قبل وقت قصير من الرشقات الكثيرة التي أطلقت أمس، قبيل الساعة الثامنة مساء باتجاه غوش دان، بئر السبع وغلاف غزة، منحت محافل في إسرائيل احتمالا طيبا لأن تحقق مساعي المصريين وقفا للنار لتتوج بنجاح، مثلما سارع الى ان يعلنوا في وسائل الاعلام المصرية منذ ساعات المساء المبكرة. لكن مع الرشقات التي أطلقت قبيل الثامنة مساء بدا هذا مرة أخرى بعيدا. والآن يبدو أن القرار هو مرة أخرى في الجانب الإسرائيلي. هذا الصباح ستكون الصورة على ما يبدو واضحة أكثر بكثير.

هل بعد النار الواسعة ليوم أمس لا تزال التفاهمات التي تحدث عنها المصريون سارية المفعول حقا؟ هل القتال سيستمر؟

لا تزال أمور كثيرة يمكن أن تقع فتغير من الصورة من الأقصى الى الأقصى. يخيل أن إسرائيل أوضحت منذ المراحل الأولى وبأوضح شكل ممكن وبطرق مختلفة بأنها معنية بأن تنهي التصعيد بأسرع وقت ممكن. كان هذا صحيحا حتى بعد دقيقة من التصفية الناجحة لثلاثة مسؤولي الجهاد الإسلامي.

إن التجربة من جولات التصعيد السابقة، والتي جرت فيها إسرائيل الى الدينامية المعروفة للغارات الجوية من جهة مقابل نار الصواريخ من جهة أخرى، تفيد بأنه كلما استمر هذا لأيام اكثر فان الإنجاز العملياتي هو الآخر يأخذ بالتآكل، ولا سيما من حيث الإحساس في الرأي العام في إسرائيل والذي هو حيوي لقادة الدولة. وعليه من السهل ان نفهم لماذا سعت القيادة الأمنية – السياسية عندنا لأن تنهي الحملة بالسرعة الممكنة. مرغوب فيه جدا لدرجة أن إسرائيل خرجت عن طورها كي تقنع، الجانب الإسرائيلي أساسا، بأن حماس ليست مشاركة في إطلاق الصواريخ وذلك في محاولة لأن تبقيها خارج المواجهة. أما حماس في المقابل فقد لا تكون أطلقت النار، لكنها استغلت الفرصة كي تعلن بشكل واضح بأنها جزء من المقاومة وأن كل فصائل الإرهاب تشارك في المعركة.

          لكن امام كل هذا كانوا عندنا مستعدين لأن يحتملوا أكثر من 300 صاروخ أطلقت نحو إسرائيل، وبخاصة في ضوء حقيقة ان هذه المرة أيضا، فضلا عن النار نفسها، وجدوا في الجهاد الإسلامي صعوبة في ان يصلوا الى انجاز ذي مغزى. أكثر من 25% من الصواريخ التي أطلقت تفجرت في أراضي قطاع غزة ومنظومة القبة الحديدية تصدت بنجاح عال جدا للصواريخ.

الرشقات الكثيرة التي أطلقت أمس قبيل الثامنة مساء وبعد ذلك، ومثلها استئناف الغارات الجوية في القطاع، من شأنها أن تغير الصورة.

حتى وإن كان جهاز الامن والقيادة السياسية حققا من ناحية تكتيكية – عملياتية ما سعى اليه جوهريا في حملة تصفية المسؤولين الثلاثة لمنظمة الإرهاب – ضرب الجهاد الإسلامي دون جر حماس الى المواجهة، بعد أن بات الجهاد الإسلامي يشد في الأشهر الأخيرة الخيوط بقوة أكبر.

بعد ثلاث جولات تصعيد، اخرها قبل اقل من عشرة اشهر سعت فيها لإسرائيل لأن تعفي حماس من المسؤولية عن الوضع ولا تقاتل إلا ضد الجهاد الاسلامي، من الواجب أن تطرح أيضا الأسئلة الاستراتيجية: هل تكفي هذه الغاية وما الذي بالضبط سيخرج لإسرائيل من هذا على مدى الزمن، اكثر من تصفية المسؤولين إياها، اذا ما تدهور الوضع في القطاع بهذه السرعة واعفت إسرائيل حماس من المسؤولية، رغم الضوء الأخضر الفاقع الذي منحته هذه المرة للجهاد الإسلامي ليتصدر التصعيد الأمني، وفي شبه كياسة طلبت منها أن تنتظر على الجدار الى أن ينهي الجيش الإسرائيلي موضوعه مع الجهاد الإسلامي.

في الحملة الأخيرة، وبالتأكيد بالشكل الذي بادرت اليه إسرائيل فيها ونجحت في المفاجأة باستخدام سلاح الجو في عملية مركبة على نحو خاص، توجد الكثير من النقاط الطيبة. غير أنه الى جانبها لا يمكن ان نتجاهل بأنه من اللحظة التي تسعى فيها إسرائيل الى أن تعزل الجهاد الإسلامي وتخرج المرة تلو الأخرى الى مواجهة معه فقط وتعفي حماس من المسؤولية عن التصعيد الأخير في الأشهر الأخيرة، ثمة في ذلك ما يبث الرسالة المعاكسة بالضبط لتلك التي ترغب إسرائيل في أن تطلقها في الحملة – تعزيز الردع تجاه قطاع غزة لأجل استقرار الوضع الأمني على مدى الزمن.

عن أطلس للدراسات والبحوث (المصدر: معاريف)

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *