حكومة المستوطنين : متروبولين القدس وضم المنطقة ج

نالت حكومة بينيت – لبيد الجديدة ثقة الكنيست الاسرائيلي يوم الاحد السادس من حزيران ٢٠٢١، بأغلبية ٦٠ صوتا ، ضد ٥٩ عارضوها، وامتنع النائب سعيد الخرومي من القائمة العربية الموحدة التي يرأسها النائب منصور عباس عن التصويت لصالح الحكومة نظرا لاستمرار سياسة هدم البيوت ورفض الاعتراف بالقرى الفلسطينية في النقب حيث يقيم . لو صوت الخرومي ضد الحكومة لما كانت ستنال الثقة.

يشير ما تقدم إلى التوازن الهش الذي تستند إليه هذه الحكومة . لا يعني ذلك أنها لن تصمد ، حيث أن ذلك رهن بمتغيرات داخلية وخارجية عديدة ، ومنها مدى قدرة الأطراف المشكلة لها على عقد توافقات وصفقات في القضايا التي ستواجهها ، ومدى الدعم الأمريكي لها وغير ذلك من العوامل. كما أن الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو لا يتمتع باغلبية تمكنه من تشكيل حكومة في حالة سقوط هذه ، وسيكون البديل في تلك الحالة هو التوجه إلى انتخابات خامسة.

وتفيد دراسة للباحث برهوم جرايسي صدرت عن مركز مدار( المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية) يوم ١٥ حزيران الجاري أن ٣٠ من أعضاء الكنيست الاخيرة هم مستوطنون ، أي ربع عدد أعضاء الكنيست ال ١٢٠. كما قدم تقرير صدر عن نفس المركز يو ١٦ حزيران ترجمة للخطوط الاساسية لحكومة بينيت – لبيد ، وسيرا ذاتية لاعضاء هذه الحكومة. ويلفت الانتباه بشكل فوري موضوع القدس في الخطوط الاساسية للحكومة ، وموضوع المنطقة ج من الضفة الغربية التي تمثل ثلثي مساحتها في الاتفاقيات الائتلافية التي وقعها يائير لابيد مع أحزاب يمينا ويسرائيل بيتينو، وتكفا حداشا.

فيما يتعلق بالقدس ، فقد ورد في الخطوط الأساسية للحكومة بند ٥ ما يلي :

” ستعمل الحكومة من أجل نمو القدس ، عاصمة إسرائيل وازدهارها ، مع الاستمرار في البناء فيها بحجم كبير ذي أهمية ، وتحويلها إلى متروبولين ، وعاصمة ديناميكية عصرية ؟ وكجزء من هذا ومن أجل ترسيخ مكانة المدينة كمركز حكومي سيتم في غضون فترة وجيزة بعد بدء عمل الحكومة ، تنفيذ قرار الحكومة بنقل جميع وزاراتها ومؤسساتها الوطنية القطرية إلى القدس “.

يتحدث هذا البند عن إنشاء متروبولين القدس ( حاضرة القدس الكبرى ) ، وهو مشروع أوسع من مشروع القدس الكبرى أقرت الحكومة الاسرائيلية البدء بتنفيذه منذ عام ١٩٩٣وحيث يتضمن مشروع القدس الكبرى ضم الكتل الاستيطانية الكبرى المحيطة بالقدس إليها، فإن مشروع المتروبولين يتجاوز ذلك إذ أنه يصل بالقدس إلى مشارف مدينة الخليل من الجنوب ، والى البحر الميت من الشرق ، ويطوق مدينة رام الله من الشمال بكتل استيطانية من جميع الجهات ، ويشمل المشروع اقامة مطار ضخم ومصانع هايتك ، ومناطق سياحية وفنادق ضخمة في نطاق المستوطنات المقامة في منطقة المتروبولين.

كان حزب العمل الإسرائيلي هو الذي يقود الحكومة الاسرائيلية عندما تم إقرار مشروع متروبولين القدس عام ١٩٩٣، إذن لا غرابة أن يوافق حزب العمل عليه ضمن شراكته في الحكومة الحالية ، كما لا غرابة بسماح وزير الأمن الداخلي عومر بارليف بتسيير مسيرة الأعلام في القدس ” عاصمتنا الموحدة والابدية” كما سماها يوم ١٥ حزيران الجاري ، وهي المسيرة التي وازى عدد رجال الشرطة الذين شاركوا في حمايتها عدد المشاركين فيها الألفين الذين كان جلهم من أطفال المدارس وفد قسم منهم إلى باب العامود من أجل الهتاف بشعارات ” الموت للعرب “، فيما سلك آخرون مسارا آخر . وفي نفس يوم هذه المسيرة قامت اسرائيل بتحويل خط الطيران من مطار بن غوريون ، كما وضعت القبة الحديدية على أهبة الاستعداد لأي طارئ. في ظل هذه الترتيبات التي أعادت احتلال القدس مرة أخرى بعد مرور ٦٤ عاما على احتلال جزئها الشرقي كيف تدعي إسرائيل أن القدس عاصمتها الموحدة الابدية فيما لا تمتلك السيطرة عليها ؟ ، وإذ لا غرابة في موقف حزب العمل حول التوسع نحو إنشاء متروبولين القدس ، فإن السؤال موجه لحركة ميرتس لتوضيح موقفها من هذا البند ، ونفس السؤال موجه لمنصور عباس والقائمة الموحدة التي يرأسها كونهم جزءا من الائتلاف الحكومي.

أما الاتفاقيات الائتلافية بين يائير لابيد رئيس كتلة ” يش عتيد ” ( حزب هناك مستقبل ) ، مع احزاب تكفاه حداشاه ( أمل جديد ) برئاسة غدعون ساعر ، ويمينا ( اليمين ) برئاسة نفتالي بينيت ، ويسرائيل بيتينو ( إسرائيل بيتنا ) برئاسة افيغدور ليبرمان ، فقد تضمنت نصا يطالب بتعزيز المراقبة وتشديد القيود على البناء الفلسطيني غير الشرعي في المنطقة ج . وهذا يعني أن غالبية أطراف الحكومة الاسرائيلية الجديدة يعتبرون المنطقة ج منطقة اسرائيلية سيتم تشريع ضمها إلى إسرائيل عندما تحين الظروف لذلك كما ورد في برامج تلك الاحزاب . دعما لها سيقوم المستوطنون يوم ٢١ حزيران الجاري بمسيرات في كل انحاء الضفة لإعلان الاحتجاج على البناء الفلسطيني ” غير القانوني ” في المنطقة ج كما يسمونه.

معنى ما تقدم أن الحكومة الاسرائيلية الجديدة ستركز على توسيع القدس إلى متروبولين ، وتسريع إجراءات ضم المنطقة ج إلى إسرائيل ، وما تبقى بعد ذلك هي مواضيع يمكن التفاوض بشأنها مع الجانب الفلسطيني وهي مواضيع لا تتعدى التوافق على ترتيبات أمنية واقتصادية مع كل من الضفة وغزة . وقد أعلنت دولة فلسطين على لسان الوزير حسين الشيخ رفضها التعامل مع هذه المنهجية التي تتجاوز الحل السياسي القائم على إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام ١٩٦٧. مع ذلك يتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة ضغوطا امريكية جمة وربما اوروبية ومن بعض الدول العربية على دولة فلسطين للقبول بشكل ما من أشكال التفاوض والحوار مع إسرائيل.

بقي الاشارة إلى قضية التطبيع مع الدول العربية في توجهات الحكومة الاسرائيلية الجديدة ، حيث يلاحظ بهذا الاتجاه أمران : الاول هو إعلان الادارة الامريكية االديمقراطية عن توجه لدعم وتعزيز التطبيع العربي مع إسرائيل وذلك قبل تشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة ، والثاني : هو قيام الحكومة الجديدة بالتأكيد على أهمية التطبيع مع العالم العربي ، وفي هذا الاطار قامت الحكومة بتعيين السيد عيساوي فريج من حركة ميرتس وزيرا للتعاون الإقليمي ، وهنا يثار السؤال عما إذا كان السيد فريج سيبني توجهات وزارته نحو العالم العربي وفق مبدأ ” الأرض مقابل السلام ” أو مبدأ ” السلام مقابل السلام “، وبالتالي سيكون تعاونه الأساسي مع مصر والأردن لتطبيق المبدأ الأول ، أم أنه سيجعل وزارته جسرا لتعميق التطبيع مع دول الخليج وجذب دول عربية إضافية للتطبيع مع اسرائيل بدون حل القضية الفلسطينية ؟ يتطلب الأمر مساءلة السيد فريج العربي – الفلسطيني حول ذلك كونه ينظر إليه إسرائيليا بوصفه الجسر الذي يمرون من خلاله نحو مزيد من الدول العربية وتعميق ما هو قائم من تطبيع مع بعض دول الخليج والمغرب والسودان .

عن معا

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *