنها حرب وجود متواصلة لا مجال للتهاون والتراخي والثقة في أحد حتى لو كان حليفا.. وأخيرا نقدم تعازينا القلبية للشعب الفلسطيني ولعائلة «أبو العبد» ونؤكد أن شعب الجبارين قادر دائما على فرز الآلاف من القادة العظام الذين سيواصلون طريق التحرير والعودة.
عن القدس العربي