حماس ونظام الأسد إذا تصالحا
ما المكاسب السياسية والمعنوية، والكفاحية إن شئت، التي يُحرزها الشعب الفلسطيني، لو أعادت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) علاقاتها، التي كانت وثيقة، بالنظام في سورية؟ من منظورٍ محض نفعيٍّ، ما هي المغانم التي تكسبها الحركة، لو شاهدنا رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنيّة، في دمشق، بعد أسابيع؟ يسوّغ السؤاليْن ما نقلته “رويترز”، الثلاثاء الماضي، عن مصدرٍ في “حماس”، إن اجتماعاتٍ “رفيعة المستوى” عُقدت بين الجانبين، للوصول إلى قرار إعادة الحركة تلك العلاقات، المقطوعة منذ نحو عشر سنوات. وقد واكب الخبر (ثم عدم نفيه) زيارة هنيّة التي التقى، في أثنائها، أمين عام حزب الله، حسن نصرالله. أما الإجابة عن السؤال الأول فهي إن لا شيء في الوُسع تعيينُه، سيُحرزه الشعب الفلسطيني من علاقةٍ ستُستعاد بين “حماس” ونظام الأسد. ببساطةٍ، لأن هذا الشعب لم يعُد، منذ عقود، يستشعر أمرا يعنيه من شأنٍ كهذا، اتصل بالحركة الإسلامية أو بغيرها من تنظيماتٍ فلسطينيةٍ، لابتعاد المسافات بين هذه التنظيمات، وإنْ في وزن “حماس” أو “فتح”، والكتلة العريضة العامة في الشعب الفلسطيني، وشرح هذا يطول.
سيقول، هنا، مُجادلٌ إنّ إسناداً سياسياً ولوجستياً كانت السلطة في دمشق تؤدّيه للحركة الإسلامية، كان له أثرُه في تصليب عود هذه المقاومة في غير موقعةٍ كفاحيةٍ ونضاليةٍ، الأمر الذي يصبّ، في المنتهى، في صالح المشروع الوطني الذي يهجس به الشعب الفلسطيني. ولأن مواضع الأخذ والردّ مع هذه “الأطروحة” التي تخرمها تفاصيلُ غزيرة ليست هنا، ولأنّ حجاجاً معها سيكون طويلاً، فلواحدنا أن يكتفي بأنّ هذا، لو صحّ، افتراضاً وابتعاداً عن وجع الرأس في المساجلة، فإنه لا يعني أنّ عودة العلاقات المتحدّث عنها ستأتي بمثل ما يحكي عنه أصحابُ هذا القول، لأنّ الدنيا لم تعد هي الدنيا التي كان فيها للنظام المذكور قيمةٌ وشأنٌ في غير أمر ومسألة، وحالُه اليوم على ما نشهد، حطامَ سلطةٍ تستأسد على رعاياها بما تملك من أدوات السيطرة والقهر والتغلّب، وتستقوي، في علاقاتها الخارجية، بالروس إن أمكن، وبالإيرانيين لزوماً، وهؤلاء يستخدمونه عند بعض الحاجة لاستخدامه.
أما الإجابة عن السؤال بشأن مغانم ربما في مقدور “حماس” أن تكسَبها من علاقاتٍ تُعيدها مع سلطة الأسد، ومخابراته وأجهزته استطراداً، فالبديهيّ أولاً أنّ هذه العلاقات لن تكون بالمتانة التي كانت عليها قبل زوابع العام 2011، وليس من حاجةٍ للتذكير بطبائع هذه السلطة وأرشيفها، حيث الأحقاد والتطلّع إلى الانتقام هما من أدواتٍ أثيرةٍ في نفوس أهل هذه السلطة. وتنحيةً لهذه الحاشية هنا، في الوسع أن يقال إنّ المغنم الوحيد الذي قد تناله “حماس” لو شوهد إسماعيل هنيّة، بعد أسابيع، في قصر المهاجرين في دمشق، هو رضى طهران وحسب. والمرجّح أن المنزع الذي استجدّ في شيوخ حركة المقاومة الإسلامية وقياداتها، أو غالبيتهم ربما، نحو بشار الأسد، يعود إلى ما يراه هؤلاء من ضرورةٍ شديدة الإلحاح لتقوية العلاقات مع طهران، وتثميرها إلى أقصى مدىً ممكن، وفي غير أمر وشأن، فتكون عودة المياه مع النظام السوري من بين أثمانٍ مستحقّة الدفع. و”حماس” في اللحظة الراهنة، في طوْر من الانكشاف شديد الحرج، وترى نفسها في غير وارد الاستغناء عن الظهير الإيراني، وقد استقال الظهير العربي منذ زمن عن أن يكون ظهيراً.
هل كانت للأخبار عن اجتماعات عُقدت ضرورتُها، تلبية لطلبٍ من حزب الله، الوسيط الذي يؤدّي مهمة حسّاسة في هذا الملف؟ نعم. ولكن، ماذا بعد؟ أول المطلوب، أو المأمول أقلّه، أن تتخفّف “حماس” من نهج “الغموض البنّاء” الذي تزاوله في هذا الموضوع، وتُصارح الشعب الفلسطيني بالذي تنويه، لأنّ للقطاعات الأعرض من هذا الشعب رأيها، والرأي من قبلُ ومن بعد أن خطوةً إلى الوراء ستُقدم عليها الحركة الإسلامية، عندما لا تُتقن الموازنة بين المبادئ والمصالح. وأول المبادئ ومختتمها أنّ الارتداد عن الصحّ خطأُ جسيم، ومسلكٌ مستنكرٌ ومستهجَن، ويستحقّ كل انتقاد. ولمّا اختارت الحركة أن تكون في غير ضفّة النظام القاتل في دمشق يوم بدأ يصوّب رصاصَه على المتظاهرين في درعا إنما اختارت الصحّ. وإذا فعلتْها وتصالحت مع هذا النظام، بكيفيةٍ سيحدّدها هو، فإنها تقدّم شاهداً جديداً على نقصان قدرتها على اجتراح أفكار خلاقة، بشأن الصلة مع إيران وحزب الله، عندما تعطيهما مصالحةً مع نظام المذابح في حي التضامن وغيره، ونوبات القتل التي يحسُن التذكير أنّ فلسطينيين كانوا من ضحاياها.
عن العربي الجديد