حملة “سور وبرج 2022”.. أرض أكثر!
ثمّة عدّة قضايا تستدعيها آخر حملة نفّذتها حركة “نحالا” [“أرض”] اليمينية المتطرّفة الرامية إلى إقامة “بؤر استيطانية غير قانونية”، بحسب التسمية المتعارف عليها إسرائيلياً، في أراضي الضفة الغربية، التي كان من إحدى أهم غاياتها تسجيل نقاط لصالحها، لناحية كونها تقف إلى يمين الحكومة الحالية اليمينية، على أعتاب معركة انتخابية عامة أخرى قريباً (تأسّست “نحالا” عام 2005 استمراراً لحركة “غوش إيمونيم”، وهي تسعى بالأساس لتحقيق خطة استيطان تهدف إلى توطين مليوني يهودي في الضفة الغربية، بموجب خطة رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إسحاق شامير).
لن يكون في الوسع الإحاطة بكل هذه القضايا، غير أن أبرز ما تستدعيه يمكن استشفافه من اسمها؛ “سور وبرج، 2022”. وهو مأخوذٌ من حملة بالاسم نفسه سبقت إقامة إسرائيل، ووقف وراءها مفهوم فرض مزيد من وقائع الاستيطان الصهيوني على الأرض. وقد عُمل بموجب هذا المفهوم على نطاق واسع خلال أعوام ثورة 1936 – 1939، التي اندلعت شرارتها الأولى في يافا في 20 إبريل/ نيسان 1936، وامتدت إلى سائر أنحاء فلسطين مثل النار في الهشيم. وسبّبت تلك الثورة، على ما ورد في كتب التاريخ، تغيير سلطات الانتداب البريطانية سياسة الهجرة والاستيطان في البلد، وعيّنت الحكومة البريطانية في نهاية المطاف لجنة تحقيق برئاسة اللورد بيل. لكن المؤسسات الصهيونية، التي خشيت إرسال ألوية استيطانية إلى مناطق بعيدة وخطرة من دون توافر قدرة على تأمين الحماية اللازمة، وافقت على خطة قدمها شلومو غرزوفسكي [غور]، الذي أقام فيما بعد مستوطنة/ كيبوتس “تل عَمَال” (نير دافيد)، وتقضي ببناء مستوطنات مُحصّنة ذات قدرة دفاعية، محاطة بسور ويتوسّطها برج مراقبة مزوّد بضوء كشاف. وأُتبع هذا الأسلوب في إطار تنفيذ حملة استيطانية صهيونية واسعة النطاق في فلسطين، وأصبح يعرف منذ ذلك الحين في المصطلحات الصهيونية العبرية بـ”حوما ومجدال” (“سور وبرج”). وفي العُرف الصهيوني، لبّت هذه الخُطّة مطلبين رئيسيين: أن تقام المستوطنة في غضون يوم عمل واحد، وأن تتمكّن المستوطنة من حماية نفسها فوراً بمساعدة حامية صغيرة إلى حين وصول تعزيزات. وكان كيبوتس “تل عَمَال” أول مستوطنة تقام ضمن حملة “سور وبرج” الاستيطانية، التي أقيم في نطاقها ما مجموعه 55 مستوطنة في مناطق بعيدة جداً بغية استخدامها في ترسيخ حدود الدولة اليهوديّة.
وفقاً لوثائق إسرائيلية، انتهت خطة إقامة مستوطنات “السور والبرج” عام 1939، لكن غاية فرض حدود الكيان اليهودي في أوسع ما يمكن من أراضي فلسطين لم تسقط من جدول أعمال الحركة الصهيونية في ذلك العام، بل إنها سرعان ما تميّزت بزخم جديد في إثر مؤتمر بلتيمور الذي عقدته الحركة الصهيونية عام 1942، وتحدّدت غايته العملية في إقامة دولة يهودية في فلسطين. ولعلّ في تجدّد هذه الخطة الآن ما يُثبت تمسّك الصهيونية بشعار “أرض أكثر وعرب أقل” الذي أكدنا مرات عديدة أنه كان بمثابة إجماع لدى كل ألوان الطيف السياسي الصهيوني قبل 1948، وما زال كذلك. .. وثمّة قضية أخرى هي الخلل الصارخ في محاولة التمييز بين استيطان منظم في أراضي 1967 تعتبره دولة الاحتلال قانونياً، واستيطان من دون ترخيص تعتبره غير قانونيّ.
وبحسب خبراء قانونيين، بمن فيهم خبراء من جمعيات إسرائيلية لحقوق الإنسان، يناقض هذا التمييز المبدأ الأساس بأن كل استيطان إسرائيلي في الأراضي المحتلة منذ 1967 يخالف القانون الدولي. وينسحب هذا على التمييز الإشكاليّ بين أراضٍ خاصة وأراضٍ عامة في منطقة محتلة، ففي حال إقامة مستوطنة على أراضٍ خاصة، هناك انتهاك لحق الملكية، ولمنع مصادرة أملاك خاصة بموجب القانون الدولي، وفي حال إقامة مستوطنة على أراضٍ عامة، فهي تنتهك منع استغلال موارد منطقة محتلة لغرض خدمة مصالح الجهة المحتلة. بناءً عليه، سواء أكان البناء على أراضٍ خاصة أو عامة في مناطق محتلة، فهو يشكّل انتهاكاً لوثيقة جنيف الرابعة.
عن العربي الجديد