حماس تحتفل بنتائج الانتخابات الطلابية… هل يؤمن بالديموقراطية من يمنعها في مناطق حكمه؟

في ساحة السرايا وسط مدينة غزة، احتفلت حركة حماس بفوز ذراعها الطلابية “الكتلة الإسلامية” في الانتخابات الطلابية في جامعة بيرزيت في الضفة الغربية. رافقت ذلك مسيرات لحركة حماس جابت شوارع غزة احتفالاً بفوز الكتلة الإسلامية في الانتخابات وحصولها على أغلبية المقاعد بواقع 28 مقعداً من مقاعد مجلس الطلبة.

إلا أن ما يستحق لفت النظر إليه، هو العملية الديمقراطية في جامعة بيرزيت وقدرة الجامعة على الحفاظ على ديمومة الانتخابات وتداولها بشكل سلمي وفعال وحيوي وديمقراطي. وعلى الرغم من ممارسات الاحتلال في التضييق على العملية التعليمية الجامعية في الضفة الغربية، والتضييق على الحركة الطلابية من خلال اعتقال كوادر الحركة الطلابية باختلاف ألوانها السياسية، وأيضاً في ظل حالة من الاستقطاب السياسي الممتدة من الانقسام السياسي الفلسطيني وحالة التجاذب المستمرة، فإن النهج الديمقراطي الذي تبنته الجامعة منذ سنوات طويلة ولا زالت تحافظ عليه، هو تحدٍّ واضح لنهج الانقسام السياسي المرتبط بالسلطتين القائمتين في الضفة وغزة، وأيضاً تحدٍّ لمحاولات الاحتلال الإسرائيلي التخريب على العملية التعليمية وإماتة النهج الديمقراطي في الجامعات الفلسطينية.

لم يكن صادماً فوز الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت، بل كان متوقعاً وواضحاً للجميع، فالواقع السياسي الذي يقرأه الجيل الجديد في الضفة الغربية لا يمكن أن يصب في صالح حركة فتح لالتصاقها بالسلطة الفلسطينية، فالطلاب هنا لا يقدَّمون، في أغلب الأحوال، كمؤيدين لحركة حماس أيديولوجياً وسياسياً، بل يستخدمون التصويت الانتخابي كأداة عقابية ضد فتح كونها السلطة الحاكمة في الضفة الغربية، بالإضافة إلى تبنيها نهجاً يستفز كثيرين من الفلسطينيين، ألا وهو الارتباط بالتنسيق الأمني، وهذا ما يجعل حماس حاضرةً بقوة أكبر في الضفة الغربية، ولأن خطاب حماس في الضفة لا يؤثر في الحاجات الأساسية للناس بشكل مباشر ولم يعرفوا بعد كيف تكون حماس حين تصل إلى السلطة، فخطابها المعارض للسلطة هو الأقرب إلى التأييد في الضفة الغربية.

إلى جانب ذلك، في الانتخابات الجامعية وفي السياق الفلسطيني، تحضر السياسة أكثر من البرنامج النقابي والطلابي، فالكتل المشاركة في الانتخابات تطرح على الطلاب الناخبين وجهات نظر سياسيةً أكثر من البرامج الخدماتية التي يمكن أن تفيدهم في الحرم الجامعي.

ووفقاً لذلك، ليس صادماً أن تفوز الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت، فهي منافس قوي خاصةً في بيرزيت، وقد حصدت مقاعد وأصواتاً كثيرةً في السنوات السابقة وفازت في أخرى، وهي بالضرورة ذراع طلابية لفصيل وحزب سياسي يلعب دوراً كبيراً في الحياة السياسية الفلسطينية، ويحكم جزءاً من الأراضي الفلسطينية.

لكن، في الوقت الذي تشارك فيه حماس في الضفة الغربية في العملية الديمقراطية وتفوز في أغلبها، سواء على مستوى الانتخابات البلدية أو النقابية أو الجامعية، فإنها تقوم في المقابل بإعاقة كافة أشكال الانتخابات في قطاع غزة الذي تحكمه منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، ومنعها، وتضيّق على بعض الأنشطة النقابية والجامعية الممثلة لمنظمة التحرير وغيرها من النقابات، وتتحجج في منعها الانتخابات البلدية بعدم وجود توافق سياسي مع فتح والسلطة على برنامج واضح للانتخابات، وهي لا تريدها بالتتالي بل بالتوازي. لفتح رواية أخرى، وليس المهم هنا الروايات السياسية، بل المهم هو أن الانتخابات التي تمنعها حماس في غزة تشارك فيها في الضفة، وتحصد نتائج مرضيةً على مستوى حزبها وتمثيلها. فهل هذه الازدواجية جزء من نهج ديمقراطي أم أنها مناورة سياسية؟ وهل يؤمن بالديمقراطية من يمنعها في مناطق حكمه؟

دعوات حزبية وحقوقية لعقد الانتخابات الجامعية الطلابية في غزة

جرت آخر انتخابات جامعية في قطاع غزة عام 2006، أي قبل أكثر من ستة عشر عاماً، فمنذ سيطرة حماس على غزة عام 2007، تعطلت الحياة السياسية والعملية الديمقراطية لأسباب كثيرة، منها الحصار والانقسام والبعد الجغرافي بين غزة وبقية المناطق وعدم الاتفاق على برنامج سياسي وطرح وطني مشتركين، إلا أن حكومة حماس في غزة لعبت دوراً معطلاً كبيراً على المستوى الداخلي في غزة، فالجامعات في غزة شهدت أيضاً هي الأخرى تأثيرات من الانقسام السياسي الذي لحقها وضرب بنيتها وأثّر على استمرار عملية التعليم فيها، وحصلت مشكلات كبيرة على مستوى الإدارة والتمويل والتمثيل في بعض الجامعات بين فتح وحماس كجامعة الأقصى. هذه كلها هي حجج حماس في منع الانتخابات في قطاع غزة، وتتحجج أيضاً بأنها ليست هي التي تمنع بل الجامعات نفسها، أي أن إدارة الجامعات الفلسطينية في غزة هي التي لا تريد أن تفتح باب الديمقراطية أمام الطلاب.

إلا أن الرد على ذلك وعلى رواية حماس نفسها، يأتي من المؤسسات الحقوقية والأحزاب السياسية والنقابات والنخب الوطنية. فالرواية الأمنية لحماس بأنها ليست من تمنع الانتخابات تثير الغرابة، خاصةً أنها اخترقت لسنوات طويلة الجامعات وفرّغت الحركة الطلابية من أي نشاط سياسي أو حزبي خارج إطار الفعاليات الحزبية.

فالفصائل والنخب الوطنية والطلابية دعت إلى إجراء انتخابات مجالس الطلبة في جامعات قطاع غزة، حيث دعت الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان عام 2019، في مؤتمر حضره ممثلون عن القوى الوطنية ووجهاء ومخاتير ونخب طلابية من الكتل والاتحادات الطلابية المختلفة، إلى إجراء الانتخابات واعتماد النظام النسبي وفقاً لتوافق وطني، بحيث تتهيأ في الفضاء السياسي حالة ديمقراطية حتى لو في مستوى الانتخابات النقابية والطلابية، في ظل عدم التوافق السياسي على إجراء الانتخابات العامة المتمثلة في الانتخابات التشريعية والرئاسية، وخاصةً بعد تأجيل الانتخابات من قبل رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس.

جيل كامل لم ينتخب في حياته

لم يجرّب “جيل الانقسام السياسي”، أن ينتخب ولو مرة واحدة في حياته في قطاع غزة، فالجيل الذي نشأ وترعرع وكبر بعد سيطرة حماس على غزة، لم يختَر من يمثله في الجامعة والبلدية والنقابة وحتى في البرلمان والرئاسة، ولم يختر من يمثله في المجلس المحلي والبلدي. هذا الحق المنصوص عليه في القانون الأساسي الفلسطيني يتم تهميشه يوماً بعد يوم، وهو منع جيل كامل من المشاركة السياسية التي تعبّر عن تطلعاته الثقافية والسياسية والفكرية والاجتماعية.

إن منع جيل ما بعد الانقسام في غزة من ممارسة العملية الانتخابية، سواء على مستوى الترشح أو الانتخاب، جعل الشباب يعزفون عن الأحزاب السياسية والحياة السياسية بشكل عام، بعد محاولات كثيرة للتمرد والتحرك في اتجاهات أخرى غير تلك التي تفضي إلى اشتباك مباشر مع السلطة السياسية، فتاريخ قمع منظومة السيطرة لحكومة حماس في غزة، للحراكات الشبابية لا تنتهي، وقد بدأت منذ حراك 15 آذار/ مارس الذي نادى بإنهاء الانقسام عام 2011، وحتى حراك “بدنا نعيش في غزة” عام 2019، بالإضافة إلى سياسات الترهيب التي تستخدمها ضد كل من يكتب رأياً تراه السلطات مزعجاً أو تهديداً على مواقع التواصل الإجتماعي. هذا الجيل اليوم في غزة، ومعظمه من الطلاب أو من خريجي الجامعات، يعيش حالةً من التيه الاجتماعي والسياسي ويعيش في عزلة تحت حصار غزة وأيضاً تحت الإسكات القهري في الفضاء العام السياسي والاجتماعي والفكري.

انغماس في رواية الانقسام

ترى حركة فتح أن حماس تمنعها من إقامة مقرات لكتلتها الطلابية في غزة، وترى حماس أن الانقسام بين تيارات فتح هو من يعطل إجراء الانتخابات الطلابية، وترى الفصائل الفلسطينية الأخرى والقوى الوطنية أن السبب في عدم إجراء الانتخابات هو غياب الإرادة السياسية عند جميع القوى السياسية، بما فيهم حماس. يحمّل الجميع الآخر سبب تعطيل الانتخابات في غزة، ولكن يظل الطالب الفلسطيني في غزة متشوقاً إلى ممارسة حقه الديمقراطي في غزة، حيث يُمنع إجراء أي انتخابات في جامعات القطاع، استناداً إلى رواية مائعة، مفادها أن الكتل الطلابية في الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة مدفوعة من قبل أحزاب وفصائل سياسية، وهذا ما صرّح به ناصر فرحات رئيس الجامعة الإسلامية لوكالة الصحافة الفلسطينية عام 2019، إذ قال: “لا نمانع في إجراء الانتخابات الطلابية في الجامعة الإسلامية لكن العائق يتمثل في أن الكتل الطلابية في الجامعات ليست مستقلةً بل وراءها تنظيم سياسي هو الذي يوجهها”.

متابعاً: “حتى ننجح، أدعو أن يُترك الطلاب لخوض تجربتهم الديمقراطية بعيداً عن الكتل السياسية”. هذا المنطق لا تعتمد عليه حماس في الانتخابات الجامعية في الضفة الغربية، فهي توجه كتلتها الطلابية بخطابها السياسي ضد خصومها الآخرين كما تفعل الكتل الأخرى كالشبيبة الفتحاوية التابعة لفتح، والقطب الطلابي الديمقراطي التابع للجبهة الشعبية، وغيرها من الكتل الطلابية.

كما أن تاريخ الحركة الطلابية في السياق الفلسطيني لم ينفصل يوماً عن الفصائل الفلسطينية، حتى قبل أن ينتظم عمل الجامعات الفلسطينية المؤسسي كما هو الحال الآن في ظل السلطة الفلسطينية، أي قبل أوسلو، فالحركة الطلابية الفلسطينية خرجت ونبعت من رحم الحركات السياسية مع صعود منظمة التحرير الفلسطينية.

ليس مفهوماً ضمنياً منع حركة حماس الانتخابات الجامعية في الجامعات، إلا في سياق خوف النظام القائم في غزة من النتائج التي ربما تعكس انطباعات جيل جديد عاش وترعرع وكبر على حكم حماس، ومزاجه، وهو جيل لا يتقبل خطابها، ويرفض وجود منظومة سيطرتها القمعية، وفي ذلك قياس آخر، هو معايشة هذا الجيل لمنظومة القمع التي مورست على الحراكات الشبابية والمطلبية في قطاع غزة، بالإضافة إلى فشلهم في تحسين الأحوال المعيشية وارتفاع نسبة البطالة والفقر في غزة. ولا تستطيع حركة حماس أن تبث خطاباً تعبوياً في غزة، خاصةً لطلبة الجامعات كما تفعل في الضفة الغربية، بسبب حالة اليأس العامة التي يعيشها الشباب، فبحسب مركز الإحصاء المركزي الفلسطيني فإن نحو 200 ألف شاب خريج في غزة لم يحصلوا على فرصة عمل حتى ولو مرة واحدة، فالطلاب في غزة يسمعون خطاب حركة حماس ويرونه كممارسة حكم في الوقت ذاته، وهذا الخطاب لم يعد مقنعاً وليس له بريق لمن يعيش تحت منظومة القهر اليومية.

عن موقع رصيف

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *